حرمت من والدتي وانا لا
ازال بالرابعة من عمري فنشأت مفتقدا حنان الام الذي عادة ما يكون الطفل في اشد احتياجه
اليه في مثل هذه العمر الصغيرة . ومن سوء حظي ايضا ان والدي اخذنا بعد فترة وجيزة الى
البصرة حيث اصبح يعمل هناك . وفي العطلة الصيفية من كل عام كنا نسافر انا واختي التي
تكبرني الى بغداد , والى بيت جدي بالذات فاقضي هناك اجمل ايامي حيث الاهل والكثير من
الاحبة والأقرباء ومن بينهم خالي (سعد) , الذي كان يغمرني بحبه وعطفه وحنانه بما يملأ
نفسي بسعادة لا توصف . ومع انه لم يكن كبيرا بالعمر في وقتها , الا ان قلبه كان كبيرا
وحبه لي كان يجسد في عيني اواصر المحبة ويحعلني احسس بدفأ الصلة ويعوضني عن ما سلخ
من وجداني من عطف وحنان . ومهما تطول ايام العطلة الا انها سرعان ما تنتهي ونعود الى
البصرة ثانية فتغيب عني مرة اخرى كل معاني الفرح الذي كنت اشعر به . وكنت حين اعود
ابقى ابكي لايام وليالي من شدة المي وحزني , وكان والدي كثيرا ما يغضب اذا ما رأني
على هذا الحال , لذلك كنت اخفي بكائي عنه وعن الاخرين فاندس في فراشي واغطي جسمي ورأسي
وابكي بصوت خافت حتى لا يسمعني احد . كان هذا المشهد يتكرر كل عام دون اي تغيير الى ان تمر فترة انسى بها الالم واعود الى طبيعتي
. وفي احدى السنوات صادف ان يكون من يأخذنا ليعود بنا الى البصرة هو خالي (سعد) لانه كان مسافرا الى الكويت فطلب
منه والدي اصطحابنا معه عائدا بنا الى البصرة . وفي كل مرة كنت اعود فيها بالقطار الى
البصرة كانت رحلة العودة حزينة وتنطوي على الكثير من الالم , لكن هذه المرة فان الرحلة
بالرغم مما فيها من الم الا انها كانت اجمل بعض الشيء لانه كانت مع خالي الحبيب (سعد)
. وصلنا الى بيتنا في الصباح وانا في داخلي شعورين متناقضين , واحد حزين بسبب العودة
والثاني فرح لوجود خالي معي , متمنيا ان يبقى معنا لاطول مدة ممكنة , لكنه غادرنا بعد
عدة ساعات مواصلا رحلته الى الكويت . وفي المساء اخذنا والدي لمشاهدة احد الافلام
, لكني كنت حزينا ومكتئبا طول الوقت راغبا بان نعود الى البيت باسرع وقت مكن لكي اذهب
الى فراشي واطلق كل ما في داخلي من حزن . وحين عدنا واقتربت السيارة من البيت وتسلط
ضوئها على المدخل هالني ان ارى خالو سعد واقفا
بباب الدار ينتظر عودتنا . صعقت من الفرحة حين رايته , ففتحت باب السيارة حتى قبل توقفها
ونزلت وركضت نحوه وانهلت في تقبيله وعناقه وانا لا اصدق كيف ولماذا هو موجود هنا ولماذا
عاد من رحلته . سأله والدي عن الامر فقال له بان مشكلة قد حصلت له بالحدود بسبب نقص
في جواز السفر فلم يجد غير ان يعود الى هنا الى ان يرتب موضوع عودته الى بغداد لتسوية
الامر . جرت الاستعدادات في بيتنا لاستضافته وانا في قمة سعادتي , واقترح هو ان ينام
معي في غرفتي وكم فرحت لهذا القرار . بقي خالي معنا ليومين كانا من اجمل ايام حياتي
الى ان عاد الى بغداد , وكانت هذه اول مرة في حياتي اعود فيها الى البصرة دون ان ابكي
او احزن لذلك .
صورة لخالي سعد في وقتها
وسام الشالجي
1 نوفمبر 2014