استطيع ان اقول بان جل القراءات التي
نهلت منها معارفي في حياتي كانت بين سني الخامسة عشر والخامسة والعشرين . ففي هذه الفترة
من حياتي كنت اميل الى القراءة بشكل مفرط , حتى اني كنت اقرأ اي كتاب يقع بين يدي
. كنت اقرأ الادب والشعر والتاريخ والسياسة والاجتماع والعلوم والكثير من صنوف الكتب
الاخرى . في المرحلة الابتدائية كنت اقرأ مجلات الاطفال , وبالذات مجلات سندباد وبساط
الريح . بالنسبة للأولى فقد كنت اقتنيها على شكل مجلدات اثناء رحلاتنا الى بغداد بالعطل
الصيفية لانها كانت متوقفة عن الصدور , اما الثانية فكنت اشتريها اسبوعيا من مصروفي
اليومي الذي كنت اوفره واعطيه لاخي الكبير ليشتريها لي كل اسبوع , اذ كان كل ثلاثاء
يمر على احدى المكتبات عند عودته من المدرسة ليشتري لنفسه مجلة الاسبوع العربي ولاختي
الكبرى مجلة الكواكب . وبعد ان اصبحت بالمتوسطة اصبحت اشتري مجلة سوبرمان لان قصصها
اصبحت تتناسب مع تلك المرحلة من عمري , بالاضافة الى مطالعة بعض الروايات العاطفية
العالمية التي اجدها بالبيت والتي كان الدي يقتنيها لميل زوجة ابي اليها . لا زلت اتذكر
بعض تلك الروايات مثل (عشاق فينسيا) و (جسر التنهدات) التي تصدر عن دار الروائع , بالاضافة
الى بعض الكتب البوليسية مثل (الزنزانة) و (ارسين لوبين) . كما كنت اجد في البيت بعض
دواوين الشعر مثل ديوان الزهاوي ونبض الوجدان لحافظ جميل , ولم اعرف لماذا كانت موجودة
عندنا اصلا لاني لم اعرف عن والدي ميله للشعر وربما كانت كتب مهداة اليه , وقد اصبحت
استمتع بقرائتها بعد ان بلغت سن المراهقة , خصوصا القصائد الغزلية فيها .
وبعد انتقالي الى بيت جدي اثر سفر اهلي
الى الكويت تحولت الى بيئة تتوفر فيها مختلف انواع الكتب لان خالي وصديقي (سعد) كان
قارئا من الطراز الاول . في الواقع انا ادين له بالكثير جدا واعتبره من اكثر اصحاب
الفضل علي , فعلاوة على الاشياء التي لمحت اليها في خواطر سابقة فقد افادني ايضا في
ميدان القراءة والمطالعة . كان خالي سعد يقتني انواع كثيرة من الكتب كالكتب التاريخية
وكتب علم الاجتماع والكتب الادبية ودواوين الشعر وبعض الكتب السياسية . ومن هذه البيئة
الغنية بالكتب اصبحت اشبع هواياتي وارضي ميولي بالمطالعة والنهل من المعارف الموجودة
فيها . ومن بين اهم الكتب التي قرأتها في تلك المرحلة هي كتب علي الوردي , خصوصا سلسة
(لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث) , كما قرأت الكثير عن تاريخنا واحببت جدا
كتاب (ايام العرب في الاسلام) . كما اطلعت لاول مرة على مؤلفات اكثر كاتب احببته في
حياتي هو جبران خليل جبران الذي اصبح كتابه (النبي) رفيقي وصديقي الذي لا يفارقني ابدا
, وصرت ارجع اليه كلما تعطشت نفسي الى المعاني الروحية الجميلة التي تزخر بها الحياة
. لقد تأثرت بهذا الكاتب الى درجة ان اسلوبي بالكتابة صار يقترب من اسلوبه , كما ان
الكثير من المباديء التي صرت اؤمن بها مستمدة من افكاره . ومن قراءاتي الاخرى هي قراءة
مجلة (دراسات عربية) التي كان خالي يقتنيها كل شهر , والتي كانت واحدة من اعظم المجلات
