اخر المواضيع في المدونة

الجمعة، 27 مارس 2015

ما هو مدى تأثير صالح وداود الكويتي على الموسيقى العراقية الحديثة

بقلم
وسام الشالجي



لكي نعرف مدى تأثير الاخوين صالح وداود الكويتي على الموسيقى والاغاني العراقية الحديثة لابد ان ان نتطرق الى ما قدماه واستحدثاه في مجال الاغنية والموسيقى . تدارس الاخوان صالح وداود الكويتي المقام العراقي واستطاعا بذكاء ان يوظفا مقاماته لخدمة الاغنية فخلقا بذلك اغنية عصرية تتميز بعذوبة الحانها . ليس هذا فقط بل ان الموسيقار صالح الكويتي ابتدع مقام اللامي الذي لم يكن معروفا من قبل . ولو نظرنا الى الاغنية العراقية قبل ظهورهما لوجدنا بان افضل ما فيها كان محصورا بالمقام العراقي الكلاسيكي الذي كان سائدا لعشرات السنين , اضافة الى الحان عثمان الموصلي التي تنضوي تحت اطار موسيقى القرن التاسع عشر , اضافة الى الاغنية الريفية التقليدية . ومع تأسيس الدولة العراقية الحديثة نشأت طبقة جديدة من المثقفين والضباط ورجال الاعمال والحرفيين , وصارت هي التي تسير الامور بالبلد . غير ان هوة كبيرة تولدت بين اذواق افراد هذه الطبقة المتسمة بالحداثة , وبين ما موجود من فنون موسيقية وغنائية سائدة على الساحة . وفي هذه المرحلة الحاسمة والدقيقة جاء صالح وداود الكويتي وظهرا على الساحة ليملئا هذا الفراغ بأغاني وموسيقى جديدة ذات نكهة مميزة تعبر عن مشاعر فتيان وفتيات هذه الطبقة الجديدة .

ان اول ما ابتدعاه هذان المجددان هو ادخال ألات موسيقية جديدة على طريقة عزف الموسيقى العراقية اضافت اليها طابع الحداثة والتجديد . فمن سنطور المقام وجوزته والطبك , صارت الاغنية تعزف بالكمان والقانون والعود والناي والجلو والطبلة اليدوية (الدنبك) وبتعددية رائعة صنعت منها الاغنية الحديثة المنسوبة للمدينة كما نعرفها اليوم . ومع ان معظم مؤلفات الاخوين كان ضمن اطار الاغنية البغدادية , لكننا لو نظرنا الى اين امتدت اناملهما لوجدنا بانها طالت ايضا الاغنية الريفية والاغنية الموصلية , ومن قبل هذه كله الاغنية الكويتية اولا . ان هذا ان دل على شيء فانما يدل على انهما يحملان عبقرية موسيقية فذة لم تقف عند لون واحد ولم تتحدد بنوع معين من الاغاني . لقد كان الاخوان صالح وداود الكويتي مدرسة موسيقية بحد ذاتها , ولو لاحظنا الموسيقى والاغاني العراقية في عصر الاربعينات والخمسينات لوجدنا بانها متأثرة جدا بهذه المدرسة , وان اساليب جميع الملحنين الذين عاشوا بتلك الفترة وما بعدها , مثل احمد الخليل وعباس جميل ورضا علي كانت مشابهة تقريبا لاساليب صالح وداود الكويتي . وحتى من ناحية نوع الكلمات التي لحناها وغنياها فانهما كانا متنوعان حيث نجد في اغانيهما القصيدة , البستة , الابوذية , العتابة , الموال . وبالموسيقى , فقد كانا رائعين بحق وهما أول من ألفا المقطوعات الموسيقية المنفردة بتاريخ الموسيقى العراقية .

وبهذا يعد صالح وداود الكويتي هما من وضعا اسس الموسيقى والاغنية العراقية الحديثة كما نعرفها اليوم , ولازالت الاغنية البغدادية تقريبا كما هي لم تتغير منذ ان غادرا العراق عام 1951 . كما انهما قدما الى الساحة الفنية اصوات جديدة تتناسب مع ما حدثاه بالاغنية مثل: بدرية انور وحضيري أبو عزيز وداخل حسن وزكية جورج ونجاة سالم وغيرهم . ان لمن المؤسف ان يبقى العراق متنكر لفضل هذان العبقريان لاكثر من ستين عاما , وان يتناسى فضلهما ودورهما الكبير الذي لعباه في تأسيس الاغنية العراقية الحديثة . ان الحكومة العراقية , وبالذات وزارة الثقافة مدعوة لان تعيد النظر بمواقفها من اسمين لامعين , انتشر صيتهما بين العامة بفضل عظمة عطائهما وليس بفضل من احد او من جهة ما . تحية كبيرة لهذين الفنانين الكبيرين , وليهنأ التراث الثقافي والفني العراقي بما تركاه من ارث كبير لن نستطيع الاصوات الخبيثة والحاقدة من تغييبه وطمره بعد ان وقف شامخا كالمارد نافضا عنه تراب السنين التي مرت , ولافظا الى الابد كل جهد اتخذ لتغييبهما ومسح اسميهما من ذاكرة الفن العراقي .

وسام الشالجي
27 أذار 2015