اخر المواضيع في المدونة

الثلاثاء، 14 أكتوبر 2025

السلسلة الروائية أيام التغيير في العراق للدكتور وسام الشالجي / الكتاب الأول – "يوم الصخب العظيم"

بعد معايشته لجميع وقائع حركات التغيير السياسي بالعراق منذ أن كان طفل بعقد الخمسينيات من القرن الماضي قرر الدكتور وسام الشالجي أن يخوض تجربة بعيدة عن تخصصه العلمي ويطلق سلسلة روائية لطالما راوده حلم إصدارها تتحدث عن الأحداث التي جرت أثناء وقوع حركات التغيير السياسي في العراق. هناك العشرات من المؤرخين والكتاب الذين كتبوا عن هذه الحركات إلا أنه لم يخطر على بال أي واحد منهم بأن يسطر وقائع تلك الأحداث بشكل روائي كقصة كاملة تجعل القارئ يعيش أحداثها وكأنه موجود فعلا في خضمها, أو يجعل تلك الأحداث تبدو أمام القارئ وكأنها فلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني يعرض أمامه كل ما دار وجرى فعلا في وقتها. كان هذا بالضبط ما يدور بخلد الكاتب حين قرر إصدار هذه السلسلة, إذ توخى بأن ينقل القارئ الذي يعيش بزمن مختلف عن زمن الحدث إلى نفس وقت وقوعه, ويجعله يطلق مخيلته في تصوره وكأنه يعيش وقائعه دقيقة بدقيقة كما جرت بالضبط, وحتى يشعر وكأنه يقف بين أبطاله يراهم ويرونه. ولكي تكون هذه القصص واقعية وذات مصداقية كان لا بد من مراعاة بعض الأساسيات بدقة عند كتابتها أهمها التزام الحيادية المطلقة وعدم الانحياز أبدا إلى أي جهة عند رواية الأحداث سواء إن كانت على حق أو على باطل. الأمر المهم الثاني الذي جرت مراعاته هو عدم الوقوف إلى صف أي شخصية من أبطال القصة مهما كان دورها بالحدث, ظالمة كانت أو مظلومة وترك تقييمها النهائي للقارئ, مع إعطائه الفرصة الكاملة في أن يكون انطباعه الخاص عن الحدث نفسه وكل ما رافقه من جزئيات. كل الكتب التي صدرت ضمن هذه السلسلة هي كتب غير سياسية, ولم يحاول الكاتب فيها أن يلعب دور المؤرخ بل ترك هذه المهمة للمؤرخين المختصين وأخذ دوره فقط ككاتب روائي يأخذ ما يكتبه المؤرخون ويحوله إلى قصص روائية شيقة وممتعة. صدر من هذه السلسة لغاية اليوم ثلاثة كتب, وهناك كتاب رابع تحت الطبع من المؤمل صدوره خلال أيام, وينوي المؤلف الاستمرار بها لغاية التغيير السياسي الحاسم الذي حصل في 9 نيسان 2003. وابتداء من الكتاب الثاني بدأ المؤلف بسرد بعض ما يتذكره وعايشه هو نفسه من أحداث عاصرها خلال مجريات الأحداث التي وقعت, وراح يحاول زجها ضمن الرواية بطريقة جاذبة لا تؤثر على الكيان العام للكتاب.

