1-
التوريث :
كان من اولى
المثالب التي حملها العراقيون على الحكم الملكي هي انه حكم وراثي يتقلد فيه الولد
الحكم بعد ابيه . في الواقع ان هذه الميزة هي ليست صفة تفرد بها الحكم الملكي
بالعراق دون غيره من انظمة الحكم المماثلة . ان الامر يتعلق فقط برغبة الشعب
وارتضائه لان يختار اسرة معينة تحمل صفات ذات معنى عميق في نفوس الناس لكي تصبح
رمزا لسيادة البلد , وبالتالي يجري اختيار احد رجالها ليكون على رأس السلطة الدستورية , ومن ثم يجري توارث هذه الحالة ضمن نفس الاسرة .
وعادة ما يجري اعداد الرجل الذي ستولى هذه المسؤولية اعدادا خاصا ليكون بمستوى
قابل لان يتحمل هذه المسؤولية . اما ممارسة السلطة الحقيقية وحكم البلد فعليا فهذا
شأن اخر اذ يكون الحكم بيد رئيس الوزراء الذي ينتخبه البرلمان استنادا الى
الانتخابات العامة التي تجري بالبلد . ورغم
كل هذه الضوابط الا ان العراقيين لم يرتضوا بوجود هذه الصفة في نظام الحكم الذي
يحكمهم واخذوا يعيبونها ويسعون لاسقاط العائلة المالكة . وبعد اسقاط الحكم الملكي
مارس جميع من تقلدوا السلطة حالة التوريث المنتقدة اصلا , او على الاقل سعوا نحوها
. وان لم يكن ذلك بالمتاح فهم على اقل تقدير سلموا مقادير البلد الى اشخاص من
جلدتهم . عبد الكريم قاسم جعل الرجل الثاني في نظامه هو ابن خالته فاضل عباس
المهداوي , وربما كان سيورثه الحكم لو ظل ذلك النظام قائما . عبد السلام عارف ورث
الحكم لشقيقه , ولو بقي ذلك النظام قائما لتبعه في الحكم قيس عبد الرحمن عارف .
احمد حسن البكر لم تتح له الفرصة للتوريث لان صدام حسين كان له بالمرصاد واسقطه عن
الحكم قبل ان يفكر بذلك . وحين تولى الحكم بعده جعل كل مقاليد السلطة بيد اقربائه
, ثم اخذ يخطط لتوريث الحكم لاحد ولديه عدي او قصي . والمالكي تمسك بالسلطة وكان
يريدها ان تبقى بيده للابد واخذ يعتمد في كل شيء على ابنه احمد وربما كان سيسعى
لتوريثه الحكم لو ظل بالسلطة . ليس هذا فقط بل ان التوريث انتقل الى الاحزاب ,
فمسعود البارزاني خلف ابيه في الحزب والسلطة , ومن المؤكد بان من سيخلفه هو ابن
اخيه نجيرفان . وعمار الحكيم خلف ابيه في الحزب , ومن قبله ابيه عبد العزيز خلف
شقيقه محمد باقر , وعمه محمد باقر خلف جده مهدي الحكيم ولا ندري الى اين سيستمر
هذا التوريث . ومقتدى الصدر خلف ابيه محمد صادق الصدر في التيار الصدري وفي
المكانة الرمزية ومن المؤكد بان السلسة ستستمر بعده بهذا المنوال . كل شيء في العراق يورث ويخضع لقانون التوريث
من اصغر الامور الى اكبرها , لكن العراقيين استكثروا على العائلة المالكة العراقية
انها كانت تتوارث الحكم . لكن دعونا نسأل سؤالا مهما : من بين جميع المورثين
والوارثين في العراق , هل مر حاكم من هو اخلص للبلد من رجال العائلة المالكة ؟
2- اتهام الحكم الملكي بالعمالة :
ظلت الاحزاب
العراقية والحركات السياسية وحتى جموع المواطنين تتهم الحكم الملكي بالعمالة
لبريطانيا ودول الغرب , ورفعت الشعارات الرنانة التي تصب بهذا الاتجاه وتدعوا
لاسقاط النظام الملكي لهذا السبب بالخصوص . ومنذ ان سقط الحكم الملكي في العراق لم
نرى حتى هذه اللحظة حكومة عراقية لم تكن عميلة لدولة او دول اجنبية سواء بصورة
مباشرة او غير مباشرة . فالحكم الجمهوري الذي جاء بعد حركة 14 تموز عام 1958 هو صنيعة مشبوهة تشير كل
الدلائل الى انها من صنع بريطانيا التي لم ترد للحكم الملكي بالاستمرار بعد ان خطى
خطوات وحدوية مع الاردن واخذ يعد العدة للمطالبة بالكويت وسحب الاراضي الغير
مستثمرة من شركان النفط الاحتكارية . وبعد ان مالت تلك الحكومة نحو الشرق واخذت
تمد جسور العمالة نحو الاتحاد السوفيتي والصين الشعبية واخذت تطالب بالكويت كجزء
من العراق جرى اسقاطها بواسطة حكومة بعثية وصلت للحكم بقطار امريكي . اما حكومة
القوميين التي قادها الاخوين العارفين فهي الاخرى كانت ذات علاقات مشبوهة مع بريطانيا
. من ناحية اخرى فان اصرار الاستخبارات المركزية الامريكية على عبد الرزاق النايف
بان يشرك حزب البعث في الحركة الانقلابية التي كان ينوي عملها ضد حكم الرئيس عبد
الرحمن عارف يدلل بوضوح على مدى ارتماء ذلك الحزب في احضان امريكا وعمالته لها .