الثقافية العربية , ولا زلت اذكر لحد الان واحد من اعظم المقالات التي وردت بتلك السلسة
هو مقال (الدين والجنس – محرمان) الذي حدد نظرتي لهذين العنصرين الاساسيين من عناصر
الحياة منذ ذلك الوقت لحد الان . كما قرأت ايضا دواوين السياب ونزار قباني ونازك الملائكة
مما جعلني اميل لهذا النوع من الادب , وقد دفعني هذا الى محاولة كتابة الشعر في بعض
الاوقات التي مرت بحياتي . كما كنت في تلك الفترة اعزز قراءاتي في مجال تخصصي الدراسي
عن طريق مكتبة الكلية , فقد كنت ابحث بين رفوفها عن كتب علمية تفوق مرحلتي الدراسية
وكنت اغرف مما فيها من علوم ومعارف , وكم كان يندهش بعض اساتذتي مما كنت اسطره باوراق
الامتحانات من معارف غير موجودة بالكتب المقررة ولم يتطرقوا لها هم بمحاضراتهم . ان
ما ذكرته هو قطر من فيض , واستطيع ان اقول بانه لم يكن يمر علي يوم من دون ان اقرأ
كتاب او بعض كتاب . ومع ان تلك الفترة كانت فترة غنية بالقراءة والمطالعة , وبالرغم
من الفوائد الهائلة التي جنيتها من تلك القراءات الا اني اكتشفت لاحقا بان فيها الكثير
من الاخطاء . اول تلك الاخطاء ان تلك القراءات كانت لغرض اشباع الهواية والميل الفطري
للمطالعة ولم تكن موجهة بشكل صحيح ولم اكتشف منها ميولي بشكل مبكر لكي استطيع اختيار
المسار الصحيح الذي ساسلكه بحياتي . الخطأ
الثاني هو ان قراءاتي كانت متنوعة اكثر مما ينبغي ولم تكن متخصصة وموجهة باتجاه معين
بل كانت عمومية , لذلك فقدت تبعثرت وتبددت معارفها وضاعت الفوائد المجنية منها هنا
وهناك من دون أن تفيدني بشكل ملموس في الطريق الذي مضيت به في حياتي بل زادت فقط من
ثقافتي العامة . الخطأ الثالث , وربما هو خطأ خالي سعد وليس خطأي , هو ان الكتب التي
كنا نقرأها لم نكن نحتفظ بها بل كان الكتاب يأتي لنقرأه ثم يذهب في اتجاه ما دون ان
نحتفظ به , لذلك لم تكن هناك مكتبة في بيت جدي ابدا .
وحين كبرت اكثر واصبح عندي بيت استفدت
من بعض تلك الدروس وصارت عندي رغبة بان تكون
لي مكتبة خاصة بي , غير ان الظروف المحيطة وبعض العوامل الخارجة عن ارادي لم توفر لي
الفرصة لتحقيق هذا الحلم . ومع ذلك فقد كانت عندي محاولات بهذا الاتجاه , وبالفعل اقتنيت
الكثير من الكتب , كما استرجعت معظم الكتب التي قرأتها في مقتبل حياتي أملا بان استطيع
تحقيق حلمي الكبير بان تكون عندي مكتبة عامرة في يوم من الايام . غير ان تلك المساعي
على تواضعها اصيبت بنكسة قاتلة أثر تركي للعراق وتركي لكتبي التي كانت في داري خلفي
مما ادى الى تبعثرها هنا وهناك , وربما ذهب بعضها الى براميل القمامة بعد تصفية الدار
التي كنت اسكنها . لا استطيع ان اقول في نهاية خاطرتي هذه غير ان الكثير من المنعطفات
في الحياة تأتينا برياح على غير ما تشتهي وتحب سفننا , لكن مع ذلك فاننا لا ننفك بان
نحلم ونسعى باستمرار لان نحول احلامنا الى حقيقة , خصوصا اذا ما كان في داخلنا ايمان
قوي بان تحقيق الحلم ممكن دائما وفي اي وقت طالما كانت وراءه رغبة قوية بتحقيقه
.
وهذه صورة لي مع خالي
سعد وصور لبعض الكتب التي قرأتها بحياتي وجوانب من مكتبتي المتواضعة ببيتي ببغداد
قبل تركي العراق .
وسام الشالجي
25 كانون الثاني (يناير) 2015