كانت ايامي بالبصرة في اوائل دراستي الابتدائية ايام كئيبة يلفها
الحزن , مفرداتها لا تتجاوز الذهاب الى المدرسة صباحا ومن ثم العودة وقضاء ما يجب
علي ان اقوم به من اعمال البيت واداء واجباتي المدرسية ثم اللجوء الى فراشيء
لمطالعة مجلات سندباد التي كنت اجلبها معي من بغداد . كان مجيء اي شخص من بغداد
لزيارتنا , حتى وان كان لسويعات قصيرة يملأ نفسي بفرح طاغي يخرجها من قوقعتها
المكتئبة . وطوال سنوات اقامتنا هناك زارنا الكثير من الاهل والاقرباء والمعارف . وفي احدى المرات زارتنا عمتي وزوجها الذي كان
ابن عم والدتي . طارت روحي فرحا بهذه الزيارة وسعدت نفسي بها خصوصا وان زوج عمتي
يحمل شيء من ريح امي التي كانت حياتي باشد الافتقاد اليها . بقي الاثنين بدارنا
عدة ايام وكنت اشعر بالدفأ حين اجلس الى جانبهما , وبالذات الى جانب زوج عمتي الذي
كان يقربني منه ويربت على شعري مما يشعرني براحة تتوق لها نفسي تأخذني من ظروف كنت
اشعر بعدائيتها لي الى ظروف تمتزج فيها طفولة وابوية حقيقية . كنت اتحدث اليه فاجد
منه اذنا صاغية تسمعني وتتفاعل معي وبريق بعينه يشعرني باهتمامه بما اقوله وانا
المفتقد لمن يصرف دقيقة واحدة لينصت لي وتفهم دواخلي . وكما ان لكل شيء نهاية
انتهت الزيارة وحان موعد الرحيل واصبحت ارى غيوم الحزن تدنو مني ثانية لاني اعلم
ما ستأتيني به ساعات ما بعد الذهاب . كان موعد طائرتهما عند المساء , وقبل الموعد
بمدة كافية اخذنا والدي واياهم بسيارته الى مطار البصرة حيث جلسنا بباحة المطار
منتظرين موعد الرحلة . كنت اتحشك بهما وانا ساكت حزين متمنيا ان لا تحين ساعة
الرحيل ابدا . كنا بانتظار الطائرة لتأتي من بغداد ومن ثم لتعود راجعة بمن سيركبها
من مطار البصرة . مر الوقت وتأخر وصول الطائرة وعمتي وزوجها يتسامرون بانواع
الحديث مع ابي وزوجة ابي . فات موعد وصول الطائرة كثيرا وحل الظلام , ولم يبدوا
بان هناك طائرة تلوح بالافق . وفجأة دوى صوت من السماعة الكبيرة في باحة المطار
ليعلن بان الطائرة القادمة من بغداد لن تأتي لسبب قاهر ويتأسف للمسافرين بان
الرحلة ستتأجل الى اليوم التالي . ساد الوجوم بأوجه المسافرين الا انا حيث صرخت
باعلى صوتي (هيييييييييييييييييييييييييييييه) . ابتسم بوجهي زوج عمتي وقال (كنت
اعلم بانك الوحيد الذي لا ترجو سفرنا , وانك اكثر من سيفرح اذا ما تأجلت هذه
الرحلة) . عدنا الى البيت وقد فاضت بنفسي مشاعر الفرح من جديد لان ساعات بقائي مع
من احب ستمتد لفترة اطول .
وهذه صورة بالاسود والابيض لعمو (محي) زوج عمتي رحمه الله في
تلك الايام الجميلة , وصورة لي ايضا وانا صغير وتعابير الحزن الدفين واضحة علي
بالرغم من الابتسامة على الشفاه .
وسام الشالجي
2نوفمبر 2014