 

الكتاب الأول الذي صدر من هذه السلسة هو كتاب "يوم الصخب العظيم" الذي يروي قصة وقائع ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958, والتي ولدت بعد مخاض عسير استمر طويلا بدأت فصوله فعليا منذ أن انتهاء حرب فلسطين عام 1948. وكان قد أعقب تلك الحرب بعد فترة قصيرة تشكيل تنظيمات سياسية عديدة بالجيش العراقي قام بتشكيلها بعض الضباط الوطنيين تهدف إلى تجاوز النتائج السيئة لتلك الحرب من خلال إسقاط النظام الملكي وإقامة نظام وطني جديد غير خاضع للاستعمار ولا يتحكم بإرادته قوى أجنبية. وفي أواسط عقد الخمسينيات توحدت هذه التنظيمات بتنظيم واحد سمي بتنظيم الضباط الأحرار, وقد خطط هذا التنظيم لمحاولات عديدة للثورة على النظام الملكي إلا أنها دائما ما كانت تتأجل ولا تنفذ لأسباب عديدة أهمها تردد قيادة هذه التنظيم وضعف عزيمة رجاله. إلا إن الثورة تحققت أخيرا من خلال تعاون ضابطين هما الزعيم الركن عبد الكريم قاسم آمر لواء المشاة 19 الذي هو عرابها والمخطط الاساسي لها, والعقيد الركن عبد السلام عارف آمر لواء المشاة العشرين الذي نفذها فعليا. كانت ثورة 14 تموز في بدايتها انقلاب عسكري بحت صيغة وتدبيرا وتنفيذا, لكنها سرعان ما تحولت إلى ثورة عارمة رافقتها مظاهرات جماهيرية حاشدة تخللتها أعمال غوغائية منفلتة دفعت أسباب كثيرة لوقوعها. كانت هذه الثورة حدثا كبيرا في تاريخ الدولة العراقية بعصرها الحديث وبحياة الشعب العراقي لأنها مثلت حدا فاصلا بين فترتين مختلفتين ونظامين متناقصين لكل منهما طبيعته وميزاته الخاصة. لم تكن تأثيرات ثورة 14 تموز بعد وقوعها محصورة بالنطاق المحلي بل امتدت أثارها بشكل مباشر للنطاق الأقليمي لتشمل علاقة العراق بمحيطه العربي, بل توسع هذا التأثير ليترك بصماته حتى على المستوى الدولي من خلال إنعكاساته على العلاقة بين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي في وقت كانت الحرب الباردة بينهما في أعلى وتائرها. وقد أعقبت تلك الثورة بأيام قليلة للأسف مناحرات وصراعات سياسية أدت بالنهاية إلى اصطدام أبطالها مع بعضهم البعض حتى أدى بالنهاية إلى سقوطها بعد سنوات قليلة من وقوعها بحركة تغيير سياسي أخرى جرت في 8 شباط عام 1963.

 

وبعد دراسة معمقة لثورة 14 تموز من جميع جوانبها والاطلاع على ما تتضمنه من أحداث كثيرة, منها السياسي ومنها الدرامي, ومنها الجماهيري العفوي والجماهيري الغوغائي, إضافة إلى خطط وتحركات عسكرية وسياسية مختلفة وجد الكاتب بأن وقائعها تستحق بأن تروى للقارئ بطريقة سلسة وبأسلوب روائي جاذب يستطيع من خلاله أن يفهم كيف حصلت تلك الثورة وكيف ساعدت الظروف والأقدار على نجاحها وكيف وقعت المجريات الصاخبة التي تبعتها فتبلورت عنده فكرة كتابة رواية متكاملة عنها تحولت بعد نضجها إلى كتاب "يوم الصخب العظيم".

 

 

لم يكن المؤلف عند وقوع ثورة 14 تموز بسن يمكنه من أن يعايش أحداثها فعليا, لكنه يتذكر بعض الشيء من أجواء تلك الأيام من خلال ما كان يظهر على أفراد بيته من انفعالات وردود أفعال وما يصدر عنهم من أقوال وتعقيبات عما يقع بالشارع مما جعله يفهم على الرغم من صغر عمره ماذا تعني كلمة "ثورة", وماذا يعني سقوط نظام وحلول نظام آخر محله مما سا



عده بالتالي على نقل صورة ذلك الحدث لقارئ الكتاب. من حسن الحظ الكاتب أنه وجد عند مباشرته بتأليف هذا الكتاب عن ثورة تموز بمتناول يده كتبا كثيرة جدا يمكن الاستناد عليها كمصادر في رواية ما حدث, بالإضافة إلى عدد لا يحصى من الدراسات والمقالات المنشورة التي تناولت ذلك المنعطف الخطير مكنته بعد الاطلاع عليها في أن يبني الهيكل العام للقصة التي هو بصددها, ويضع سيناريو المشاهد التي تضمنتها ويشكل أركان الحوارات التي دارت فيها.

