في الصف الثالث كلية انتظمت في فرع (الكيمياء الصناعية) وقد احببت هذا الدرس كثيرا واحببت ايضا مدرسه الاستاذ المرحوم شيت نعمان . وفي تلك المرحلة من الكلية كان دوامي في المحاضرات النظرية قد قل كثيرا , وكان هذا من اكبر الاخطاء التي ندمت عليها لاحقا . ولاني لم اكن احضر المحاضرات فقد كنت اعتمد على نفسي كليا في قراءة المنهج المقرر وبطريقتي الخاصة . كنت اسأل الطلاب بعد كل محاضرة عن موضوعها واسجله عندي لكي اطالعه فيما بعد . وقبل كل امتحان شهري او فصلي بفترة كنت اعتكف بالمكتبة التي صادقت المسؤولين عنها فاصبحوا يسمحون لي بالدخول الى داخل اروقتها لكي اشاهد الكتب بصورة مباشرة واختار منها ما اود ان استعيره .
ومن الاشياء التي كنت اختلف بها عن غيري هو اني لم اكن استعمل طريقة التدوين بليفكس كما يفعل غيري , بل كنت اتبع الطريقة الكلاسيكية في ان يكون لي دفتر لكل موضوع , وكاني بالمدرسة الثانوية . وعند القراءة كنت اخذ معي دفتر الموضوع الذي فيه امتحان الى المكتبة ثم استعير مجموعة من الكتب وأقرأ فيها عن مقررات المنهج ثم اقوم بتلخيص ما اقرأه في دفتري الخاص . ولاني كنت احب موضوع الكيمياء الصناعية فقد كنت اتوسع بالقراءة والتلخيص فيه , حتى اني كنت اقرأ عن صناعات ليست مقررة بالمنهج واقوم بدراستها ورسم مخططات صناعية لها وارسم المعدات التي تستعمل فيها . وفي اخر السنة اصبح عندي دفتر وافي وشامل للكيمياء الصناعية يفوق كثيرا في مضمونه ما يملكه بقية الطلبة . ونتيجة لقراءاتي الموسعة فقد كنت متفوقا واحصل على درجات شبه كاملة في الامتحانات الشهرية , حتى ان السعي الدراسي لي بذلك الموضوع كان في وقتها 45 من 50 . وفي احد الايام قبل الامتحانات النهائية اخذت اراجع ذلك الموضوع بالمكتبة , وبعد فترة من المراجعة نزلت الى النادي وجلست لاشرب قدح من الشاي ووضعت الدفتر على احد الطاولة . واثناء تلك الاستراحة كان بعض الاصدقاء ياتون ويجلسون ثم يغادرون , وحتى انا قمت ورجعت ألى نفس الطاولة مرات عديدة ناسيا بان دفتري كان موضوعا عليها . وبع برهة غادرت الكلية وذهبت الى البيت وقد غاب عن بالي بانه كان معي دفتر الكيمياء الصناعية حين ذهبت . وما ان وصلت للبيت حتى تذكرت باني نسيت الدفتر في النادي فعدت للكلية على الفور , وهو امر لم يكن صعبا لاني كنت اعيش في بيت لا يبعد كثيرا عن الكلية . لم اجد الدفتر ولم اعرف اين ذهب , وسالت عمال النادي عنه فلم يسعفني احد باجابة مفيدة . خلاصة الامر فان الدفتر قد تبخر ولا اعرف اين ذهب . بدأت الامتحانات وحمدت الله باني كنت قد قرأت موضوع الكيمياء الصناعية جيدا قبل ان يضيع الدقتر , وبالفعل اجتزت الامتحان فيه بسهولة وحتى بتفوق .
