بقلم
وسام الشالجي
فجأة وعلى حين غرة انطلقت موجات هجرة كبرى على متن المراكب الصغيرة والزوارق الخشبية والمطاطية حاملة على ظهرها عشرات الالوف من اللاجئين العراقيين والسوريين منطلقة من السواحل التركية باتجاه السواحل اليونانية ومنها الى العمق الاوربي باتجاه المانيا والنمسا والسويد وهولندا وغيرها من البلدان الغربية . وفجأة ايضا , وعلى غير المنتظر تفتح معظم الدول الاوربية , وعلى رأسها المانيا حدودها لتسمح بدخول هؤلاء اللاجئين وبموجات كبيرة وفق كل المقاييس تتابعت بالدخول بسهولة غير متوقعة . والمفاجأة الاخرى الكبرى ايضا هي انطلاق مظاهرات جماهيرية حاشدة في تلك الدول ترفع لافتات الترحيب بهؤلاء المهاجرين وتستقبلهم بالزهور والرياحين . وبالرغم من الخسائر الكبيرة التي حدثت في هذه الموجات بسبب غرق الكثير من الزوارق وسط البحر فقد وصل عدد المهاجرين المتدفقين في وقت قصير لا يتجاوز الثلاثة اسابيع الى مئات الألوف من النازحين . ترى مالذي جرى فجأة وجعل دول اوربا الغربية تتخذ مثل هذه المواقف اللينة , بينما كان الدخول اليها والى حد اسابيع قليلة مضت من اصعب الصعاب , كما كان الحصول على فيز سفر اليها خصوصا من قبل عراقي او سوري يعد من الاحلام المستحيلة التحقق . لابد بان وراء هذا الامر بعض الخفايا التي سنحاول عن طريق التحليل والاستنتاج المنطقي الوصول اليها , ليس بالضرورة من باب اليقين ولكن على الاقل من باب التوقع والحدس .
لا يخفى على احد باي شكل من الاشكال بان بعض الدول
الغربية وزعمائها , سواء الحاليين او السابقين كانوا وراء كل ما حل بقسم من دول الشرق
الاوسط مثل العراق وسوريا وتونس وليبيا ومصر واليمن نتيجة للغزو المباشر , او
نتيجة لما سمي بثورات الربيع العربي التي اندلعت عام 2011 . واذا تدارسنا حال العراق
والدول التي تساقطت فيها الانظمة بعد التدخل الغربي فيها لوجدنا بانها كانت دول
مستقرة الى حد ما كغيرها من دول العالم رغم كل المساويء التي كانت فيها . فبالرغم
من كون الانظمة الحاكمة في تلك الدول كانت انظمة دكتاتورية واستبدادية , لكن كان
يمكن القول بانها كانت تتمتع بنسبة جيدة من الاستقرار والأمان , كما كان له جيوش
قوية تعتبر شوكة تجعل اي معتدي يتردد كثيرا قبل ان يمسها بأي سوء . لكن بعد الخراب
الذي حل بهذه الدول وانتشار الفوضى والحروب الداخلية فيها , وتفكيك وتفتيت جيوشها
واندلاع المواجهات الطائفية بها وشيوع الاعمال الارهابية فيها ونزوح اللاجئين منها
باعداد لم يسبق لها مثيل بالتاريخ يمكن القول بان هذه الدول قد ازيلت من قائمة الدول
المستقرة بالعالم وتحولت الى دول مقسمة لم يعد من السهل ابدا اعادة اللحمة اليها
وتشكيلها من جديد . وقد بلغ مجموع ضحايا هذه الدول نتيجة للاعمال المسلحة التي
حصلت فيها قتل وجرح وتعويق الملايين من المواطنين , اضافة الى تشريد
وتهجير اكثر من عشرة ملايين شخص سواء في داخل اراضي تلك الدول او الى خارجها . كل
هذا فعله الغرب بهذه الدول , ابتداء من غزو العراق عام 2003 واسقاط نظام الحكم فيه
وحل جيشه وتدمير بنيته الاساسية والتحتية وتحطيم كل مقومات الدولة فيه , مرورا
بدعم العصيان بليبيا عام 2011 من قبل حلف شمال الاطلسي واسقاط نظامها وتحولها الى
مراكز متصارعة تحكمها الميليشيات المسلحة , وصولا الى شن الحرب على سوريا عام 2012 واخراجها
من جميع المنظمات العالمية وتفكيك ترسانتها التسليحية مما سمح للمنظمات الارهابية
بالسيطرة على مساحات واسعة من اراضيها , وانتهاءا بأشاعة الحرب الاهلية في اليمن وتفتيته كدولة . أفبعد
كل هذا يمكن لمن تسبب بهذه الافعال وكان له ضلع فيها بشكل او بأخر ان يصبح فجأة
ملاكا انسانيا قلبه مملوء بمشاعر العطف والحنان , ولا يفكر الا بالاطفال والنساء والشيوخ والمرضى
المساكين , ويتصرف وكأنه ملاكا قديسا يدعي بانه مستعد بان يقدم لهم كل التسهيلات والمساعدات
الممكنة خالصة مخلصة لوجه الله تعالى من اجل هؤلاء البؤساء ؟ ليس هناك من جواب
غير "بالتأكيد لا" لان مثل هذا الشيء يصعب تصديقه بكل الاحوال .
