بقلم
وسام الشالجي
عرف الاخوان صالح وداود عزرا
يعقوب في جميع الأوساط بالاخوين صالح وداود الكويتي بالرغم من كونهما عراقيان
ويحملان الجنسية العراقية قبل ان تسقط عنهما . ويتسائل الكثير من الناس عن السبب
الذي جعل هذان الفنانان يلقبان بـ (الكويتي) مع انهما ليسا كويتيان . ويعود السبب
بهذه التسمية الى انهما ولدا في مدينة الكويت وترعرعا بها في طفولتهما وظلا بها
حتى مطلع شبابهما . ومع ان الاخوة بالكويت يفتخرون ويعتزون بالفنانين صالح وداود
الكويتي الا انه يجب ان نعرف بانهما لم يحملا قط الجنسية الكويتية بل ظلا يعتبران
طيلة مدة مكوثهما هناك من المقيمين الاجانب . وترجع اصول الفنانان صالح وداود الى
اسرة يهودية ارزونية كانت تسكن منطقة العمارة جنوب العراق وتحترف التجارة كمهنة
وحرفة تعتاش منها . وقد دفعت هذه المهنة تلك العائلة الى التنقل كثيرا بين مناطق
مختلفة حسب متطلبات الرزق . ويجب ان يعرف القاريء الكريم بان التنقل بين المدن
والبلدان والاقامة فيها كان يسيرا بالماضي ولا يخضع الى اجراءات معقدة وصعبة كما
هو الحال في أيامنا هذه . في اواسط القرن التاسع عشر هاجر يعقوب جد صالح وداود الى
منطقة شيراز في ايران لكي يمارس مهنته بالتجارة هناك . وفي عام 1867 ولد ليعقوب
ولد سماه عزرا , وهو والد كل من صالح وداود الكويتي . وبعد ولادة عزرا بشهرين قرر يعقوب ترك ايران والعودة
الى العراق واتخذ من مدينة البصرة مقرا لاقامته هذه المرة . وحين كبر عزرا عمل في
التجارة مثل والده , وفي بداية القرن العشرين قرر الانتقال مع زوجته (تفاحة)
إلى مدينة الكويت التي بدأت التجارة الحرة بها بالازدهار ايام السيطرة البريطانية
خصوصا مع الهند واقام في شارع الغرابلي بحارة اليهود بمدينة الكويت . ازدهرت اعمال
عزرا يعقوب التجارية وتحسنت احواله الاقتصادية والمعيشية . وفي عام 1908 ولد له
ابنه البكر صالح , ثم ولد ابنه الثاني داود عام 1910 وهما الولدان الأولان من بين
تسعة بنين وبنات .
نشأ الشقيقان صالح وداود بين افراد الجالية اليهودية التي تعيش بالكويت والتي كان تعدادها بحدود المئة شخص . وفي سن المدرسة ادخلهما والدهما هناك في مدرسة يهودية خاصة حيث اخذا دروس في اللغة الانكليزية واللغة العربية اضافة الى دروس عن الديانة اليهودية . وفي سن مبكرة ظهرت موهبة صالح وداود الفنية وبان شغفهما بالغناء والموسيقى . وحين صار صالح بسن العاشرة وداود في سن الثامنة جلب لهما خالهما (رحمين) من رحلة تجارية له في الهند آلة كمان وألة عود بقصد تشجيعهما على تنمية هوايتهما للموسيقى . اخذ صالح الة الكمان لانه وجد نفسه اكثر ميلا لها بينما اخذ داود الة العود الذي احبه منذ صغره . شكلت هذه الهدية نقطة تحول في حياة الطفلين لانها صقلت موهبتهما وصنعت منهما فنانين عظيمين صار لهما اثر بالغ على الحركة الفنية بالكويت والعراق معا لاكثر من نصف قرن . وعندما انتبه الأب إلى ميول ولديه طلب من الفنان الكويتي المعروف خالد البكر تعليمهما عزف الأنغام الخليجية , فقام هذا باعطائهما دروسا عن الالحان الكويتية والبحرينية واليمانية والحجازية , بعد ذلك تعرفا على الموسيقى العراقية والمصرية من خلال الاستماع إلى الاسطوانات المتوفرة بالكويت . وحين اتقنا العزف والغناء اخذ الشقيقان يحيون الحفلات الفنية وسهرات الغناء على مسامع الشيوخ والوجهاء في الكويت اولاً ثم في اقطار الخليج بعدها .
