اخر المواضيع في المدونة

الأحد، 8 مارس 2015

خواطر بالاسود والابيض - كيف تعلمت التدخين


كذب من قال بان اصدقاء السوء هم الذين يعلمون الفتيان والمراهقين التدخين لاني لم اتعلم ابدا تلك العادة الكريهة من احد بل أتيتها مختارا ومن رغبتي الخاصة ولم يدفعني اليها احد قط . لكني اقول بان اصدقاء السوء ربما يدفعون الى الاستمرار بهذه العادة ولا ينهون عنها لانهم ايضا يقعون ضحية لها لسبب او لأخر , فبالتالي يشجعون بعضهم البعض على المضي بها . دخنت لاول مرة بحياتي وانا بالصف الخامس الابتدائي حين سافر والدي بصحبة زوجة ابي واخوتي الصغار بايفاد الى لندن لمدة اربعة اشهر وجلب من بغداد بيبتي (جدتي من طرفه) من بغداد لتقوم برعاية شؤوننا بغيابه . كانوا يقولون عن جدتي تلك بانها بالستين من العمر لكني كنت اراها عجوزة طاعنة بالسن لأن وجهها كان اشبه بخريطة لكثرة ما فيه من اخاديد وحفر عميقة , كما كانت امرأة عبوسة لم اراها تضحك في يوم من الايام ابدا . في كل يوم وبعد الغداء كنت اعد لها منقلة فحم اضعها بوسط صالة الجلوس لتقوم هي بتحضير الشاي عليها وتجلس قبالتها لتدخن وتشرب الشاي . وما هي الا برهة حتى تبدأ بالنحيب والبكاء مرددة بكائيات وفراكيات مختلفة تجهش بالبكاء بعد كل مردودة منها . كنت اجلس معها اراقبها بحركاتها وببكائياتها وانا لا افهم ما يجري ولا ادرك سبب حزنها المفرط وبكائها ذاك , لكني كنت افسره بانه ربما بسبب افتقادها لجدي الذي كان قد توفي قبل ذلك بعدة سنوات وكذلك بسبب مجيئها للبصرة وابتعادها عن بغداد . كانت السكاير التي تدخنها هي سيكاير عرب , وهي لفائف رفيعة تباع بشكل مجموعات ملفوفة بورق ابيض او وردي يبلغ عدد كل مجموعة حوالي 50 سيكارة , وكنت ارافقها في بعض الاحيان الى المحل الذي تشتري منه السيكاير بسوق المغايز بالبصرة وتسميها سيكاير عرب (ترس الصدر) . كانت تضع تلك السيكاير في قوطية فضية وتستعمل قداحة زناد لاشعالها . وحين تفرغ قوطيتها تطلب مني ان اذهب الى المطبخ لاجلب لها وجبة جديدة من السكاير , وحين كنت افعل ذلك اسلت واحدة منها واختبيء خلف الطباخ لكي لا يراني احد واشعلها وادخنها . كنت افعل ذلك دون ان اجد اي معنى او متعة من فعل ذلك , وربما يعود السبب هو لاني كنت اسحب نفس الدخان واطلقه فورا من فمي دون ان استنشقه لذلك لم اجد اي معنى من التدخين , لكني كنت افعله من جانب التقليد فحسب . وبعد ان انهي السيكارة اخذ البقية اليها دون ان تنتبه الى نقصان واحدة منها فتملأ قوطيتها منها واعيد الباقي الى المطبخ . وحين اصبحت بالمتوسطة صرت اكثر اندفاعا للتدخين رغبة مني بالتشبه بالكبار فصرت اسرق كل اونة سيكارة من باكيت زوجة ابي التي كانت تدخن سيكاير (كنت) ذات الفلتر الابيض واخرج الى الحديقة لادخنها , وكنت ايضا لا اجد اي متعة بالتدخين لاني لا استنشق دخانها . وحين اصبحت بالصف الثالث المتوسط سألني احد اصدقائي (السيئين) الذي كنت اتباهى امامه باني ادخن هل استنشق الدخان وادخله الى صدري ام لا , فقلت له (لا) فقال لي جرب بان تستنشقه وسترى كم هو ممتع ولذيذ . جربت ذلك فاخذت اكح بشدة لاني لم اكن متعودا على ذلك . في تلك الفترة فهمت بان الدخان يجب ان يستنشق لكي تعرف المتعة التي ينالها المرء من هذه العادة , لذلك بدأت احاول ان اعود نفسي على استنشاق الدخان من خلال تكرار المحاولة مرات ومرات لكي اتعود على استنشاق الدخان شيئا فشيئا حتى اصبحت معتادا على استنشاقه دون معاناة  . بعد تلك التجربة اخذ جسمي يتعود على السيكاير , وحتى اصبحت اشعر بالحاجة اليها فزادت سرقاتي لها من باكيت زوجة ابي حتى اصبحت تشعر بالنقصان من باكيتها وتنظر الي بنظرات كلها ريبة واتهام لتشعرني بانها باتت تحس بما افعل . ومن حسن الحظ ان السيكاير كانت تباع بالمفرد في تلك الفترة , وكان سعر سيكارة الروثمان التي احببت تدخينها 10 فلوس , ولان مصروفي اليومي كان درهم فكنت استطيع ان اشتري منه سيكارتين او حتى ثلاث باليوم الواحد , وكان هذا العدد كبيرا على مبتديء بالتدخين مثلي . بالمدرسة الاعدادية كنت باعدادية المنصور المقابلة لمعرض بغداد الدولي , وكان الكثير من الطلاب معنا يدخنون لكنهم كانوا لا يملكون ثمن السكاير , لكن كان معنا طالب غني ابوه طبيب وكان يأتي يوميا الى المدرسة ومعه باكيت سيكاير , وبعد المدرسة كنا نذهب خلفها معه الى منطقة الشطيط المحاذية لحي دراغ ونجلس على جرفه فيوزع علينا السكاير من باكيته وندخن معا ونحن نضحك ونتسامر بمختلف الاحاديث . كما كنت في اغلب الايام اخرج من المدرسة ظهرا واتمشى الى تقاطع شارع المنصور مع شارع الاسكان حيث كان هناك دكان ومكتبة مشرف على التقاطع فاشتري منه سيكارة روثمان وبطل بيبسي وأستمتع لبرهة من الزمن بتدخينها وكأني هارون الرشيد . بقيت على هذا الحال حتى دخلت الكلية , وفيها استمرت عادتي تلك وزاد عدد السكائر التي ادخنها لان مصروفي قد اصبح 100 فلس بدلا من درهم , لكني ظللت عاجزا عن شراء باكيت كامل . كان اغلب اصدقائنا بالكلية يدخنون , وكنا نستمتع فيما بيننا بالتدخين بالنادي , وقد دأبنا انا وصديقي العزيز (محمد شغاني) على شراء سيكارة مفرد من العربانة الموجودة بالنادي لمرتين او ثلاث يوميا ونشتري معها قدح شاي من (كريم) متعهد نادي كلية العلوم ونجلس على احدى طاولات النادي لندخن ونشرب الشاي ونحن نمتع انفسنا بالنظر الى فتيات الكلية  وكأننا ملوك . المرة الوحيدة التي كنت اشتري بها باكيت سكاير كانت حين تأخذ جدتي (من امي) التقاعد (او التقاويد كما تسميه) وتعطيني ربع دينار , عندها اتمكن شراء باكيت روثمان الذي كان يبلغ سعره 180 فلس ويبقى عندي يومين او ثلاثة , وكنت اضعه امامي على الطاولة بالكلية لاتباهى به . بقيت طيلة فترة الكلية ادخن واشتري السيكاير بالمفرد ولم اتمكن من شراء السيكائر بشكل علب بشكل منتظم الا بعد تخرجي وصار عندي راتب شهري , عندها توقفت عن شراء السيكائر بالمفرد . 