لنترك جانبا العواطف والاخلاق والروح
الانسانية التي يصر البعض على التمسك بها في محاولة لتفسير ما حصل , ولنذهب الى
محاولة تفسير الاحداث من نواحي واقعية . لو نظرنا بتروي على الفئات المهاجرة ضمن
هذه الموجات التي انطلقت فجأة لوجدنا بان معظمهم من الشباب من كلا الجنسين , اضافة
الى عدد ليس بصغير من الاطفال . لذلك يدعي البعض بان هؤلاء هم طاقات شبابية وعقول وايدي
عاملة تدفقت نحو الدول الغربية , وان هذه الدول هي بأمس الحاجة الى هؤلاء لكي تسد
النقص في الايدي العاملة التي تعاني منها مما جعلها تفتح حدودها وتسمح لتلك
الموجات بدخول اراضيها . غير اننا لو ركزنا اكثر في نظرتنا لوجدنا بان جميع هؤلاء المهاجرون
هم مسلمون قادمون من مجتمعات معروفة بالتعصب الديني مثل العراق وسوريا , وان
الكثيرون منهم يحملون معهم نزعات دينية متطرفة وتكفيرية كما يلاحظ بوضوح من اشكالهم
وازيائهم . ثم اذا كانت هناك حاجة فعلا الى ايدي عاملة فلماذا لا يستورد العمال من
الهند والصين وهم ايدي عاملة رخيصة ومسالمون ولا يبحثون عن اوطان بديلة ولا يملكون
عقول متعصبة او تكفيرية . من جانب أخر , يمكننا ان نلاحظ ايضا بأن معظم هؤلاء المهاجرون
يطمحون الى الوصول الى دول مشهورة بسخائها في منح المعونات والمساعدات للمهاجرين
واللاجئين مثل المانيا والنمسا والسويد وهولندا , مما ينسف الرأي القائل بان هؤلاء
هم ايدي عاملة وطاقات شبابية تدفقت على الدول الغربية . ان هذا الحال سيحول
اللاجئين والمهاجرين الى شرائح مستهلكة وغير منتجة مما سيجعلهم عالة وعبأ على دول اوربا
وعلى شعوبها ومواطنيها الذين يعملون ويكدحون ويدفعون الضرائب التي ستستنزف في
الانفاق على هؤلاء المهاجرين مما سيؤدي الى ارتفاع وتيرة مشاعر الغضب والسخط
والضيق منهم .
السؤال المهم الاخر هو لماذا تحركت هذه
الهجرة المفاجئة في هذا الوقت ؟ ولماذا الهجرة الى دولة مثل المانيا بالذات ؟
بينما كانت هذه الدولة من اصعب دول اوربا في منح الفيز لكل مواطني الشرق الاوسط ,
وعلى الاخص للعراقيين والسوريين . ليس من السهل الجواب على هذا السؤال , لكن دعونا
ننظر الى حال دولة مثل المانيا لعلنا نصل الى تصور مناسب لهذا الوضع يقودنا الى
الجواب . من المعروف بان المانيا بلد عنصري رغم كل مظاهر الحرية والتقدم والتحضر التي حصلت
فيها في فترة مابعد الحرب العالمية الثانية , وان فيها الكثير من المنظمات العرقية
المحلية المتعصبة كحركة (النازيون الجدد) . وبالمقابل فأن معظم المهاجرون الجدد مسلمون
متعصبون , الكثير منهم يحملون معهم الى اوربا تعصبهم ولحاهم وازياء التحجب لنسائهم
, كما انه ليس من المنتظر او المتوقع ان يندمجوا بالمجتمعات الغربية بسهولة . لذا
فان احتمال حصول مواجهة بين جهتين متعصبتين واحدة محلية والاخرى قادمة من الخارج
هو احتمال قوي جدا ومرجح للحدوث في وقت غير متأخر . لقد شاهدنا بوضوح في السنوات الماضية كيف ان
الكثير من النازحون السابقون الى دول اوربا الغربية قد اصبحوا ينادون بتطبيق
الشريعة الاسلامية فيها والسماح لنسائهم بالتحجب او التنقب بحرية , بل ان الامر وصل الى
درجة اعتبار السويد ولاية اسلامية سميت بولاية السويد . لذلك فان أتون الصراع بين التعصب القادم والتعصب الموجود ستندلع
ان اجلا او عاجلا , وستكون هذا الصراع هو الفتيل الذي سيشتعل في كل اوربا
لطرد المسلمون من دولها بحجة الخوف على المسيحية فيها ولمقاومة حملات الاسلمة
القادمة اليها من الخارج . ان مثل هذا التصادم اذا ما انطلقت شرارته فسيعم كل اوربا بالتأكيد وستنتشر ناره في كل مكان بما يؤدي في النهاية الى خلق مواجهة شاملة بين العالم
الغربي والعالم الاسلامي لكي تندلع بالنهاية الحرب التي وعد بها المستشار الالماني
السابق هيلموت كول حين صرح بعد انهيار الشيوعية بقوله (حربنا القادمة ستكون مع
الاسلام) .
وسام الشالجي
15 أيلول (سبتمبر) 2015
هناك تعليق واحد :
تخليلك استاذ وسام عميق وبه بعد مستقبلي ويكشف طبيعة السياسة الغربيه المتناقضة في بلدان الشرق الاوسط ..وليس بعيد ان تؤول النتيجة بتصادم الاطراف المتطرفه والى حدوث ما لا يحمد عقباه…
إرسال تعليق