اخر المواضيع في المدونة

الثلاثاء، 26 نوفمبر 2019

الى متى يمكن ان تستمر الانتفاضة - مقال

رأي شخصي حول ما يجري بالعراق
في الاول من تشرين الاول الماضي انطلقت في العراق تظاهرات حاشدة بثورة شعبية عارمة ضد الفساد والعمالة والطائفية لم يشهد البلد لها مثيل منذ اكثر من نصف قرن . حظيت هذه الثورة الباسلة التي قام بها نشامى العراق وشبابه بتاييد منقطع النظير من كافة شرائح البلد وتدفق لها دعم ميداني كبير فاق التصورات مما ساعد على ديمومتها وتواصل زخمها لاكثر من شهر ونصف . ومع ان السلطة لم تكن محتاجة لإستخدام اي مظهر من مظاهر القوة تجاه هذه المظاهرات السلمية بطابعها العام والشرعية بعدالة ما تنادي به الا انها للاسف فزعت منها حتى فقدت توازنها بعض الشيء واخذت ترد على الهتافات والشعارات المرفوعة بقوة غير ضرورية وغير مبررة مما اوقع عدد كبير من الضحايا بلغ المئات من الشهداء والوف الجرحى في حملة لم تحدث ابدا في كل تاريخ العراق الحديث ، ولم تجري حتى في اكثر العهود الحاكمة تسلطا ووحشية . ومع ذلك حافظت تلك المظاهرات لحد الان على طابعها العام وابقت على سلميتها بالرغم من كل الاستفزازات التي تعرضت لها من مختلف الأطراف ومحاولات جرها الى منزلقات يمكن ان تؤدي بها الى غير ما تبغيه .

نجحت تلك المظاهرات في ايصال كلمتها وافلحت في بلورة مطاليبها ، خصوصا بعد اعلان الاضراب العام مؤخرا الذي شل مفاصل الدولة وبين للحكومة بان كلمة الشعب لا يعلى عليها وان الجماهير مهما صبرت على ظلم او ضيم فان صبرها لا يمكن ان يدوم الى الابد وان الانفجار قابل للوقوع في اي وقت اذا لم تلبى مطاليب الشعب العادلة ويسمع رايه في النظام الجديد الذي ينتظر ان يحل بالبلاد بعد اجراء انتخابات جديدة عادلة ونزيهة وفق قانون انتخابات جديد يلبي الطموح ويتجاوز الحزبية الضيقة والمحسوبية والطائفية البغيضة .


الى هنا والحال خير على خير ، لكن الخوف هو في ان يؤدي شل حركة البلاد بسبب الإضراب العام الحالي والاستمرار في ايقاف اعمال الناس إلى نتيجة تهدد في انزلاق الجميع في هاوية لا يعرف لها قرار . ان الخشية تكمن في احتمال ان تفقد السلطة عقلها بشكل اكبر وتتحول الى مواجهة حقيقية مع الجموع المنتفضة فتخسر الجماهير التي ضحت كثيرا في ايصال كلمتها كل ما حققته من نجاح لحد الان وتجد نفسها فجأة في مواجهة غير متكافئة ستحملها المزيد من الخسائر واعطاء ضحايا جدد ليس هناك من ضرورة لاعطائهم بعد ان ابدت الجهات الحاكمة استعدادها للنزول عند مطالب الجماهير . يجب الادراك بان للحكومة ومختلف رجال السلطة جيوش مسلحة لم يلجأ لاستخدامها لحد الان ، وان هؤلاء اذا تهدد وجودهم وتهددت مصالحهم لن يتوانوا حتما عن تحريك تلك الجيوش والزج بها في مواجهات ومعارك سيدفع المواطن العراقي وحده ثمنها باهضا . والخوف الكبير الأخر هو في ان تتدخل قوى اقليمية تراقب حاليا ما يجري بالموقف وتضخ السلاح للجماهير المتظاهرة لتعيد مشهد ما حدث بسوريا عام ٢٠١١ وتجعله يتكرر لكن بالعراق هذه المرة .


ان من المفضل الان استخدام الحكمة وترجيح العقل والتخفيف من الزخم الحاصل والإعلان بان الجماهير المتظاهرة ستعطي فرصة لقوى السلطة للاستجابة لمطالبها بعد ان اعلنتها بشكل واضح ، وإعطاء مهلة معينة لتنفيذ تلك المطالب ، واخضاع كل تشريع جديد للاستفتاء العام . وبعد فترة يتم ملاحظة ما تم انجازه والدعوة من جديد لمظاهرات جديدة ان تلكئت السلطة في تنفيذ ما يطلب منها . كما يجب بنفس الوقت مطالبة السلطات باجراء التحقيق في حوادث القتل التي وقعت بحق المتظاهرين والقبض على الجناة ومحاسبتهم قانونا وانزال اقصى العقوبات بحقهم واعتبار جميع القتلى شهداء ومنح ذويهم الاستحقاقات القانونية بموجب ذلك . قد يكون هذا الرأي غير مقبولا من قبل البعض لكنه بنظري انسب الحلول ، وليكن بعلمنا ان المظاهرات لوحدها لا تستطيع ان تقيم نظام جديد ولا ان تشرع قوانين جديدة يمكن العمل بها ، والله من وراء القصد .


د. وسام الشالجي
١٩ تشرين ثاني ٢٠١٩