اما بعد 2003 فان جميع الحكومات التي حكمت العراق كانت عميلة حتى النخاع مع اميركا
وبقية دول الغرب من جهة , ومع ايران من جهة اخرى
. هذا اذا تحدثنا
عن الحكومات , اما اذا تحدثنا عن الاحزاب فأن وطنية اي من الاحزاب التي سادت
بالعراق على مدى تاريخه المعاصر مشكوك بها جميعا . فالحزب الشيوعي عميل بالفطرة
والتكوين للاتحاد السوفيتي ورورسيا . وحزب البعث ظل منذ تأسيسه حتى اقصائه عام
2003 عميلا محترفا لاميركا , وكل ما كان يظهره من عداء وكره لها هو تمويه وكذب
وضحك على الذقون , وان اسقاطه في عام 2003 لم يجري الا لان المنطقة قد وضع لها
تخطيطات جديدة لم يكن باستطاعة هذا الحزب ان يكون له دور فيها . اما الاحزاب التي
سادت في العراق بعد 2003 فلا حاجة للحديث عنها لان عمالتها واضحة للعيان وتظهر
بوضوح امام الجميع في كل يوم نعيشه .
3- السكن في القصور واستغلال المال العام :
اعاب العراقيون على العائلة المالكة سكنها في قصور بينما عامة الشعب
كانوا يسكنون في الاكواخ والصرائف او في بيوت بسيطة . كما اتهموهم ايضا باستغلال
المال العام والعيش في احوال باذخة بينما جل افراد الشعب يعيشون في ظل الفاقة
والفقر . في الواقع ان هذه الاتهامات كانت باطلة وخاطئة الى حد كبير , فرواتب
افراد العائلة المالكة كانت رواتب عادية وبسيطة والقصور التي سكنوها كانت ضرورية لخلق مكانة محترمة تليق
بقادة البلاد , وهي في كل الاحوال كانت متواضعة وبسيطة في اثاثها اذا ما قورنت باي
من قصور بقية قادة العالم . كما ان اقراد العائلة المالكة لم يستغلوا المال العام
قط , وكم من مرة حاول بعضهم اخذ قروض من ميزانية الدولة لكنهم لم يحصلوا عليها . ولو قارنا احوال الرؤساء الذي تقلدوا مقاليد
السلطة بعدهم لوجدنا فروقات هائلة بين ما مارسه هؤلاء وبين بساطة من سبقوهم من
الملوك . بل ان بعض الرؤساء بالغ في بناء القصور والاستراحات وتأثيثها بفخامة وبذخ
واستغلال المال العام الى درجة لم يوازيه فيها رؤساء او ملوك اغنى الدول في العالم
. الوحيد الذي يمكن ان ينزه عن ذلك هو الزعيم عبد الكريم قاسم , غير ان حبه للسلطة
ولنفسه واستغلاله لهما في صنع نظام دكتاتوري قد دمر فيه هذه الميزة الحسنة .واليكم هذه المقارنة بين غرفة نوم جلالة الملك فيصل الثاني وبين
واحدة من غرف نوم الرئيس الاسبق صدام حسين التي يبلغ عددها بالمئات منتشرة في
قصوره واستراحاته في طول العراق وعرضه .
