من الاشياء التي حصلت معي في مقتبل
العمر , وربما تحصل للكثيرين هو هزال الجسد وضعف البنية ايام المراهقة والشباب .
كان هذا الامر من اكثر الامور التي نغصت علي حياتي في تلك الفترة الجميلة والمهمة
جدا من عمر الانسان الى درجة عقدتني وأثرت على نفسيتي . ففي تلك المرحلة من العمر
التي يتطلع فيها الفتى او الشاب لأن يكون في احسن صورة وبأفضل حال لكي يجذب او
ينال اعجاب اصدقائه ومحبيه ، وبالذات الجنس الاخر يصبح من سوء حظه أن ياتيه القدر
بعكس ما يحلم به . فبالرغم من بعض الوسامة التي انعم الله علي بها فقد اصابني بعد
أن بلغت أشدي هزال وضعف عام كان يشتد في بعض الاحيان مما يفقدني تلك الوسامة .
كانت بوصلة نموي الجسدي تدور بالإتجاه المعاكس لما أريده واتمناه . كنت اتمنى ان
اكون ممتليء الجسم تبدو عليُ مظاهر الصحة والعافية لكن هذه الأمنية كانت بعيدة عني
، وكم كنت أغار حين ارى شخص بنفس سني وقد امتلأ جسمه وحسن مظهره . كنت اصنف الهزال
الذي اصابني بتلك المرحلة من عمري وكانه عاهة , او حتى عوق قد حل بي لسبب من
الاسباب . ما دعاني لان انظر لهذا الامر بهذه النظرة او بهذا الشكل هو ما كنت
أسمعه من الأخرين من المعارف والاصدقاء في وصف هذه الحالة حينما يشاهدوني وقد بدت
علي مظاهر الهزال بشكل واضح وجلي . فمن الاشياء التي اعتدت على سماعها بهذا الصدد
باستمرار من الأخرين :
هاي شنو ... هاي شلون غادي ؟
هاي شصاير بيك أشو تلفان ؟
هاي شنو اشو طالع من صور الأوادم ؟
شبيك اشو صاير جلد وعظم ؟
هاي شبيك .. شنو عاشگ ، اشو صاير أبرة
وخيط ؟
هاي شگد ضعفان والله ما عرفتك ؟
هاي شنو أشو خاش بالغسل ؟
أگلك شنو انت ما تاكل .. أشو خلصان ؟
وغير ذلك من التساؤلات
والنعوت.المشابهة . لم يكن هؤلاء يعرفون او يشعرون بمدى ما تسببه هذه الكلمات من
وقع جارح في نفسية السامع والذي يمكن ان يكون شخص حساس وذو شعور مرهف كما كنت أنا
. كانت هذه التساؤلات تصيبني بالخيبة ويملئني الحزن وحتى الخذلان كلما سمعت مثل
هذه الكلمات من اي شخص ألتقيه . الاسوأ من هذا كله هو ان مثل هذه الكلمات الجارحة
لم تكن مخلصة الدوافع دائما , فكثيرا ما تكون متعمدة ومغرضة تأتي من شخص هو نفسه
مريض نفسيا يهدف حين يطلقها لأن يتسبب في احداث جروح بنفس من يتكلم معه وكأنها
تخفف عن كاهله بعض ثقل المرض النفسي الذي يحمله وتشعره بأنه قد حقق نصرا او فاز
بغنيمة كبيرة .
بدأ الهزال وضعف البنية يصيبني ويبان
علي منذ ان اصبحت بالصف الثالث متوسط ، وبالذات حين بدأت قامتي تطول وأخذت علامات
الرجولة تبان على جسدي . ففي هذه السن التي كنت اتمنى بها أن أكون جذابا كان هزال
جسمي يشوه هذه الأمنية التي كنت اتطلع لبلوغها . كان الامر يبدو وكأني لا أكل جيدا
، او ان صحتي ليست على ما يرام او ربما كنت مصاب بمرض ما يسبب لي هذه العاهة ، لكن
بالحقيقة لم يكن بي اي شيء من هذا القبيل والامر كله قد يكون محصورا بعوامل جينية
ووراثية . كانت الحالة تتفاقم في اوقات الإمتحانات حين الجأ للقراءة المعمقة ، ولا
ادري ما علاقة القراءة والحفظ بالحالة البدنية للانسان . وطبعا فأن كثرة التفكير
والغرق بالهوى والعشگ في تلك الايام والعقل النشط الدؤوب الذي لا يكف عن الإشتغال
والتفكير له اثاره الضارة التي سرعان ما تنعكس على الشكل والمظهر . كما ان حالة
الهزال كانت تزداد حدة في أوقات الصيف حيث يقلل الحر من مستوى شهيتي فيقل طعامي
الى حد ما مما يظهر تاثيره مباشرة على قوامي . وأخيرا فأن التدخين الذي تعلمته بسن
مبكرة كان له الاثر الكبير ايضا على حالتي البدنية لاني كنت ارى فرقا واضحا فيها
حين اترك التدخين لاسبوع او اسبوعين حيث تزداد شهيتي وتتحسن صحتي . كثيرة كانت هي
محاولاتي للتغلب على هذه المحنة كما كنت اقرأ كثيرا عنها ، وبالذات في مجلة طبيبك
للدكتور صبري القباني التي كانت شائعة في تلك الفترة . كانت كل الحلول الواردة
بالمجلة عن هذه المشكلة تنحصر بممارسة الرياضة لزيادة الشهية والإكثار من تناول
الفواكه والخضر واخذ جرع من الفيتامينات لتحسين الصحة وزيادة الشهية . كما كنت ارى
في ذلك الوقت بالمجلات اللبنانية التي تصل لبغداد دعاية لمستحضر طبي اسمه (ويت
أون) لزيادة الوزن وكم كنت اسأل عنه بالصيدليات العراقية لكن لم اكن اجده ابدا .
وعملا بنصائح مجلة طبيبك كنت اشتري من الصيدلية مستحضر لمجموعة فيتامينات اسمه
(فيتانورم) قوامه أسود اللون كالدبس ومذاقه كريه لا يستساغ لكني كنت الاحظ فرق
واضح بمظهري حين اتعاطاه , لكني لم اكن استطيع الدوام على اخذه طول الوقت .أستمر ضعف البنية معي حتى بلغت
الثلاثين من العمر عندها بدا وزني يزداد لعض الشيء لكني بقيت رشيق الجسم في اغلب
مراحل عمري . وحين تجاوزت الأربعين أستعدل وزني وأصح مظهري طبيعيا الى حد ما .
وهذه بعض صوري في تلك الفترة التي تظهر ما عنيته بكلماتي أعلاه .
وسام الشالجي
21 تشرين ثاني (نوفمبر) 2018