اخر المواضيع في المدونة

الجمعة، 30 يوليو 2021

حكايتنا مع العراق

 
كان العراق في بداياته اشبه بأناء خزف رائع متنوع الألوان, موضوعا على طاولة من الخشب النادر مصنوعة بشكل بديع وكأنها تمثل العراق بكل أطيافه وأديانه واقلياته. ولأسباب خارجة عن الإرادة تعرضت تلك الطاولة إلى بعض الإرتجاجات والهزات حتى تضعضعت اضلاعها وسقط الأناء الموضوع عليها من علو وتكسر وتناثرت اجزاءه.



كان الاناء الذي سقط وتكسر إناء خزفي متنوع الالوان تحول مع الزمن الى تحفة اثرية مما تطلب لأيجاد بديل له بان نبحث عن هذا البديل في محلات الانتيكات . وبعد بحث مضني وجهد جهيد لم نعثر على شيء شبيه يطابق الاناء المكسور , لكننا وجدنا إناء قريب منه لحد ما فإشتريناه وعدنا به للبيت ونحن بقمة السعادة ووضعناه على الطاولة وكلنا ظن بأن المشكلة قد إنحلت وعاد كل شيء إلى ما كان عليه. لكن بعد وضع الإناء على الطاولة بمدة عاد وسقط وتناثرت اجزائه مرة اخرى. عاودنا البحث مرة ثانية فلم نجد اناء شبيه بالاول ولا بالثاني مما دفعنا لان نختار اناء جديد لا يشبهما لكن فيه شيء او لمحات ولو بسيطة منهما. تكررت العملية مرة ثالثة ورابعة حتى اصبح الاناء الذي جلبناه اخر مرة لا يشبه ابدا الاناء الاول بل بعيد عنه كل البعد لكننا رضينا بما حصلنا عليه وسلمنا امرنا لله. ومن سوء حضنا إن هذا الإناء إنكسر ايضا بالرغم من صموده لفترة تجاوزت كثيرا مدة بقاء سابقيه على تلك الطاولة. دفعنا كثرة تكرر الامر لان نفكر قليلا عن سبب ما يجري فإكتشفنا بان العيب الذي يسبب كسر الاناء بكل مرة هو ليس بالإناء وإنما بالطاولة التي لم تعد تصلح لوضع أي إناء عليها لكثرة تثلمها واعوجاج أرجلها وتشقق سطحها. اخذنا الطاولة للنجار لاصلاحها فكشف عليها بدقة وقال لنا بان خشب هذه الطاولة قديم واثري ولا يوجد منه الان وإن من الصعب عليه اصلاحها لعدم توفر نفس موادها الاصلية, ونصحنا بان نصنع طاولة جديدة وان نأخذ الطاولة القديمة ونستعملها كحطب لحمامنا الحجري او لتنور الخبز الموجود في دارنا . لم ترق لنا نصيحة النجار وعدنا بطاولتنا العزيزة على قلبنا والحزن يملئنا من دون ان نعرف ماذا سنفعل لكي نعيد الحال الى ما كان عليه . ركنا الطاولة جانبا في مخزن عتيق بالدار بأمل ان نجد في يوم من الايام حل لها وللاناء الذي كان عليها . مر الزمن ونسينا أمر الطاولة وانشغلنا بشؤون اخرى , لكن رائحة خشب الطاولة القديمة الاثري جلبت كما يبدو حشرة الارضة للبيت واخذت تأكلها , ثم انتشرت منها الى كل اجزاء المنزل وراحت تأكل اثاث بيتنا الخشبي ونحن بغفلة عن ما يجري . وحين انتبهنا لما حصل كان الحال قد ساء الى درجة جعلت البيت كله موبوء بهذه الحشرة وأصبح آيل للسقوط , وحين إستدعينا خبير بهذه الحشرة أخذ يدرس هذا الأمر من كل الوجوه حتى خرج بنتيجة أفجعتنا, قال لنا بأن الحشرة متفشية بكل أنحاء الدار بشكل عجيب وغريب ورهيب بنفس الوقت ولن يفيد معها أي علاج غير الحرق. لم يبقى أمامنا غير ان نلملم ما سلم من تلك الحشرة اللعينة من موجودات ونهرب بها وبانفسنا الى بيت جديد وبعيد متأملين بان نعثر في يوم ما على مسكن جديد يشبه بيتنا القديم لنسكنه ونستعيد به ذكرياتنا الضائعة, وربما نحظى فيه بحال افضل مما مر بنا بتلك الدار العتيقة. ومرت الايام وتبعتها السنون حتى نسينا ما كنا نبحث عنه وما نحلم بأن نجده في يوم من الايام, وتاقلمنا بالبيت البديل الذي سكنٌاه ونسينا البيت القديم ولم تعد صوره وذكرياته تمر بخاطرنا إلا بأحلامنا في بعض الليالي والتي بدات تقل وتتناقص مع الايام. هذه حكايتنا مع بلدنا العراق التي انتهت بفقدان الاناء الخزفي والطاولة الاثرية وتحطم البيت بما فيه وهجولتنا في ديار الأرض.

وسام الشالجي
28 أب 2016