بعد نجاح الجزئيين الأول والثاني من سلسلة "أيام التغيير في العراق" للكاتب وسام الشالجي اكتسب المؤلف دفعا جديدا للاستمرار في تأليف أجزاء أخرى من السلسلة التي بدأ بكتابتها مستثمرا الزخم الذي تولد عنده من تشجيع الآخرين وإعجابهم في ما حققه من رواية فصول مهمة من تاريخ العراق المعاصر. ولأن الهدف الأساسي من إصدار هذه السلسلة هو تعريف القارئ, سواء العراقي أو العربي بوقائع أيام تغيير حاسمة حصل فيها تبديل للأنظمة والحكام بالعراق فقد قرر الكاتب الانتقال برواية وقائع يوم جديد من هذه الأيام, ذلك هو يوم 18 تشرين الثاني عام 1963 الذي سبقته سلسلة من الأحداث التي أشبه ما تكون بعاصفة مدوية أو زوبعة شديدة كادت أن توغل البلاد بحرب أهلية شرسة تسفك فيها أنهار من الدماء لا لشيء إلا من أجل وصول هذا أو ذاك إلى سدة السلطة والانفراد بها. ولأن أحداث يوم 18 تشرين الثاني انتزعت إلى حد ما فتيل إشتعال هذه الحرب, ولجمت لسان من كانوا يصبون بتصريحاتهم وأفعالهم الزيت على النار فقد قرر الكاتب إختيار تسمية "يوم احتواء العاصفة" لتكون عنوانا لكتابه الجديد كتعبير عن النجاح بتدارك الأمور باللحظات الأخيرة ومنع خروجها عن السيطرة وإنقاذ العراق من أزمة كادت أن تعصف بأمنه ومستقبله.
لم يكن عسيرا على الكاتب الخوض في غمار قصته الروائية الجديدة لأنه كان تقريبا بسن يعي أحداثها ويتذكر الكثير من تفاصيلها، وبمجرد أن عاد بذاكرته إلى تلك الأيام وراح يبحر في بطون صفحات الكتب الموجودة عنها حتى تولدت بذهنه صورة كاملة عن قوام وهيكل الكتاب الجديد فتوكل على الله وبدأ يخط السطور الأولى من مؤلفه الجديد. يتألف كتاب يوم احتواء العاصفة من (22) فصلا تبدأ كما بدأ الجزء الثاني الذي سبقه بفصل موسع يتكلم عن الأوضاع السياسية في العراق بعهد البعث الأول بعد وقوع حركة 8 شباط عام 1963 التي أزاحت عن السلطة رئيس الوزراء الأسبق الفريق الركن عبد الكريم قاسم وأقامت نظام حكم جديد تربع على السلطة فيه حزب البعث- قطر العراق. وفي بدايات هذا الفصل غاص الكتاب عميقا في أصول الخلاف العقائدي والتنظيمي والسياسي الذي وجد بين حزب البعث بالعراق والحزب الشيوعي العراقي, والذي ترجع أصوله إلى المد الشيوعي الذي وصل ذروته عام 1959. كان التوغل عميقا بهذا الموضوع ضروريا لتهيئة القارئ نفسيا لفهم واستيعاب دوافع ما قام به حزب البعث لاحقا من مجازر وفظائع انتقامية بحق الشيوعيين بعد وصوله للحكم في 8 شباط. وقد استعرض الكاتب في هذا التقديم رواية حادثتين غير مشورتين مرت بأقرباء مباشرين له، واحدة وقعت مع إبن عام والده المقدم موسى الشالجي الذي سحل حيا من وحدته في معسكر الديوانية بعد ثورة 14 تموز 1958 بأيام قليلة. وحادثة أخرى وقعت لوالده المقدم الركن قاسم الشالجي حين كان آمرا لمدرسة الهندسة الآلية الكهربائية بمعسكر الرشيد عام 1959 والذي أنقذه الله بقدرة قادر من عملية سحل مماثلة. وبعد هذه المقدمة يمضي الكتاب في استعراض وقائع الشهور التسعة التي حكم بها حزب البعث العراق، بكل ما فيها من مآس وفوضى وتخبط ضاعت فيه هوية النظام الحاكم حتى كادت البلاد أن تتحول إلى مجموعة ضيعات يتحكم بها رجال لا يملكون معرفة ولا دراية بأصول الحكم وأسسه وضوابطه بقدر ما يجيدون التنكيل والتآمر على بعضهم البعض. ومن بين كل هذه الأحداث المتأججة رأى الكاتب بأن من الضروري أن يضع الأرضية والأسس المسبقة لما سيتبع الكتاب الذي يقوم بتأليفه من كتب أخرى فخصص فصل خاص بين فصول كتابه للدور السياسي والتنظيمي لصدام حسين ونشاطاته خلال عهد البعث الأول عام 1963, وعلاقاته برجال الحكم الذي كانوا سادة تلك الفترة. لم ينسى الكاتب في ما أتى لاحقا من فصول بيان وضع الرئيس الأسبق عبد السلام عارف بوسط الفئة الحاكمة فعليا للبلاد بتلك الفترة، وكيف كان يناور ويراوغ لفهم نفسية ودواخل كل فرد من تلك الفئة، وكيف راح يستثمر الخلافات الموجودة بينهم ويجير كل شيء لمصلحته ويضع أسس وقواعد ما نوى أن يفعله لاحقا.
