اخر المواضيع في المدونة

الأحد، 31 يوليو 2016

خواطر بالاسود والابيض - الحب والكراهية بين الاشخاص

الحب والكراهية غرائز طبيعية موجودة في داخل كل انسان , وهي أحاسيس أنسانية بحتة تميزه عن بقية سائر مخلوقات الله . والحب قد يكون عاطفيا ينشأ بين الرجل والمرأة ويقود الى الزواج والانجاب وتكوين الاسرة , وهو ليس المقصود بخاطرتنا هذه . أو قد يكون شعورا انسانيا يتبادله الناس ليس له علاقة بجنس او غريزة وانما انعكاس لتوافق الابراج والانسجام الاخلاقي والشخصي بين الاصدقاء والزملاء , وهو موضوعنا لهذه الخاطرة . اما نقيض الحب , وهي الكراهية فهي حالة من التنافر غالبا ما تتولد من تضادد الابراج واختلاف وتقاطع الميول والطباع تؤدي الى البغضاء والتباعد والنفور بين الناس . وقد شبه الكثير من علماء النفس مشاعر الحب والكراهية بخطوط المجال المغناطيسي التي تترابط وتشد بعضها البعض حين تكون متعاكسة الاقطاب , او تتنافر مع بعضها وتتباعد حين تكون ذات اقطاب متشابهة . ومع ان هذا التشبيه قريب في الوصف بشكله العام الا انه بعيد كل البعد في الاساس الذي ينطلق منه . فالناس المتشابهين بالطباع والاخلاقيات غالبا ما ينجذبون لبعضهم على ارض الواقع بعكس الاقطاب المغناطيسية المتشابهة . اما المختلفين والمتعاكسين في ميولهم واتجاهاتهم فانهم عادة ما يتنافرون فيما بينهم ولا يتوافقون ابدا .   

لقد وجد الحب والكره ببعدهما الانساني منذ ان وجدت الخليقة , وهما بالرغم من تناقضهما موجودان في داخل كل انسان لكن بدرجات متفاوتة . ولا ترتبط مشاعر المحبة والكراهية بين الاشخاص بشكل او سن او درجة تعليم او بأي سبب معين لان ولادتهما لا تعتمدان على عوامل محددة , بل هما يولدان في النفس نتيجة لوجود ظروف او اسباب تساعد على تكونهما تختلف من حالة لاخرى . كما ان الكثير من الحب والكره بين الناس لا يمكن تفسيره ولا يعرف له سبب معين على وجه التحديد . فكم هناك من اشكال غير جميلة على سبيل المثال , بل وحتى قبيحة لكنها يمكن ان تْحب من قبل البعض بدرجة كبيرة . وعلى العكس من ذلك كم هناك من اشكال غاية في الجمال لكنها لا تدخل القلب ابدا , بل حتى يمكن ان تكون مكروهة في بعض الاحيان . وقد يتغلب شعور الحب في انسان معين على اي شعور اخر لانه قد اكتسبه بشكل كبير في حياته , وبالذات عند تربيته وهو صغير . او قد يفتقد انسان اخر مشاعر الحب كليا وتسود في داخله مشاعر البغض وتسيطر على عقله أحاسيس الكراهية تجاه الاخرين لأنه نشأ من غير ان يألف أي حب يغمره , خصوصا وهو صغير . وبصورة عامة فان المحبة تتكون بين الاشخاص حين تتوفر عوامل الصدق والاخلاص والوفاء والتواجد عند الحاجة , وهذه غالبا ما تنمي مشاعر الحب حتى يمكن ان تصل الى درجة الافتداء . اما البغض والكراهية فانها تتولد حين تتواجد مشاعر خفية من الغيرة والحسد والحقد الكامن والتي لا تنفس عن نفسها الا بشكل حالة من التضايق والاشمئزاز والنفور والعداوة , أو على اقل تقدير عدم تعاطف وعدم تقبل للشخص المكروه . ومن مظاهر الحب والكره الشائعة بين الاشخاص باننا نجد حين يلتقي جمع من الناس لسبب معين , كأن يكون القبول في جامعة او كلية او الانتساب لمعمل او مؤسسة او دائرة فاننا غالبا ما نجدهم بعد فترة وجيزة وقد تفرقوا الى مجموعات صغيرة من الافراد تختلف في صفاتها تكونت نتيجة للتوافقات والتنافرات التي تحصل بينهم , ومن هنا جاء المثل القائل (الطيور على اشكالها تقع) . ولا تخلو حياة أي انسان من اشخاص عرف فيهم الحب بأجمل معانيه , ومن اشخاص كرهوه لأسباب هي على الغالب اسباب خاصة بهم , او ربما حتى من دون سبب . انا شخصيا خبرت الحالتين معا في شخوص اناس عديدين وبحالات واضحة وصارخة كانت تنطق عن ما فيها حتى من غير لسان سأجعلها محور خاطرتي هذه , وساورد مثالين عليهما .

