اخر المواضيع في المدونة

الثلاثاء، 14 أكتوبر 2025

السلسلة الروائية أيام التغيير في العراق للدكتور وسام الشالحي / الكتاب الثاني "يوم الجمعة العصيب"

 

لاقى كتاب "يوم الصخب العظيم" الذي هو الجزء الأول من سلسلة أيام التغيير في العراق نجاحا كبيرا ونفذ من الأسواق بوقت قياسي، على الرغم من أنه أول كتاب مطبوع للكاتب ينزل إلى الأسواق. وقع المؤلف بسبب قلة الخبرة وحداثة تجربته بمضمار التأليف والنشر بخطأ كبير حين أحال مهمة طباعة ذلك الكتاب إلى دار نشر مصرية هي "دار روافد للنشر والتوزيع" من دون الانتباه إلى حقيقة مهمة وأساسية وهي أن السوق الرئيسي للكتاب يقع في العراق وليس بمصر. أدى هذا الخطأ إلى وقوع مشاكل كثيرة مع الدار الموزعة للكتاب من بينها التلكؤ في توزيع الكتاب على المكتبات العراقية ونفاذه من الأسواق العراقية من دون تحقق وضخ كميات جديدة منه, ومع ذلك فإن التجربة تعتبر ناجحة بكل الأحوال على الرغم من كل مطباتها. وبعد نجاح الجزء الأول من السلسلة تشجع المؤلف على خوض تجربة ثانية من خلال تأليف قصة يوم آخر من أيام التغيير بالعراق ذلك هو يوم قيام حركة 8 شباط عام 1963 بالعراق والتي سميت بحينها بحركة 14 رمضان، فكانت النتيجة ولادة فكرة تأليف كتاب جديد عن تلك الحركة هو كتاب "يوم الجمعة العصيب". ومع أن هذا الكتاب كأخيه الذي سبقه في كونه كتابا روائيا وليس تاريخيا وتوثيقيا، إلا أن الكاتب وجد ضرورة ملحة في أن يضيف إليه بعض المعلومات التاريخية حين رأى بأن قارئ الكتاب يحتاج لأن يطلع قبل قراءته لتفاصيل يوم الحدث على طبيعة الأحوال السياسية في العراق قبل يوم 8 شباط 1963 والضرورات الموضوعية التي أدت إلى وقوع حركة التغيير بذلك اليوم، لذلك فقد أضاف إليه مقدمة عن الأحوال السياسية التي سادت بالعراق خلال العهد الجمهوري الأول. كما وجد المؤلف بأن من المتطلبات المستجدة التي يجب أن يدخلها على الرواية هي أن يتضمن الكتاب نبذة مختصرة عن كل شخصية من أبطال الرواية لكي يعرف القارئ خلفياتهم وتوجهاتهم السياسية، ليستوعب بعدها ويفهم طبيعة الأدوار التي لعبوها في أحداث القصة.

 

يتألف كتاب يوم الجمعة العصيب من (26) فصلا تبدأ بفصل موسع يتكلم عن الأوضاع السياسية في العراق أثناء العهد الجمهوري الأول 1958 – 1963، والخلافات التي وقعت بين قائدي ثورة 14 تموز الزعيم الركن عبد الكريم قاسم والعقيد الركن عبد السلام عارف والتي امتدت آثارها لتصبح بالنهاية أحد أسباب وقوع حركة 8 شباط الانقلابية. ومع أن هذا الفصل تاريخي بحت إلا أن الكاتب ظل يحاول جهد الإمكان الحفاظ على الطبيعة الروائية في السرد، فراح يعبر عن وقائع تلك الفترة بأسلوب قصصي بقدر ما يستطيع. كانت حركة 8 شباط عام 1963 من تخطيط وتنفيذ حزب البعث بالعراق بلا منازع، ولكي يفهم القارئ كيف صعد كل من عبد السلام عارف وأحمد حسن البكر إلى رأس السلطة حيث تبوأ الأول منصب رئيس الجمهورية بينما تبوأ الثاني منصب رئيس الوزراء فقد تناول الفصلان الثاني والثالث من الكتاب الحديث عن علاقة كل منهما بحزب البعث، وكيف منحهما هذا الحزب ثقته وأوكل إليهما هذين المنصبين الخطيرين على الرغم من كونهما ليسا من قيادات الحزب المتقدمة. بعد ذلك يتجه الكتاب إلى تعريف القارئ برجال المواجهة التي حدثت من كلي الطرفان، رجال نظام الحكم الذي كان قائما ورجال حزب البعث الذين خططوا ونفذوا الحركة الانقلابية، بالإضافة إلى الرجال الآخرين من خارج الحزب الذي طرأوا على الحركة بعد وقوعها ثم أصبحوا أدوات فاعلة في نجاحها. يمضي الكتاب بعد ذلك في فصوله الأولية برواية مراحل الإعداد والتخطيط لحركة 8 شباط والأحداث التمهيدية التي جرت بالبلد والتي كانت من الأسباب المباشرة لوقوع تلك الحركة مثل اندلاع إضراب الطلبة وتسرب بعض معلومات وأسرار الحركة لأسماع السلطة مما دفع إلى الإسراع في تنفيذها.