بعد كل هذه المقدمات ينتقل الكتاب إلى رواية وقائع الأحداث الرئيسية التي أدت بالنهاية إلى وقوع حركة 18 تشرين بذلك العام، والتي بدأت بانعقاد المؤتمر القطري الخامس لحزب البعث بالعراق، ثم تلاه بعد فترة وجيزة المؤتمر القومي السادس للحزب الذي انعقد في دمشق واللذان كانا معا باكورة الانشقاقات والخلافات الحادة التي وقعت بالعراق وقادت إلى ما حدث في جلسة مؤتمر الرشاشات، أو الجلسة الاستثنائية للمؤتمر القطري الخامس التي أدت إلى اقتياد علي صالح السعدي وزمرته من قاعة المؤتمر إلى قاعدة الرشيد الجوية ونفيهم بليلة ظلماء إلى إسبانيا. ثم يتنقل الكتاب بعد قص هذه الأحداث إلى رواية وقائع الأيام العاصفة بين 11 إلى 18 تشرين الثاني التي صارت بها البلاد على شفا حفرة من نار كادت أن تؤدي بها إلى هاوية سحيقة لا يعرف قرارها. وقبل أن تقع الواقعة استطاع عبد السلام عارف استثمار كل ما جرى في تغيير وجهة السفينة المتخبطة وسط الأمواج المتلاطمة، حتى نجح أخيرا يوم 18 تشرين الثاني باستلام دفتها وصار الربان الذي يتحكم بها فأرساها على الشاطئ الذي أعده جيدا بذكائه وفطنته مسبقا ليصعد بعدها إلى السلطة المطلقة ويصبح سيدها بلا منازع. ولأن تحويل الموضوع التاريخي إلى قصة روائية يتطلب إضافة سيناريو وحوار إليها كما هو الحال في إنتاج الأفلام السينمائية, لذلك فقد لجأ الكاتب إلى نفس الأسلوب الذي اتبعه بكتابيه السابقين من خلال جلب المفرادات التاريخية المكتوبة عن الفترة التي هي موضوع الكتاب واستنطاقها وجعلها تتحدث عن نفسها بحوارات مختلفة تعبر للقارئ عن كل ما كان يقال ويدور بعقول أبطال القصة ساعة وقوع الأحداث, والكلام الذي تكلموا به بطريقة تجسد الحدث الذي روته تلك المفردات أمام القارئ بشكل واضح وتجعل الأحداث تبدو وكنها مشاهد واقعية ملموسة ومنظورة. استخدم الكاتب لهذا الغرض كل ما يتمكن فيه من قدرات لجعل القارىء يتخيل كل ما يدور من وقائع وأحداث, بما في ذلك تصور اللقاءات والاجتماعات وسماع الحوارات التي كانت تجري بين شخوص الرواية وكأنه جالس معهم, بحيث يجري بالنهاية تحويل المعلومة التاريخية إلى صورة مرئية كاملة أمام القارئ.
يتكون كتاب يوم إحتواء العاصفة من 448 صفحة, وهو زاخر بالصور الحقيقية بالإضافة إلى تلك التي صممها الكاتب بنفسه للمساعدة بتخيل كل ما كان يجري وما يدور. الكتاب هو أحد منشورات (مكتبة النهضة العربية) في بغداد, وقدر جرى توزيعه على معظم مكتبات العراق, كما تمت المشاركة به في مؤتمرات الكتاب في شتى أنحاء الوطن العربي. يمكن طلب الكتاب لمن يقطنون خارج الوطن العربي أما مباشرة من مكتبة النهضة العربية عبر خدمة التوصيل, أو من مكتبة "نيل وفرات" الدولية عبر شبكة الإنترنت. يتمنى الكاتب بأن يكون قد وفق بإصدار هذا الكتاب المهم وأن يشكل وجوده إضافة مهمة للمكتبة العربية, وأن يكون قد نجح في تغطية وقائع وأحداث مهمة شكلت مفترقا أخرا بين عهدين مختلفين مرا بالعراق في مرحلة تعتبر من أدق المراحل التي عاشتها الدولة العراقية الحديثة, والله الموفق وهو دائما من وراء القصد.
الدكتور وسام الشالجي