 

لم يكن أبدا الغرض من تأليف كتاب يوم الصخب العظيم وضع دراسة تاريخية عن ثورة 14 تموز, ولا التطرق إلى منعطفاتها اللاحقة بقدر ما يهدف إلى جعل القارئ يفهم كيف وقع ذلك الحدث الكبير بيومه وما هي المخاضات التي رافقته. ولكي يبقى الكتاب محصورا بهذا الهدف وجد المؤلف بأن من الأفضل الابتعاد عن جميع الجوانب السياسية التي أدت إلى وقوع تلك الثورة, وحصر كل ما يروى بالكتاب بأحداث الأسبوع الذي وقعت به فعليا, وكذلك عدم التطرق إلى جوهر وطبيعة الخلافات السياسية التي تكونت بين أبطال الرواية لاحقا, وترك ذلك إلى الكتاب اللاحق لأنه سيساعد في فهم السبب في وقوع التغيير السياسي اللاحق الذي أسقط ثورة تموز. يتألف كتاب يوم الصخب العظيم من 14 فصلا تتحدث عما جرى بالأيام الثلاثة التي سبقت يوم الإثنين 14 تموز 1958 الذي وقعت فيه الثورة, والأيام الثلاثة اللاحقة التي أعقبتها. يروي الكتاب ضمن فصوله كل الأحداث التي وقعت بذلك الأسبوع الحاسم صغيرة كانت أو كبيرة, ولم يهمل أبدا أي مفردة مهما كانت طبيعتها, بما في ذلك الأحداث المأساوية التي رافقتها من قتل وسحل ونهب وسرقة وتدمير والتي شوهت كثيرا تلك الثورة وأساءت إلى سمعتها. وقد حرص المعد بكتابه هذا بأن لا يدع القارئ ينتهي من قراءته إلا وقد تكونت عنده صورة كاملة عن تلك الثورة وعن وقائعها الصاخبة.

 

وكما هو الحال بأي باحث وكاتب فقد واجهت المؤلف عند دراسته لثورة 14 تموز مشكلة وجود مراجع ومصادر تتقاطع وتتناقص في مضامينها عند توثيقها للأحداث مما وضعه في أحيان كثيرة وسط حيرة كبيرة. ولكي يتخلص من هذه المشكلة حاول المعد الوصول إلى خلق نوع من التوفيق بين المتناقضات الموجودة بهذه المصادر, وتقريب مضامين بعضها من بعض بقدر ما يمكن لكي يخرج بقصة روائية هي أقرب ما تكون للواقع, ومتوافقة مع كل ما حدث إلى أقصى درجة ممكنة. للأسف الشديد فإن الطبعة الأولى من الكتاب نفذت بسرعة من الاسواق بسبب الإقبال الشديد على إقتناءه, وقد يعثر على بعض النسخ المستعملة معروضة للبيع في شارع المتنبي في بغداد, ومن المؤمل عمل طبعة ثانية من الكتاب قريبا إن شاء الله. وختاما, لا بد من القول بأن الرأي النهائي بهذا الكتاب, وتقييمه بصورة عامة فيما إذا كان كتابا جديرا بالقراءة ويستحق أن يأخذ مكانة لائقة في المكتبة العربية يقع على عاتق القارئ الكريم وإن شاء الله يكون عند حسن الظن, والله من وراء القصد.

 

الدكتور وسام الشالجي