4-
الاتهام بدعم الاقطاع :
كان النظام الاقطاعي بالعراق متفشيا منذ اواخر
القرن التاسع عشر حين سجل رؤساء العشائر بعد استحداث دوائر الطابو في الدولة
العثمانية جميع الاراضي التي تقطنها عشائرهم باسمهم ثم اخذوا يجبرون ابناء عشائرهم
بزرعها وفلاحتها لصالحهم لقاء اطعامهم واسكانهم مما خلق نوع من الاستعباد والجور
الذي سلط على هؤلاء الفلاحين . وحين تأسست الدولة العراقية دعم هؤلاء الاقطاعيين
الدولة الوليدة والنظام الملكي لضمان
بقائهم بنفس اوضاعهم . في الواقع ان الدولة الجديدة كان لديها الكثير من المهام
لتقوم بها من اجل تأسيس دولة من الصفر بعد قرون من التأخر والاحتلال الاجنبي فلم
تقرب من هؤلاء ولا من سلطاتهم لكي لا تفتح على نفسها مشاغل ومواجهات لم تكن بعد
مؤهلة لخوضها . دفعت هذه الحالة غالبية الفلاحين المقهورين الى الظن بان النظام
الملكي يساند الاقطاع ويدعمه بالضد منهم وهذا امر غير صحيح .وبعد سقوط النظام
الملكي تم تشريع قانون الاصلاح الزراعي الذي سحب الاراضي من الأقطاعين وتم توزيعها
على الفلاحين بشكل قطع صغيرة لم يكن من المجدي استثمارها واستزراعها فهجرها
اصحابها او باعوها وهاجروا الى المدن فاصيبت الزراعة في العراق بنكسة خطيرة حولت
البلد الى مستورد لمعظم المحاصيل الزراعية وحولت الطبقات الفلاحية من طبقات منتجة
الى طبقات مستهلكة . وقد ادت هذه التطورات الى زوال السلطة العشائرية تقريبا
واندماج رؤساء العشائر مع ابناء عشائرهم وذوبان الفروقات بينهم تقريبا . استمر هذا
الحال حوالي عقدين من الزمن , لكن الامور بدأت بالعودة الى اوضاعها الاصلية منذ
مطلع عقد الثمانينات حيث بدأت سلطات رؤساء العشائر بالنمو من جديد واخذت تأخذ هذه
المرة طابعا سياسيا واجتماعيا ومعنويا بدلا من الطابع الاقتصادي الذي كانت تأخذه
بالسابق . وفي الواقع ان هذه السلطات تطورت الى حدود كبيرة جعلت من رئيس العشيرة
يصبح كرئيس الدولة في منطقة نفوذه ويسمى بالامير ويمتلك في كثير من الاحيان قوة
كبيرة مسلحة لحمايته وتعزيز نفوذه ومضائف يستقبل بها زواره ويعقد فيها اجتماعاته .
ليس هذا فقط بل اصبح الامير هو الحاكم الفعلي لعشيرته ومنطقته ويستطيع ان يصدر
احكام يمكن ان تصل الى حد الحكم بالموت على اي من افراد عشيرته . كما ان الدولة
اخذت تدعم رؤساء العشائر بشكل رسمي وتدعم سلطاتهم وخصصت لهم رواتب ضخمة وميزانيات
تصرف على نشاطاتهم مقابل اعلانهم للولاء للدولة وضمان ولاء منتسبي عشائرهم لها
ايضا . ولو قارنا اوضاع رؤساء العشائر ونفوذهم حاليا باوضاع الاقطاعيين الموجودين
في السابق لوجدنا فرق كبير وهائل بين المرحلتين , بل ان نفوذ الاقطاع يكاد لا يذكر
اذا ما قورن بنفوذ رؤساء العشائر حاليا .
5-
التمسك بالحكم :
اتهمت الاحزاب المناهضة للحكم الملكي ومن ورائها
الجماهير التي غسلت ادمغتها بان الحكم الملكي ورجالاته كانوا يتمسكون يالحكم
ويتبادلون الادوار والمناصب , وان اغلب رجالات ذلك الحكم ظلوا في مواقعهم المتقدمة
سنين طويلة . قد يكون هذا الامر صحيحا الى حد ما , فمثلا فان نوري السعيد ظل في
واجهة الدولة لاكثر من 28 سنة وترأس الوزارة العراقية لاربعة عشر مرة , وربما
شاركه في هذا الامر رجال اخرون كثر . من الاسباب التي كانت تدعوا الى هذا هو ان
الشخصيات المثقفة الواعية والسياسية التي كانت متوفرة بالبلد طيلة سنوات الحكم
الملكي قليلة بسبب تأخر البلد وتفشي الامية بين شرئح المجتمع مما كان يجعل قابلية
المناورة والاتيان بشخصيات جديدة قليلة وفرصها ضعيفة . لكن لو تفحصنا العهود
الجمهورية التي تلت الحكم الملكي لوجدنا ذات الامر تقريبا بالرغم من احوال البلد
كانت قد تغيرت كليا والطبقات المثقفة والواعية التي يمكن ان تقود اصبحت كثيرة
ومتوفرة . ومع ذلك فان الوجوه تسمرت في مكانها وظلت في مواقعها ومناصبها ليس
لسنوات فحسب بل لعقود , كما كان هو الحال في سنوات حكم النظام السابق . على الاقل
فان نوري السعيد كان يقال من الوزارة او يستقيل من نفسه بعد كل مدة , اما قادة
ووزراء العهود الجمهورية فكانوا لا يحتاجون الى غير مستندات طابو تبين بان المناصب
والمواقع التي يحتلونها هي مواقع مسجلة باسمائهم , وانهم باقين فيها الى يوم
يبعثون , وانه لا يستطيع ان ينزعها منهم احد الا بقدرة قادر , حتى وصل الامر بان
يكون هذا القادر هو اقوى دولة بالعالم .
