انتقلنا
الى البرجسية في اوائل الستينات , وفوجئنا بعد هذا الانتقال بنوع جديد من الأحياء السكنية
لم نعهده او نراه من قبل
. كانت المدينة
كأنها قرية اوربية , فهي واسعة ومشجرة أبرز ما فيها دورها المبنية على شكل بنكلة
كما هو حال الدور الانكليزية . دخلنا الى الدار التي خصصت لنا وكانت جميلة ومؤثثة
بالكامل . حين انتقلنا من بغداد الى البصرة انحدرت حياتنا من العيش في بقعة عامرة
متطورة الى بقعة متأخرة وحتى متخلفة . لكن بعد انتقالنا الى البرجسية اكتشفنا بان
بغداد هي المتخلفة وان هناك حياة متحضرة تفوق
تصوراتنا . اصبحنا على تماس بالكثير من الاشياء الجديدة التي لم نألفها من قبل مما
اصبح يستدعي ان ندخل دورة تدريبية لكي نعرف كيف نتعامل مع هذه الاشياء . فالبيت
فيه مرافق ومعدات لم نرى مثلها سابقا ولا نعرف كيف نستعملها , والمدينة فيها منشأت
جديدة علينا ان نتعلم كيف نستفيد منها . وبالفعل اخذ والدي يلقي علينا محاضرات
عملية يوميا يعلمنا كيف نتعامل مع حياتنا الجديدة في البيت والمدينة . كما كان في
البرجسية (كانتين) اخذني والدي اليه وعلمني كيف اتعامل معه لاني ساكون مكلفا بجلب
متطلبات البيت منه يوميا . كان كل شيء في البرجسية جميلا وحديثا وكنا في غاية
الاستمتاع والراحة فيها . وقد تعرفت بالبرجسية بعدة اولاد من سني مثل كميل كليمان شماني
, بهاء محمد هامل , نبيل ابراهيم الالوسي , عزالدين علاء الاورفلي وكونا شلة من
الصبية . كنا نلتقي يوميا تقريبا ونذهب لنلعب بالبايسكلات في شتى ارجاء المدينة .
وكنا في بعض الاحيان نذهب الى خارجها في المناطق المحيطة بها المعروفة بـ (ادغال
البرجسية) حيث جرت معارك الحرب العالمية الاولى بين الجيشين التركي والأنكليزي .
كنا نرى خنادق دون ان نفهم لماذا كانت محفورة بتلك الاوضاع , وحمدا لله لم يكن في
المنطقة الغام والا كنا تعرضنا للأذى . واذكر في احدى المرات مسكتنا مطرة فعدنا
مسرعين وكان اول بيت وصلناه بالمدينة هو بيت نبيل الالوسي فدخلنا اليه مسرعين
فاستقبلتنا والدته واعطتنا مناشف لتجفيف رؤوسنا وعملت لنا الشاي وقدمت لنا بسكت
بطعم رائع من اعدادها , وقد واضبت بعدها بالذهاب الى بيتهم طمعا بذلك البسكت . كان
بيتنا مقابل دار الاستراحة (الميس) , وكنا نذهب الى النادي من خلال طريق خلفي يمر بالقرب
من ساحة الكولف ومن ثم الى المسبح ومنه الى وسط النادي الذي تقام به السينما
الصيفي . ويحيط بهذه الساحة قاعة السينما الشتوي من الخلف والتي كانت ايضا ساحة
لعب الريشة , وعلى الجانب تقع قاعة المطعم وفي أخرها يقع البار . كان هناك عامل
خدمة اسمه (هرمز) ذو شاربين مفتولتين الى الاعلى , وعامل خدمة اخر اسمه (وردة) . وكانت
السينما تقام في النادي كل احد واربعاء وكنا نواضب على حضورها دون انقطاع صيفا
وشتاءا . وكان هناك (بوي) اخر نسيت اسمه يقوم بتحضير الجبس في غرفة صغيرة تقع الى
جانب باب قاعة السينما نشتريه منه ايام السينما بمبلغ 25 فلس للماعون . وفي ايام
الجمع كان نفس هذا العامل يقوم بتحضير وجبة كاري ورز , وكان والدي ياخذنا في بعض
الاحيان لتناوله . كنت اذهب يوميا الى الكانتين لجلب احتياجات البيت , حيث كانت
زوجة ابي تعطيني قائمة اقوم بجلب مفرداتها من هناك , وكم كنت اقوم بشراء اشياء
لنفسي مثل النستلة والبسكت والكازو وأكلها بطريق العودة دون ان يعلم بذلك احد لان
القائمة كانت تقطع من راتب والدي . وكان في البرجسية شابتان مشهورتان على درجة
عالية من الجمال , واحدة اسمها (فلورنس) وهي شقراء ذات شعر ذهبي والاخرى (بولين)
وهي سمراء ذات شعر فاحم . كانتا حديث كل المدينة , وحين تدخلان الى النادي نرى
الرجال يتهافتون على مجالستهما والتحدث اليهما . وحين تأتي اي منهما الى المسبح
للسباحة تنقلب الدنيا ويمتليء المسبح بالرجال والشبان . وكان لهاتين الفتاتين
اخوين واحد اسمه (بول) اصبح صديق اخي الكبير والاخر اسمه (بيتر او بطرس) اصبح
صديقي . وممن اذكرهم هناك اسامة عدنان المعتوق (هاوي التصوير) واخوته غسان ووظاح .
كما كانت تقام بالمسبح مسابقات بالصيف اذكر باني فزت بواحدة منها وفاز اخي الكبير
ايضا بواحدة منها وحصلنا على كؤوس وضعناها في صالون بيتنا . كانت حياة جميلة
ومرفهة وكل شيء فيها ممتعا لكن للأسف كانت قصيرة لم تدم طويلا اذ غادرناها بعد اقل
من سنتين وعدنا الى البصرة . رحم الله ايام البرجسية فقد عشنا فيها حياة التحضر في
مرحلة مبكرة من عمرنا .
وسام الشالجي
14 نوفمبر 2014