 

بعد هذه المقدمات يتوغل كتاب يوم الجمعة العصيب في فصوله برواية وقائع حركة 8 شباط 1963 الانقلابية بالتفصيل وكما وقعت دقيقة بدقيقة ابتداء من سرد أحداث اليوم الذي سبق وقوع الحركة وتحركات الزعيم عبد الكريم قاسم المختلفة بالليلة التي وقعت الحركة بفجرها. يتطرق الكتاب بعدها إلى رواية سلسلة الأحداث التي بدأ وقوعها بالتتابع من الساعة التاسعة من صباح يوم الجمعة الموافق 8 شباط بطريقة روائية معززة بالصور تقرب إلى ذهنية القارئ استيعاب ما حدث وفهم كيف كان هذا التسلسل المعد بدقة مسبقا والذي بدأ باغتيال زعيم الجو جلال الأوقاتي قائد القوة الجوية العراقية ثم بدأ الغارات الجوية على مقر وزارة الدفاع واحتلال محطة الإرسال الإذاعي في أبو غريب من الصفحات التي ساعدت بنجاح الحركة. لم ينس الكتاب أبدا المرور على سلسلة الأخطاء التي ارتكبها الزعيم عبد الكريم قاسم ومعاونوه والتي أدت إلى إطباق الحصار عليهم في مقر وزارة الدفاع، ليتجه بعدها إلى سرد سلسلة العمليات العسكرية التي قامت بها وحدات عديدة قدمت من شتى الأنحاء للهجوم على الوزارة والقضاء على أنواع المقاومة التي أبدتها القوات الموالية للزعيم الموجودة بداخلها. استمرت معركة وزارة الدفاع طوال ما يقارب من ثلاثين ساعة عصيبة على المهاجمين بقدر ما هي عصيبة على المدافعين، وقد قام الكتاب بقدر ما هو ممكن بسرد تفاصيل المعارك الدموية التي جرت للقارئ بطريقة تجعله يعيش أجواءها بكل دقة إلى درجة يشم بها حتى رائحة البارود المنبعث من الأسلحة المستعملة، ويستشعر حتى بسحابات الغبار التي تسقط على المعدات والملابس، لتنتهي بعدها تلك المعارك باستسلام الزعيم قاسم مع أربعة من معاونيه وأخذهم من قاعة الشعب إلى دار الإذاعة والتلفزيون بالصالحية على متن مدرعتين عسكريتين.

 

وبدار الإذاعة ينتقل الكتاب إلى سرد وقائع درامية لما جرى طوال النصف الساعة التي قضاها الزعيم عبد الكريم قاسم ورفاقه أحياء فيها، والتي تناوب بها قادة الحركة الانقلابية في استنطاق الزعيم وتوجيه أنواع الاتهامات والسباب والشتائم إليه، لتنتهي المسرحية بسرعة فائقة بإصدار قرار عن المجلس الوطني لقيادة الثورة بإعدام الزعيم قاسم وصحبه في غرفة الآلات الموسيقية والذي نفذه بحقهم برشاشته الزعيم الركن عبد الغني الراوي وثلاثة ضباط آخرين. الفصل الأخير من الرواية يتضمن ملابسات عملية دفن جثة الزعيم عبد الكريم قاسم وجثث الرجال الذي يمثلون أركان نظامه في منطقة المعامل على طريق بعقوبة القديم، وكيف قام أهالي المنطقة باستخراج جثة الزعيم مما دفع بقوات من الجيش إلى مداهمة المكان وسحب جثة الزعيم قاسم ومن ثم رميها ليلا في نهر ديالى لتغيب بأعماقه إلى الأبد جثة رجل أحبه فقراء العراق واعتبروه المخلص الذي أرسلته السماء لإنقاذهم من الجوع والفقر والفاقة التي عانوا منها لعقود، إن لم يكن لمئات السنين.

 

يتميز كتاب يوم الجمعة العصيب عن سابقه كتاب يوم الصخب العظيم بأن الكاتب أدخل بين سطوره بعض ما يتذكره هو شخصيا عن تلك الفترة وعن حركة 8 شباط 1963 بطريقة لا تمس بأحداثها ولا بوقائعها. كما أضاف الكاتب إلى فصول الرواية صورا فوتوغرافية قام بإعدادها بنفسه لأجل تقريب صورة الأحداث أمام القارئ وجعله يعيش أجواءها وكأنه موجود بين أبطالها يسمع بإذنه ما يقولونه ويرى بعينيه ما يقومون به بشكل يتطابق تماما مع وقائع الأحداث بعيدا عن أي تحريف أو تزوير، وقد بين الكاتب في مقدمة الكتاب هذه الحقيقة بشكل صريح حتى لا يلتبس القارئ ويظن بأن تلك الصور مأخوذة بكاميرات حقيقية. كما وضع الكاتب في نهاية الكتاب جدولا بأهم المصادر التي اعتمدها في تأليف الكتاب بما في ذلك المقابلات الحية مع أشخاص يحملون بعض الذكريات الحية عن حركة 8 شباط وعن شخوصها. بلغت صفحات كتاب يوم الجمعة العصيب (512) صفحة، وقد قامت بطبعه مكتبة النهضة العربية الواقع في بداية شارع السعدون، وهي التي تولت أمر توزيعه داخل وخارج العراق، ويمكن الحصول عليه منها بشكل مباشر أو من خلال خدمة التوصيل. يأمل الكاتب بأن يكون الكتاب قد حقق غرضه ككتاب روائي يوثق حدث تاريخي مهم شكل انعطافة كبيرة في تاريخ العراق الحديث، وأن يكون وجود هذا الكتاب برفوف المكتبة العربية إضافة نوعية جديدة ذات فائدة للقارئ العربي بصورة عامة والعراقي بصورة خاصة، والله الموفق.

 الدكتور وسام الشالجي