انتهى العام الدراسي وبدأ العام اللاحق , وفي احد الايام سمعنا بان الاستاذ شيت نعمان مريض ومنقطع عن الكلية منذ فترة . قررنا انا ومجموعة من الطلبة بان نزوره بالبيت , خصوصا وانه يسكن بالشارع المقابل للكلية وضمن مسافة لا تزيد عن نصف كيلومتر . ذهبنا مشيا وقمنا برن جرس بيته فخرجت الينا زوجته فقلنا لها باننا طلاب ونريد ان نزور استاذنا شيت نعمان لاننا سمعنا بانه مريض , فقالت لنا انتظروا قليلا حتى اخبره ويستعد لمقابلتكم . بعد قليل أدخلتنا واخذتنا الى غرفة مكتب رأينا فيها الاستاذ جالسا في وسطها على احد الكراسي مرتديا روب صوف غامق . استقبلنا بحرارة وطلب من الجلوس وطلب من زوجته ان تعد لنا قهوة . صادف ان يكون موضع جلوسي الى جانب طاولة مكتبه التي كان عليها بعض الكتب والدفاتر . اخذ الاستاذ يحدثنا عن احواله وصحته وسبب انقطاعه عن الكلية , واثناء الحديث راحت عيناي تجول في ارجاء غرفة مكتبه مستطلعا موجوداته , حتى وصلت عيناي الى ما موجود على الطاولة التي اجلس جنبها فرأيت عليها دفتر احمر اثار انتباهي على الفور لانه كان يشبه الى حد بعيد دفتري الذي فقدته بنادي الكلية . لم اكن متأكدا هل كان هو دفتري ام لا لذلك احببت بقوة لان اتأكد منه . واثناء انشغال الاستاذ بالحديث مددت يدي بغفلة منه وفتحت الدفتر باصابعي قليلا لكي ارى الصفحة الاولى والتي كنت قد دونت عليها اسمي وقسمي وشعبتي , فاذا هي بالضبط الصفحة التي دونت بها معلوماتي . حرت ولم اعرف ماذا افعل , هل اخبر الاستاذ بان هذا دفتري لكي استرجعه ام لا افعل ذلك . وقبل ان أنبس ببنت شفة سألت نفسي "اذا كان الدفتر قد وصل الى الاستاذ بشكل او بأخر واسمي موجود عليه فلماذا لم يعيده لي ؟ " . وبعد تفكير ملي خطرت على ذهني فكرة اخرى هي "هل يا ترى بان الاستاذ قد وجد الدفتر حين اطلع عليه مميز وبه الكثير من المعلومات بحيث يستحق الاحتفاظ به فقرر ان يبقيه لنفسه" . عندها قلت مع نفسي بانه قد يكون من المحرج له ان طالبت به الان خصوصا امام طلاب اخرين , لذا قررت ان لا افتح هذا الموضوع معه ابدا .
مرت السنون , وبعد ثمان سنوات احتجت لتوصية لكي احصل على قبول من احدى الجامعات في انكلترة لاكمال دراستي فذهبت الى بيت الاستاذ شيت نعمان فخرج لي الى الباب وتذكرني ورحب بي بحرارة فطلبت منه كتاب توصية واعطيته عنوان الجامعة التي قدمت اليها فوعدني بان يرسل لهم رسالة بسرعة . وحين سافرت وداومت بالجامعة قابلت رئيس القسم هناك فقال لي بان رسائل التوصية التي وصلتنا عنك كانت رائعة فعرفت بحينها ان الاستاذ قد وفى بوعده لي وكتب عني خيرا . ولحد يومي هذا لا اعرف كيف وصل دفتري للكيمياء الصناعية الى ايدي الاستاذ شيت نعمان ولماذا احتفظ به . رحم الله استاذنا الكبير شيت نعمان واسكنه فسيح جناته .
ومن الاشياء التي كنت اختلف بها عن غيري هو اني لم اكن استعمل طريقة التدوين بليفكس كما يفعل غيري , بل كنت اتبع الطريقة الكلاسيكية في ان يكون لي دفتر لكل موضوع , وكاني بالمدرسة الثانوية . وعند القراءة كنت اخذ معي دفتر الموضوع الذي فيه امتحان الى المكتبة ثم استعير مجموعة من الكتب وأقرأ فيها عن مقررات المنهج ثم اقوم بتلخيص ما اقرأه في دفتري الخاص . ولاني كنت احب موضوع الكيمياء الصناعية فقد كنت اتوسع بالقراءة والتلخيص فيه , حتى اني كنت اقرأ عن صناعات ليست مقررة بالمنهج واقوم بدراستها ورسم مخططات صناعية لها وارسم المعدات التي تستعمل فيها . وفي اخر السنة اصبح عندي دفتر وافي وشامل للكيمياء الصناعية يفوق كثيرا في مضمونه ما يملكه بقية الطلبة . ونتيجة لقراءاتي الموسعة فقد كنت متفوقا واحصل على درجات شبه كاملة في الامتحانات الشهرية , حتى ان السعي الدراسي لي بذلك الموضوع كان في وقتها 45 من 50 . وفي احد الايام قبل الامتحانات النهائية اخذت اراجع ذلك الموضوع بالمكتبة , وبعد فترة من المراجعة نزلت الى النادي وجلست لاشرب قدح من الشاي ووضعت الدفتر على احد الطاولة . واثناء تلك الاستراحة كان بعض الاصدقاء ياتون ويجلسون ثم يغادرون , وحتى انا قمت ورجعت ألى نفس الطاولة مرات عديدة ناسيا بان دفتري كان موضوعا عليها . وبع برهة غادرت الكلية وذهبت الى البيت وقد غاب عن بالي بانه كان معي دفتر الكيمياء الصناعية حين ذهبت . وما ان وصلت للبيت حتى تذكرت باني نسيت الدفتر في النادي فعدت للكلية على الفور , وهو امر لم يكن صعبا لاني كنت اعيش في بيت لا يبعد كثيرا عن الكلية . لم اجد الدفتر ولم اعرف اين ذهب , وسالت عمال النادي عنه فلم يسعفني احد باجابة مفيدة . خلاصة الامر فان الدفتر قد تبخر ولا اعرف اين ذهب . بدأت الامتحانات وحمدت الله باني كنت قد قرأت موضوع الكيمياء الصناعية جيدا قبل ان يضيع الدقتر , وبالفعل اجتزت الامتحان فيه بسهولة وحتى بتفوق .