الحالة الاولى التي مرت بي هي حالة من الحب الصادق والوفاء المخلص عرفته في واحد من اعز اصدقائي القدماء , وربما هو اقدمهم على الاطلاق ذاك هو صديقي العزيز والدائم (منذر الكبيسي) . لقد عرفت هذا الانسان في أوائل حياتي ومنذ مدة قاربت الخمسون عاما , وقد وجدت في قلبه حبا جارفا لاصدقائه لا يعرف حدود وليس له مديات محددة . كما وجدت هذا الانسان يتفانى في خدمة اصدقائه وتقديم العون لهم حين يكونون محتاجين اليه , كما وجدته سباقا في اقتناص الفرص المفيدة وتقديمها لهم حتى من غير ان يطلبوها . انا شخصيا استفدت من العديد من الفرص التي وفرها لي هذا الصديق المخلص , وكم كنت الجأ اليه في اوقات الصعاب فلا يدخر جهدا في تقديم المساعدة والعون حتى وان كان بالنصيحة والمشورة والرأي السديد . لم اشعر ابدا في يوم من الايام بأن بيني وبينه حواجز , بل كنت استطيع وانا على ثقة تامة واطمئنان راسخ بان ابوح له بكل ما في خاطري ونفسي من غير خشية او تردد , وكان دائما وبحق الصندوق الامين لحفظ الاسرار . اعترف بكل صراحة باني كنت اغترف من هذا القلب المحب كل ما اريد وأخذ كل ما احتاج اليه , واني لم ارد له ولو شيء بسيط مما قدمه لي . حفظ الله صديقي الحبيب (منذر) وادامه لي صديقا طول العمر .

المثل الاخر المناقض للحالة الاولى هي حالة صديق مرً على خلال سنوات عملي كأستاذ في معهد النفط لكني لن اذكر اسمه هنا لاعتبارات اخلاقية . تعرفت على هذا الصديق بعد تعييني بالمعهد مباشرة , وخلال السنوات اللاحقة اكتشفت فيه مشاعر طاغية من الكراهية والحقد الدفين تجاهي لم افهمها ولم اعرف سببهما ابدا . كان هذا الشخص اقدم مني بالمعهد وأعلى مرتبة مني وقد صار نتيجة لذلك يتصيد لي الزلات والاخطاء ويسارع الى ابلاغ المسؤولين عنها من دون اي داع . ومع مرور الزمن بدأت ألاحظ بان كرهه لي يكبر وينمو الى درجة ان تقاطيع وجهه تتغير وتأخذ اوضاعا غير طبيعية كلما نظر أليً أو التقت عيني بعينه مما يدلل على ان مشاعر البغض الموجودة في قلبه تجاهي اصبحت تطغى حتى على هيئته وبشكل لا يستطيع اخفائه . اعترف بان صديقي هذا لم يكن خبيثا الى درجة يمكن ان تسبب لي أذى جسيم , لكنه لم يدخر جهدا في ايذائي بقدر ما يتمكن عليه من خلال تسببه في وقوع المشاكل لي في العمل وايقاعي بالمأزق التي لم اكن اتوقعها او احسب لها حساب . وفي احدى المرات وقعت بموقف صعب احتجت فيها هذا الشخص لان يوقع لي ورقة عيادة كانت يمكن ان تخلصني من مأزق شديد مررت به , وبدلا ان يساعدني أبى ان يفعل ذلك وبعناد واصرار غريب غير مبرر وكأنه كان فرحا ومشتفيا بي لاني واقع بذلك الظرف الصعب . مرت السنوات وصديقي هذا على ذاك الحال , وتغيرت الاوضاع وصرت انا رئيسا له بالعمل لكنني لم اقابل ابدا مواقفه السيئة تجاهي بمواقف مماثلة . وفي  يوم من الايام فاجئتني احدى الزميلات بالمعهد بان أخبرتني بان حديثا عني جمعها مع ذلك الصديق وقد فوجئت من كلامه بشكل غير منتظر بمدى الغل والحقد والكره الموجود في قلبه تجاهي والذي راح يفصح عنه الى تلك الزميلة من غير شعور . وقد وصفت لي تلك الزميلة طريقته بالكلام عني بانها كانت صادرة بوضوح من قلب مليء بالغيرة الدفينة والحسد القاتل الذي يشعر به تجاهي , وقد نصحتني بتوخي الحيطة والحذر منه الى اقصى ما استطيع . وفي مرة ثانية التقيت بالصدفة بشخص من خارج المعهد يعرف ذلك الصديق , وحين عرف اسمي اخبرني بانه لطالما سمع من ذلك الصديق كلاما سيئا عني ونصحنى هو الاخر بتوخي الحذر منه . عندها فقط عرفت سبب كل ذلك الكره الموجود في قلب صديقي اللدود نحوي , وفهمت كل مواقفه السيئة تجاهي . وبالرغم من معرفتي لتلك الحقيقة الا اني لم احقد على صديقي ذاك ابدا , ولم اتمنى له بحياتي غير كل خير ولما اقابل مشاعره نحوي الا بالود والمحبة رغم كل شيء .





وسام الشالجي

31 تموز (يوليو) 2016