اخر المواضيع في المدونة

الخميس، 21 مارس 2019

خواطر بالأسود والأبيض – التمسك بالأشياء والحاجيات القديمة وعدم كسر العادات المتبعة


من الاشياء التي اعتدت عليها بحياتي ، وربما يشابهني بها الكثيرون هي ظاهرة التمسك بالحاجات والاشياء التي ملكتها واعتدت عليها وقضيت معها وقتا طويلا . ولكي اوضح هذه الظاهرة ساقوم بسرد بعض الامثلة عليها والتي ليس عندي شك بان الكثير من الناس قد مروا بها مثلي , أو على الأقل بأمثلة مشابهة .
بعد زواجي امتلكت في بيتي طقم جديد من الاقداح , لا اذكر ان كنت قد اقتنيته او قدم لي كهدية بتلك المناسبة . دأبت على شرب الماء وبقية انواع المشروبات باستمرار بواحد من تلك الأقداح المشابه للقدح المبين بالصورة حتى صرت مع الوقت لا اشرب شيئا الا به . وشيء فشيء صار هذا القدح جزء مني واصبحت لا ارتاح مطلقا لشرب اي شيء الا به . وبمرور الزمن والسنين كسرت كل تلك الاقداح ولم يتبقى منها الا قدح واحد ظللت استعمله واحرص على الاعتناء به لكي لا ينكسر كبقية اشقائه . ظللت استعمل ذلك القدح لحوالي ١٥ سنة ، وفي يوم من الايام سقط من يدي بالصدفة وانكسر . اصابتني صدمة شديدة وحزنت حزنا شديدا حتى كدت ابكي على قدحي المنكسر ، وبذلك اليوم لم استطعم اي شيء شربته في اي قدح اخر . ومن الصدف العجيبة اني ذهبت مساء نفس اليوم الى سوق الكم (راغبة خاتون) لأتسوق ، واثناء مروري بذلك السوق صادف ان مررت بمحل يبيع الفرفوريات فوقفت امامه واخذت اتطلع فيه بحثا عن طقم اقداح جديد لأشتريه . وفجأة ومن غير ما توقع وجدت بين الاشياء المعروضة قدح يشابه بالضبط قدحي المكسور . اخذت القدح وسألت صاحب المحل ان كان عنده طقم من هذا النوع من الاقداح فقال لي بانه لا يملك سوى هذا القدح وحتى انه لايذكر كيف بقي عنده وحده كقدح منفرد وليس كطقم . اشتريت القدح وعدت الى البيت والسعادة تغمرني لاني عدت الى استخدام نفس قدحي المفضل من جديد . ظل ذلك القدح معي لحوالي ١٥ سنة اخرى ولم افارقه الا حين تركت بيتي في بغداد وغادرت الوطن ، ولا ادري لماذا لم افكر بان اخذه معي . 

وفي واقعة اخرى مشابهة هي اني دأبت منذ حوالي ثلاثين عاما ان لا اشرب شاي الصباح اثناء الافطار الا بكوب ابيض مع صحن يشبه الاكواب التي تستعمل بالفنادق او المطاعم والمبين بالصورة . واينما ذهبت وفي اي بيت عشت لابد وان يكون هذا الكوب هو جزء من مستلزمات تناول الفطور بالنسبة لي . واذا لم يكن الكوب موجودا معي في اي مكان أحل به فان أول شيء افعله هو الذهاب الى السوق بذلك المكان والبحث عن كوب مماثل كبديل لاشرب به شاي الصباح . نفس الشيء يحصل عندي دائما مع القمصان البيضاء المقلمة التي اعتدت على لبسها طول حياتي ، فبمجرد ان يتهرأ القميص الموجود عندي بسبب القدم , او يتمزق حتى اهرع للسوق لشراء واحد جديد احرص بقدر ما هو ممكن بان يكون نسخة طبق الاصل من القميص التالف .
لا ينحصر الامر بالحاجيات بل يتعدى ذلك الى العادات المتبعة ، فقد حرصت طول عمري على عدم كسر أي عادة اعتدت على ممارستها ، ولم يبقى هذا الامر محصورا بي بل حتى انتقل الى اولادي الذين اكتسبوه مني ومن زوجتي . وكمثال على هذا فاننا ومنذ ان بدأنا باقامة حفلات اعياد الميلاد لي ، او لأي فرد من افراد عائلتي اعتدنا على ان نطفيء الشموع ونغني اغنية الميلاد لثلاث مرات متتالية ، ولم نغير هذه العادة قط
ليس هذا فقط ، بل اني كثيرا ما ابقي بحوزتي اشياء لا قيمة لها ، لكن لكونها قد بقيت معي لفترة طويلة لا يهل لي ان ارميها او اتخلص منها . مثل هذه الاشياء قد تكون بطاقة سينما او تكت قطار او باص مصلحة او نظارة قديمة او قلم قديم وغيرها من الاشياء . ومن بين هذه الاشياء التي ظلت عندي لفترة قياسية بطاقة مراجعة لوزارة الدفاع اخذتها اثناء خدمتي العسكرية وظلت معي لحوالي ٢٥ سنة . ظللت محتفظا بالكثير من تلك الاشياء لفترات طويلة جدا إلى أن راحت ورميت عند تصفية منزلي في بغداد قبل عدة سنوات ، فذهبت وذهبت معها كل الذكريات التي ارتبطت بها . وهذه صور لأمثلة من تلك الحاجيات .




وسام الشالجي
21 أذار 2019