وبالرغم من صغر سنهما فقد رافق صالح وداود في عام 1927 المطرب الكويتي عبد اللطيف الكويتي برحلة إلى مدينة البصرة لتسجيل بعض الاسطوانات لدى شركات التسجيل الموجودة هناك . وحين وصل صالح وداود الى البصرة كانا يتكلمان باللهجة الكويتية , ولكونهما كانا يرافقان المطرب عبد اللطيف الكويتي فقد اطلقت نفس التسمية عليهما , فشاعت عليهما تسمية (الكويتي) والتي راجت عليهما في جميع الاوساط الفنية والاجتماعية البصرية . ومن جانبهما فقد احب الشقيقان هذه التسمية واتخذا منه كنية ولقبا اعتزا به عرفانا بالرعاية التي تلقوها بالكويت , وقد ظل هذا اللقب يصاحبهما بعد ذلك طوال حياتهما . وفي البصرة نال الاخوين الاعجاب والتقدير من العاملين في حقل الموسيقى والغناء هناك وتلقفت شركات التسحيل نتاجاتهما , وبالنظر لنشاط الحركة الفنية بالبصرة وتطور التقنيات الموجودة فيها قياسا بالكويت ووجود شركات التسجيل فقد قرر الشقيقان صالح وداود الانتقال من الكويت الى البصرة والاستقرار فيها . وفي البصرة بدأ الشقيقان بتوسيع معارفهما ومعلوماتهما الفنية فتعلما قراءة وكتابة النوتة الموسيقية على يد حنا بطرس مدير موسيقى الشرطة هناك آنذاك , كما اخذا يدرسان المقام العراقي واصوله وتفرعاته على يد يوسف زعرور الصغير . وخلال هذه الفترة تعرف الشقيقان ايضا على بعض الفنانين العراقيين ومن بينهم مطرب العراق الأول محمد القبانجي الذي صادف مجيئه إلى البصرة في نفس تلك الفترة لتسجيل بعض الاسطوانات هناك فتعرف إليهما وأعجب بهما وقرر ضمهما إلى التخت الشرقي لفرقته التي هي بإشراف عازف القانون عزوري أبو شاؤول . بدأت شهرة الاخوان صالح وداود الكويتي تنطلق في كل أنحاء العراق , فصارت توجه لهما الدعوات من العمارة وبغداد والموصل لإحياء حفلات هناك . وقد افادهما هذا في التعرف على أنواع الغناء في هذه المناطق مثل الابوذية والعتابة والأغنية الريفية والأغاني الموصلية . وفي عام 1929 انتقلا إلى بغداد للاستقرار فيها بشكل نهائي بعد جولات عديدة في الكثير من المدن العراقية .
وبالرغم من وجودهما في العراق لم ينقطع صالح وداود عن الكويت بل ظلا على علاقة وثيقة معها وبوجهائها وفنانيها ويترددان عليها من وقت لاخر لاحياء الحفلات فيها , وكانا يذكران الكويت بكل خير في كل مناسبة . كما كان الفنانون الكويتيون يتصلون بهما عند مجيئهم الى بغداد ويستفيدون منهما ومن معارفهما لتسجيل أغانيهم هناك . وحين قرر الشقيقان صالح وداود الكويتي الهجرة الى اسرائيل عام 1951 ارسل امير الكويت مبعوثا خاصا منه اليهما والذي استطلع ان يلحق عليهما قبل السفر وصعد الى الطائرة المعدة لتسفيرهما وعرض عليهما المجيء الى الكويت والعيش فيها ومنحهما الجنسية الكويتية بأمر من الامير , الا انهما اعتذرا عن قبول هذا العرض بسبب الظروف السياسية المعقدة التي استجدت بالمنطقة بذلك الوقت .
وسام
الشالجي
21
أذار 2015