اخر المواضيع في المدونة

الجمعة، 20 يونيو 2014

مالذي ازاح الشعور الوطني عن وجدان المواطن العراقي؟

بقلم - وسام الشالجي
 


ان اي انسان لا يكتسب في حياته من قناعات ومشاعر غير ما يتربى عليه ويسكب في بودقة عقله من افكار . ومن بين هذه الافكار: الوطنية والدين والفكر السياسي والقيم الاخلاقية والاعراف وغيرها . ان من الممكن جدا ان تضيع الوطنية بين دهاليز العقائد الانسانية التي يجدها الانسان سائدة حوله , وقد تغيب تماما نتيجة لهيمنة عقيدة معينة وتسيدها في المجتمع على حساب المعتقدات الاخرى . ان من اولى الملاحظات التي يسجلها اي مراقب لما يجري بالعراق هي ان "الوطنية" قد اصبحت غائبة عن وجدان المواطن العراقي وانه لم يعد يملك اي شعورا وطنيا حقيقيا تجاه بلده كما كان في السابق . ففي عراق اليوم نشهد بشكل واضح غياب المباديء الوطنية الصادقة عن فكر ساسة البلد اولا وعن الجماهير ثانيا وحلول شعارات واهداف بديلة اخرى في الخطاب الموجه لا تمت للوطنية بصلة , في الوقت الذي يجب ان يوضع أمن البلد وسلامة ترابه فوق كل الاولويات . ان التردي في الوضع السياسي حاليا وشيوع مبدأ الانهزامية في اهم مؤسسات الدولة الذي هو الجيش والقوات المسلحة , وتفاقم النزعة الطائفية وتفشي الخيانة في اروقة المؤسسات السياسية الذي يصل الى حد عقد الصفقات والاستعانة بالقوى الخارجية لتمرير او تحريك قضايا معينة , وتفشي الفساد وتغليب المصالح الخاصة على المصالح الوطنية يعود بالدرجة الاساس الى غياب الحس الوطني في نفوس القيادات المتنفذة بالدولة وزوال "الوطنية" عن معظم ابجديات السياسات المطروحة . ترى مالذي غيب هذه "الوطنية" وازاح الشعور الوطني عن وجدان المواطن العراقي ؟ للجواب على هذا السؤال لابد ان نتبحر قليلا في بحر الافكار والمعتقدات التي تتلاطم امواجها في عقلية المواطن العراقي لكي نستطلع اي منها تصب في مصب الوطنية , واي منها تقف سدا مانعا ضدها .
لن نحتاج الى تعب كبير وتقصي واسع ولا الخوض في غمار التحليل والاجتهاد لغرض الوصول الى الجواب , بل يكفي ان نرجع الى التعاريف الاساسية الموجودة في اغلب المراجع اللغوية والعلمية لمصطلحي "العقيدة" و "الوطنية" وسنجد انفسنا قريبين جدا من الجواب . نشأت كلمة "عقيدة" في اللغة العربية من مفهومين ليسا ببعيدين عن بعضهما , اولهما هو مفهوم"العقد" اي الربط والشد والأحكام بقوة فيما بين مجموعة من الافكار والامور والقضايا بما يخلق نظرية متراصة ومتماسكة لا تقبَل الجدال ولا المناقشة . والمفهوم الثاني هو مفهوم "الاعتقاد" والذي يعني الأيمان واليقين الجازم الذي لا يتطرق إليه شك لدى معتقده بفكرة معينة سواء أن كان هذا الاعتقاد حقا أم باطلا . وبامتزاج هذين المفهومين يمكن تعريف "العقيدة" بانها نظرية تتكون من مجموعة من الافكار والامور والقضايا المرتبطة ببعضها والتي يؤمن بها ايمانا يقينيا مجموعة من الناس بشكل لا يتطرق اليه اي نوع من الشك . ويزداد فعل العقيدة على الفرد ويتعمق تأثيرها عليه كلما كانت العقيدة واضحة ومتجذرة عند صاحبها وكلما كان مستوى تصديقه لها وايمانه بها قويا . والعقيدة على انواع تتباين حسب اختلاف الفكرة الاساسية التي تشكل جوهر النظرية التي يؤمن بها الناس , وهي تقسم الى :
1-    العقيدة الدينية : تعرف العقيدة الدينية (او الدين) بانها مجموعة من الأمور التي تشكل أساس الايمان بفكرة روحية تحدد نوع العلاقة بين الانسان والخالق , وما يترتب على كل جانب من طرفي هذه العلاقة تجاه الاخر . وتعد العقيدة الدينية ضرورة من ضروريات الإنسان التي لا غنى له عنها , ذلك أن الإنسان بحسب فطرته يميل إلى الاعتقاد بوجود قوة عليا تفوق امكانياته وتتمتع بطاقة خارقة ولديها القدرة الكاملة للسيطرة عليه وعلى جميع المخلوقات الموجودة من حوله وتسيره بالشكل الذي تريده وحسبما تشاء . ويمكن ان تكون العقيدة الدينية توسعية , اي تسعى لجعل الاخرين ينخرطون فيها سواء بالترغيب (تبشيرية) او بالترهيب والقوة , او قد تكون منغلقة وتكتفي بمن يؤمنون بها او من يدخلون اليها طوعا .
