اخر المواضيع في المدونة

الأحد، 12 يونيو 2016

همسة عابرة - الزمن



تك تاك .. تك تاك .. صوت اسمعه باستمرار أت من الساعة المعلقة في غرفة نومي امام سريري . تك تاك .. صوت يذكرني كلما سمعته بالزمن , هذا البعد العجيب الذي يتغير ويتقدم بأستمرار الى الامام ولا يعود الى الخلف مطلقا كسحاب الملابس الذي يغلق بأذرعه ما خلفه كلما سحب الى الامام . تك تاك .. تك تاك اصوات لا نهاية لها ولا عدد معين يكونها لا تشير الا الى تقدم الزمن الثابت نحو الامام من غير توقف . كل شيء في تغير مع هذه التكتكات منذ ان كانت قيمة (بعد) الزمن مع بقية الابعاد صفرا في لحظة تكون الكون حتى لحظتنا هذه . كل شي يتحرك مع كل دقة من هذه الدقات ، فقبل ثانية لم نكن ابدا بنفس مكاننا الذي نحن فيه الأن لأن الارض تتحرك بنا حول نفسها وحول الشمس ، ومجموعتنا الشمسية تتحرك مع ارضنا حول مركز المجرة التي هي ايضا بدورها تتحرك بسرعة هائلة مبتعدة عن مركز الكون . تك تاك .. تك تاك حركة دؤوبة نجدها تبطيء احيانا وتسرع كالبرق احيانا اخرى . فحين كنا صغارا كانت حركة الزمن كحركة السلحفاة ، والاوقات كانت دهورا لا تنتهي . فالعام الدراسي لا نبلغ نهايته الا بشق الانفس ، وسنوات الدراسة المتتالية لا تمضي الا بطلوع الروح . وعلى العكس من ذلك نجد الزمن في الكبر يمضي مسرعا كالطلقة ، فالايام والاسابيع تمضي بسرعة البرق وارقام اعمارنا تزيد بسرعة مذهلة . وحتى في الكبر تصادفنا اوقاتا بطيئة واوقات مسرعة ، فحين نذهب الى عملنا صباحا نتطلع بانظارنا نحو ساعة الانتهاء فنجدها بعيدة كل البعد ، ونرى الساعات تمضي مثقلة متباطئة حتى نبلغ ساعة الخروج لكن بعد جهد جهيد وهذا المشهد يتكرر كل يوم . وحين نعود بالمساء الى بيوتنا ونخرج في نزهة او استجمام نشعر بالزمن يهرع بنا وكأنه في مطاردة ، ونجد الساعات تتوالى وكأنها في سباق .
تك تاك .. دقات متتالية تطوي جزءا من عمرنا مع كل دقة . كم تمنينا في بعض الاحيان لو كان بمقدورنا ان نمسك بهذه الدقات وان نوقفها ولا نجعلها تتقدم . ومن مفارقات الحياة اننا استعجلنا مرور الزمن في حياتنا كثيرا فكم اردناه ان يمضي بسرعة في مراحل كثيرة من عمرنا . ففي صغرنا كم استعجلنا مرور السنوات لكي تمضي ونصبح كبارا . وفي دراستنا كم استعجلنا مرور سنواتنا الدراسية لكي نتخرج وننظوي في سلك العمل . وفي عملنا كم كنا نستعجل مرور ايام الشهر حتى نبلغ اخره ونفوز بالراتب . وكم استعجلنا مرور السنوات لكي نترفع ونرتقي في درجاتنا ونتبوأ مناصب اعلى . وفي حياتنا الاجتماعية كم استعجلنا مرور الوقت لنكون قادرين على ان نتزوج ويصبح لنا بيوت وأسر واطفال . وكم استعجلنا بعدها لان يكبر اولادنا لكي نخلص من متاعبهم في صغرهم ونرتاح من مشاكلهم في دراستهم ، وحين كبروا كم استعجلنا لهم بأن يتزوجوا ويستقلوا في حياتهم . كل هذا كنا نستعجله لكي نبلغ راحة لم ولن ندركها ابدا دون ان نشعر باننا بهذا الاستعجال كنا نطوي صفحات اعمارنا ، وان ما يذهب منه لا يعود ابدا . وحين نكبر ونبلغ من العمر عتيا نتمنى ان يبطيء الزمن بنا لكي نستمتع بحياتنا بقدر اكبر بعد ان فاتنا ما فات لكن هيهات ان يكون لذلك سبيلا .
تك تاك .. في كل دقة تدق يضاف رقما اخرا على عدد من الدقات قدرت مشيئة الخالق قيمته لساعتنا الخاصة منذ ان وجد اي منا على هذه الارض . تك تاك .. مع كل دقة يقترب هذا العدد المقرر من الاكتمال لتتوقف عند بلوغه ساعتنا ونغادر خشبة المسرح من غير ان تتوقف دقات ساعة الزمن الكبرى , تلك القاطرة الجبارة التي تتحرك بعزم دائم الى الامام . تك تاك .. مع كل دقة تبدأ ارقام لساعات جديدة بالعد وينزل الى المشهد اشخاص جدد ليؤدوا ادوارهم ، وتنتهي ارقام لساعات سابقة ويغادر شخوصها الساحة بعد ان انتهى دورهم . تك تاك .. زمن يمضي ليسدل الستار على مشاهد انتهى موعدها ويرفع الستار في جهات اخرى على مشاهد حان وقتها .. تك تاك .. تك تاك زمن يتقدم بثبات وجلال دون توقف الى قدر مسمى .




وسام الشالجي
12 حزيران (يونيو) 2016