ظللت ادخن حتى ذهبت الى الدراسة بانكلترة عام 1982 , قررت بعدها ان اترك التدخين بسبب ارتفاع ثمن السكائر هناك خصوصا واني كنت ادرس على نفقتي الخاصة . تركت التدخين لسنتين في حينها لكني عدت اليه بعد عودتي الى العراق حيث اخذت مباشرة ضمن قواطع الجيش الشعبي من خلال بعض السرسرية والحاقدين والحاسدين بالمنطقة التي اسكن ودائرتي فعدت الى التدخين خلال تلك الفترة مرة اخرى . لكن بعد حوالي سبع سنوات , وبالضبط في 1-1-1993 تركت التدخين مرة ثانية والى الابد هذه المرة , ولا زلت تاركا لهذه العادة السيئة منذ حوالي 22 سنة . والان حين افكر بتلك العادة لا اجد ابدا ما هو اسوأ منها , ولا من شيء يمكن ان يضر بالصحة بقدر الضرر الذي تسببه للانسان , واكم نا نادم على كل يوم دخنت فيه بعمري . 

وهذه صور لبعض ذكرياتي مع التدخين : سيكاير كنت , سيكاير روثمان , علبة فضية مع زناد , صور لي وانا ادخن بالكلية يظهر في احداها معي صديق العزيز محمد شغاني وهو يدخن ايضا .






وسام الشالجي
2015-3-8