في العقود الاخيرة برزت
للوجود ظاهرة انخفاض اعداد السكان في دول الغرب الاوربية والامريكية حتى سجلت
مستويات خطيرة باتت تنذر بسير شعوب هذه الدول نحو الانقراض . ولأجل ان تبقى اي أمة
مستمرة وغير مهددة من ناحية عدد السكان يجب ان تكون نسبة الخصوبة في الأنجاب فيها
لا تقل عن نسبة 2.11 ، وتبقى تعتبر مقبولة ولا تؤشر قدر كبيرا من التخوف اذا ظلت
حوالي هذه النسبة ولم تنخفض عن نسبة 2.0 . وحين تهبط هذه النسبة الى ما دون 1.9
فأن شعب تلك الامة يصبح معرض للتناقص باستمرار , واذا ما وصلت نسبة الخصوبة في
الانجاب الى مقدار 1.3 او أقل فان الشعب يصبح مهددا بالانقراض خلال مدة تتراوح بين
80 الى 100 عام . بدأت نسبة التزايد السكاني في دول
الغرب بالانخفاض عن المستوى الطبيعي منذ اواسط القرن الماضي . في البداية كانت
معدلات الانخفاض لا تؤشر خطرا كبيرا ، وكان يجري التعويض عن انخفاض اعداد السكان
من خلال قيام دول الغرب بقبول اعدادا من المهاجرين بمعدل سنوي بحيث يبقى عدد سكان
كل دولة بقدر ثابت تقريبا . الا ان نسب التزايد وصلت الى معدلات خطيرة منذ بداية
القرن الحالي , فقد وصلت النسبة عام 2007 في فرنسا الى مقدار 1.8
, وفي انكلترة الى 1.6
وفي المانيا واليونان الى نسبة 1.3 وفي ايطاليا الى نسبة 1.2 وفي اسبانيا الى 1.1
, وقد بلغ المعدل العام لنسبة التكاثر في عموم القارة الاوربية الى معدل 1.38 . ان
هذه النسبة تعني ان شعوب القارة الاوربية الاصلية ستنقرض وتختفي من الوجود خلال
مدة لا تزيد عن مئة عام , او بكلمة اخرى فأن
القرن الثاني والعشرون سيطل على العالم وقد حدث فيه تغير ديموغرافي هائل ستتغير
فيه بنية الكثير من دول الغرب وتصبح شعوبها مختلفة تماما عن ما هي عليه اليوم او
في اوائل القرن الحالي . وعلى العكس من هذا الحال هو الوضع في شعوب الشرق التي ظلت
مستويات الخصوبة بها عالية بشكل مفرط بحيث كان عدد سكانها يتزايد بشكل منفلت كما
هو الحال بالهند وبعض الدول العربية والافريقية . فعلى سبيل امثال تبلغ نسبة
الخصوبة في بعض بلدان الشرق الاوسط المسلمة نسبة 8.2 كما هو الحال في مصر والعراق
والسودان واليمن , لذلك نجد اعداد السكان بهذه البلدان يزداد بشكل سريع حتى انه
يتضاعف كل 25 سنة تقريبا .
ويعود الانخفاض في عدد السكان الى عزوف الناس عن الزواج والذي يرجع بالاساس الى القوانين الصارمة التي شرعتها تلك الدول لحماية المرأة والاطفال من مخاطر ومتاعب انفراط عقد الاسرة والذي كان قبلها يهدد مستقبل الاولاد ويؤدي الى ضياعهم نتيجة للانحراف والخروج عن مسار النمو الصحيح بسبب غياب التربية الاسرية السوية وفقدان الامكانية المادية لمعيشتهم . لقد كان لتلك القوانين والأعباء الجمة التي صار الزوج يتحملها في الانفاق على زوجته السابقة واطفاله بعد الانفصال دافع كبير لان يعزف الرجل عن الارتباط بأمرأة عن طريق الزواج واستبدال الامر باقامة علاقات حميمة خارج اطار الزواج . ونتيجة لهذا الوضع الجديد فأن تلك الدول راحت تمد أثر قوانين حماية الاسرة لتشمل بمفعولها حتى العلاقات غير الزوجية واصبح الرجل يحمل مسؤولية الأنفاق على اولاده الذين يأتون للحياة حتى وان كانوا قد أتوا من علاقة غير زوجية . صار هذا الحال عامل اضافي جعل الناس يحاولون كل ما بوسعهم لكي لا ينجبوا وبالتالي أخذ يؤثر على نسب الخصوبة ويقلل من نسب التكاثر بالمجتمع حتى بلغت تلك النسب المتدنية الخطيرة . وكتعويض عن الحب المفتقد والحياة الاجتماعية الغائبة عن الحياة راح الناس في دول الغرب يلجئون بدوافع كبيرة الى بدائل اخرى اهمها تربية الحيوانات , وعلى الأخص الكلاب والقطط . ولان مثل تلك الحيوانات لا تنطق ولا تستطيع الدفاع عن نفسها ولا تتمكن من ضمان وحماية حقوقها بالحياة نرى ان دول الغرب