6-
خيانة القضية الفلسطينية :
اتهمت الاحزاب السياسية التي حاربت النظام الملكي ومن ورائها من
خدع بشعارات تلك الاحزاب بان النظام الملكي كان خائنا للقضية الفلسطينية ولم يقم
باي دور لنصرة القضية الفلسطينية وساهم بقيام دولة اسرائيل . في الواقع فان هذا
الادعاء فيه تجني كبير على النظام الملكي لانه مغاير للحقيقة تماما . لقد كان
العراق احد اهم الدول العربية التي شاركت في حرب فلسطين عام 1948 , ومعظم الضباط
العراقيين القدماء ومن اصبحوا قادة فيما بعد يفخرون
بمشاركتهم بتلك الحرب وبطولاتهم فيها , وما مقابر الشهداء العراقيين في فلسطين
والاردن الا دليل واضح على هذا . والعراق كان ولايزال الدولة العربية الوحيدة التي
لم توقع هدنة او اتفاق وقف اطلاق نار مع اسرائيل بعد تلك الحرب . من جانب اخر فان
العراق كان من اوائل من دعوا الى اقامة الجامعة العربية كرد على المؤامرات
البريطانية وسعيها لاقامة دولة اسرائيل , ولم يدخر جهدا في معارضة هذا المشروع كما
جاء بخطاب نوري السعيد في 6/10/1947 أمام اللجنة الخاصة بقضية (فلسطين) في (نيويورك)
حين هاجم فيه تقرير تلك اللجنة لغرابته ، و شدّد على أن الحل الوحيد للقضية
الفلسطينية يكمن في استقلال (فلسطين) بعد إخراج "الإرهابيين" (اليهود)
منها. الموقف الوحيد الذي يؤاخذ عليه
النظام الملكي , ونوري السعيد بالذات هو قرار اسقاط الجنسية العراقية عن اليهود
العراقيين والسماح لهم بالسفر الى اسرائيل . لو تدارسنا هذه القرار لوجدنا فيه
حكمة كبيرة وحفاظ على المصلحة الوطنية . ان وجود عدة عشرات من الالوف من اليهود في
العراق وهو في حالة حرب مع اسرائيل كان يمكن ان يخلق ظروف بالغة الخطورة على امن
العراق لان هؤلاء كانوا سيتحولون بالضرورة الى جواسيس وطابور خامس وعناصر تخريب
داخل البلد . لقد حصلت حالات مشابهة لهذا العمل في دول اخرى , وحتى بالعراق نفسه .
ففي الحرب العالمية الثانية جمعت الولايات المتحدة جميع مواطنيها المنحدرين من اصل
ياباني ووضعتهم في معسكرات خاصة لضمان ان لا يؤثروا على البلد وهو في حالة حرب مع
بلدهم الام . وعام 1980 رحل العراق جميع مواطنيه المنحدرين من اصل ايراني الى
ايران خوفا من قيامهم باعمال عدائية ضده حين سائت علاقته بايران حتى وصلت الى درجة
الاحتراب . ولو تفحصنا دور العهود الجمهورية بما يخص القضية الفلسطينية لم نجد اي
عهد منها دخل حرب حقيقية ضد اسرائيل , باستثناء حرب اكتوبر عام 1973 والتي يمكن
القول بان العراق دخلها لاغراض دعائية اكثر من دخوله لها من جانب عملياتي ,
والدليل على هذا قيام العراق بسحب قواته من الجبهة فور اعلان وقف اطلاق النار دون
اي مراعاة لظروف المعركة وحساسية مثل هذا القرار . وحتى اطلاق العراق لـ 39 صاروخ
على اسرائيل عام 1991 فانه لم يكن من اجل نصرة القضية الفلسطينية بل بهدف جرها
لدخول الحرب لكي يستفيد دعائيا من اشتراك اسرائيل الى جانب دول عربية في حرب تحرير
الكويت . من هذا يتضح بان موقف النظام الملكي من القضية الفلسطينية كان اخلص موقف
بين جميع العهود التي حكمت العراق خلال المئة سنة الاخيرة , وانه اكثر من ناصر
القضية الفلسطينية .
وسام الشالجي
12 نوفمير 2014