انتهى العام الدراسي وبدأ العام اللاحق , وفي احد الايام سمعنا بان الاستاذ شيت نعمان مريض ومنقطع عن الكلية منذ فترة . قررنا انا ومجموعة من الطلبة بان نزوره بالبيت , خصوصا وانه يسكن بالشارع المقابل للكلية وضمن مسافة لا تزيد عن نصف كيلومتر . ذهبنا مشيا وقمنا برن جرس بيته فخرجت الينا زوجته فقلنا لها باننا طلاب ونريد ان نزور استاذنا شيت نعمان لاننا سمعنا بانه مريض , فقالت لنا انتظروا قليلا حتى اخبره ويستعد لمقابلتكم . بعد قليل أدخلتنا واخذتنا الى غرفة مكتب رأينا فيها الاستاذ جالسا في وسطها على احد الكراسي مرتديا روب صوف غامق . استقبلنا بحرارة وطلب من الجلوس وطلب من زوجته ان تعد لنا قهوة . صادف ان يكون موضع جلوسي الى جانب طاولة مكتبه التي كان عليها بعض الكتب والدفاتر . اخذ الاستاذ يحدثنا عن احواله وصحته وسبب انقطاعه عن الكلية , واثناء الحديث راحت عيناي تجول في ارجاء غرفة مكتبه مستطلعا موجوداته , حتى وصلت عيناي الى ما موجود على الطاولة التي اجلس جنبها فرأيت عليها دفتر احمر اثار انتباهي على الفور لانه كان يشبه الى حد بعيد دفتري الذي فقدته بنادي الكلية . لم اكن متأكدا هل كان هو دفتري ام لا لذلك احببت بقوة لان اتأكد منه . واثناء انشغال الاستاذ بالحديث مددت يدي بغفلة منه وفتحت الدفتر باصابعي قليلا لكي ارى الصفحة الاولى والتي كنت قد دونت عليها اسمي وقسمي وشعبتي , فاذا هي بالضبط الصفحة التي دونت بها معلوماتي . حرت ولم اعرف ماذا افعل , هل اخبر الاستاذ بان هذا دفتري لكي استرجعه ام لا افعل ذلك . وقبل ان أنبس ببنت شفة سألت نفسي "اذا كان الدفتر قد وصل الى الاستاذ بشكل او بأخر واسمي موجود عليه فلماذا لم يعيده لي ؟ " . وبعد تفكير ملي خطرت على ذهني فكرة اخرى هي "هل يا ترى بان الاستاذ قد وجد الدفتر حين اطلع عليه مميز وبه الكثير من المعلومات بحيث يستحق الاحتفاظ به فقرر ان يبقيه لنفسه" . عندها قلت مع نفسي بانه قد يكون من المحرج له ان طالبت به الان خصوصا امام طلاب اخرين , لذا قررت ان لا افتح هذا الموضوع معه ابدا .
مرت السنون , وبعد ثمان سنوات احتجت لتوصية لكي احصل على قبول من احدى الجامعات في انكلترة لاكمال دراستي فذهبت الى بيت الاستاذ شيت نعمان فخرج لي الى الباب وتذكرني ورحب بي بحرارة فطلبت منه كتاب توصية واعطيته عنوان الجامعة التي قدمت اليها فوعدني بان يرسل لهم رسالة بسرعة . وحين سافرت وداومت بالجامعة قابلت رئيس القسم هناك فقال لي بان رسائل التوصية التي وصلتنا عنك كانت رائعة فعرفت بحينها ان الاستاذ قد وفى بوعده لي وكتب عني خيرا . ولحد يومي هذا لا اعرف كيف وصل دفتري للكيمياء الصناعية الى ايدي الاستاذ شيت نعمان ولماذا احتفظ به . رحم الله استاذنا الكبير شيت نعمان واسكنه فسيح جناته .
وسام الشالجي
18 حزيران (يونيو) 2015
18 حزيران (يونيو) 2015