وبتاثير من جمعيات الرفق بالحيوان قد شرعت قوانين وانظمة تحمي تلك الحيوانات من الاخطار التي يمكن ان تحدق بها في حالة عزوف الشخص عن تربيتها والاعتناء بها وتركها في ظل ظروف قاهرة لم تعتاد عليها . ليس هذا فقط بل ان الحال اصبح أشبه بحالات التبني حيث اصبح للحيوان اسم يرتبط باسم اسرة الشخص الذي يرغب بتربيته وحتى يمكن ان يرث صاحبه اذا ما غاب اي وريث رسمي لذلك الشخص . وقد أدت عملية تبني الحيوانات والامعان في تربيتها والاعتناء بها الى جعلها كأنها افرادا من الاسرة يشابه وضعها تماما موقع الابن او الابنة وبالتالي دفع بشكل اكبر الى عزوف الناس عن عملية الانجاب . غير ان الحاجة الى الحبيب او الحبيبة لسد متطلبات الجسد ظلت موجودة ولم يقلل من وجودها الاتجاه الى تبني الحيوانات كبديل للذرية . لذلك نرى الناس بدول الغرب أستمروا في تكوين العلاقات الحميمة بين الجنسين لكن مع الحرص بشكل كبير بان لا يكون الانجاب ثمرة لهذه العلاقات من خلال استخدام كافة وسائل منع الحمل المتاحة . اما في دول الشرق فان الحال هو مختلفا تماما فلا وجود في هذه الدول لقوانين صارمة تثقل كاهل الزوج في حالة انفصاله عن الاسرة مما جعل معدلات الزواج محافظة على طبيعتها ونسب الخصوبة محافظة على معدلاتها المرتفعة .
وفي السنوات الاخيرة ونتيجة للتقدم التقني والعلمي راحت بعض الشركات تحاول صنع روبوتات بشرية تشابه بهيئتها هيئة الانسان العادي بنسب متقدمة وصلت الى قرابة الـ 95% . لقد وصلت هذ الروبوتات الى درجة عالية من التقدم والتصرف المشابه للانسان , فهي اصبحت تتكلم وتتحاور من خلال الذكاء الصناعي المزروع بعقلها الداخلي . المهم في هذا ان تلك الروبوتات لم تصنع لخدمة الانسان في الصناعة او الزراعة او لقضاء احتياجات المنزل فقط , بل انها اتجهت في دوافع صنعها ايضا الى جعلها بديل عن الحبيب او الحبيبة التي يحتاجها الانسان لأرضاء حاجات نفسه الجسدية . فقد اصبح من الممكن في عالم اليوم ان يذهب الرجل الى محلات خاصة ليشاهد بنفسه عشرات النماذج من الروبوتات المصنوعة على شكل فتيات ومن ثم يختار النموذج الذي يعجبه ويقتنيه . هذه الروبوتة لها مظهر خارجي وملمس يشابه بفنية عالية ملمس الفتاة الطبيعية , ولها شعر وفم ولسان واسنان تماما مثل أي انسانة عادية . كما انها تستطيع التكلم والتحاور مع صاحبها بالضبط كالمرأة الحية . والاهم من هذا كله ان الرجل اصبح يستطيع ان يجعل من هذه الروبوتة حبيبة تشاركه في فراشه ويستطيع ممارسة الجنس معها وكأنها زوجة طبيعية تماما . لا يقتصر الحال على صنع روبوتة بشكل أمرأة بل امتد الامر ليتم صنع روبوت بشكل رجل ايضا يستطيع ان يقوم بنفس الدور الذي يقوم به الرجل بالعلاقة الحميمية . ترى هل سيؤدي هذا التطور الى خلق عوامل اضافية تدفع بالرجال والنساء في دول الغرب الى الاستغناء عن الجنس الاخر في ارضاء حاجات الجسد الضرورية . الشعوب الوحيدة التي لا يمكن ان تتاثر بهذه التطورات هي شعوب الشرق وذلك لأعتبارات دينية اولا ولأعتبارات اجتماعية ثانيا لأن الاقتران بشريك من الجنس الاخر سهل ومتاح في مثل تلك الدول ولا وجود لقوانين صارمة تحمل الزوجة اثقال كبيرة في حالة انفراط عقود الزواج . لذلك ليس من المتوقع ان تؤدي هذه التطورات التقنية الى حصول اي تغير بنسب الزواج والاقتران في مثل هذه الدول ولا ان تؤثر على نسب الخصوبة بالمجتمع .
السؤال المهم والخطير بهذا الامر هو: هل سيكون التقدم بهذا المضمار مسببا جديدا الى انخفاض نسبة الخصوبة بالمجتمعات الغربية بشكل اكبر مما سيجعل من وتيرة التناقص بعدد السكان فيها شديدة وسريعة ؟ وهل يمكننا ان نتوقع اختفاء شعوب دول الغرب من الوجود وانقراضها خلال خمسين عاما بدلا من مئة عام ؟
وسام الشالجي
13 أيلول (سبتمبر) 2017