2-  العقيدة السياسية : تعرف العقيدة السياسية (او الفكر السياسي) بانها مجموعة من الافكار المنظمة الموضوعة ضمن نظرية يمكن ان تشكل بمجموعها رؤيا معينة لكيفية خدمة الوطن وتطويره وتحقيق الازدهار له ولشعبه . وتحدد عادة مثل هذه النظرية اهداف معينة ثم ترسم طبيعة السلوك والطريق الذي سيتبعه من يؤمن بها لتحقيقها . والعقيدة السياسية يمكن ان تكون قطرية اي خاصة ببلد واحد فقط , او اقليمية ترتبط بمجموعة من الدول تجمعها خاصية معينة تصبح اساس للعقيدة السياسية , او أممية (عالمية) تمتلك نظرة شمولية تجعل من الممكن تطبيقها في اي دولة من دول العالم .
3- العقيدة القومية : وهي نوع من الاواصر والروابط بين اناس لهم لغة واحدة وتاريخ مشترك وحضارة واحدة وتراث مشترك . ولا يشترط في العقيدة القومية ان تضم افراد ينتمون الى بلد واحد بل يمكن ان تضم اناس من بلدان متعددة , اي بمعنى اخر بان العقيدة القومية يمكن ان تتعدى الحدود القطرية , لكنها لا تتجاوز في كل الاحوال الحدود الاقليمية . كما ان العقيدة القومية لا تشترط ان تكون العقائد الاخرى السائدة بين من يؤمن بها متشابهة لان اركانها تقتصر على الثوابت التي مر ذكرها . واذا تغلبت العقيدة القومية في المجتمع وسادت على حساب العقائد الاخرى فانها يمكن ان تتحول بسهولة الى تعصب عنصري يشعر فيه ابنائها بانهم ارفع واعلى من القوميات الاخرى , لكنها لا تبلغ الا بحالات نادرة درجة الاعتداء على القوميات الاخرى . 
4- العقيدة الاجتماعية : وهي عباره عن سلوكيات وتقاليد واعراف تسود في مجتمع او وسط معين في وقت ما يسير عليها كل او بعض أفراد ذلك المجتمع او الوسط ويمتثلون لها ويتقيدون بها في واقع حياتهم . وترتبط العقيدة الاجتماعية على الاغلب بالجوانب الأخلاقية والسلوكية والتربوية والنفسية للفرد والمجتمع على نحو ما ، بحيث تكون حاضرة في مختلف النشاطات الحياتية وتعاملاتها اليومية . وتظهر قوة العقيدة الاجتماعية ومدى ديمومتها من المستوى الذي تترك فيه آثارها وبصماتها على نفسية الفرد وعلى سلوكه بشكلٍ تلقائي . وخير مثال على العقيدة الاجتماعية هي التقاليد والاعراف العشائرية او العائلية , والتي يمكن ان تتغلب في بعض الاحيان على بقية العقائد السائدة . والعقيدة الاجتماعية لا ترتبط بدولة معينة ولا بزمن ما , فهي يمكن تسود في اي وقت في بلد واحد او في مجموعة بلدان , وبعد مدة تختفي تماما ولا يبقى لها اثر . 
من جانب اخر , تعرف "الوطنية" بانها الشعور بالارتباط بارض معينة تسمى الوطن , والذي يتمثل بالفخر بحمل هويته والتباهي بتاريخه وثقافته وابراز معالمه وانجازاته على الصعيد الانساني . كما تعني الوطنية ايضا الاحساس بالانتماء الكلي للوطن والولاء الكامل له وارتباط المصير الشخصي بمصيره . وتنشأ الوطنية وتنتشر بين الناس بحكم عيشهم في وطن واحد والتصاقهم به ، فتأخذهم غريزة البقاء بالدفاع عنه كنوع من الدفاع عن  النفس . والوطنية هي شعور انساني بحت ولا يمكن ابدا ان تكون صادقة وحقيقية اذا ما تقاطعت مع وطنية الاخرين , اي بكلمة اخرى فان الوطنية لا تدفع ابدا المواطنين الى الاعتداء على اوطان الاخرين . من ناحية اخرى فأن الوطنية يمكن ان تثلم ثلمة قوية قد تفقد بموجبها بعض او كل مقوماتها في النفس وذلك حين يصبح الانسان يحمل جنسية وطن اخر , او حتى بمجرد عيشه لفترة طويلة في بلد اخر . السبب في هذا هو ان واحد من اهم مقومات الوطنية الاساسية سيفقد في مثل هذه الحالة والذي يتمثل بالارتباط بارض الوطن والتفاخر بحمل هويته وارتباط المصير الشخصي بمصيره , وسينشأ بدله او الى جانبه نوع من الولاء والارتباط بالوطن الجديد او الارض التي جرى العيش فيها .
لنأتي الان الى تحليل هذه المعلومات لنرى كيف يمكن ان تؤثر كل عقيدة من العقائد التي جاءت اعلاه على الشعور الوطني لدى الفرد , صعودا او هبوطا . يلاحظ من تعريف العقيدة الدينية بانه لا يوجد اي ارتباط بينها وبين فكرة الوطن لان مفهوم الدين ليس له علاقة مطلقا بمفهوم الوطن , وهو يسعى لأن يجمع اناس من اوطان مختلفة ضمن فكر ديني واحد . ومن الامور التي تستدعي الانتباه هو ان العقيدة الدينية يمكن حتى ان تتقاطع في بعض الاحيان مع مبدأ "الوطنية" , وبالذات اذا كانت الاولى من النوع التوسعي , اي تسعى للانتشار من اجل جعل الاخرين يؤمنون بمعتقداتها . فحين تكون العقيدة الدينية من النوع الذي يؤمن بالانتشار والتوسع بالقوة والترهيب فانها ستدفع اتباعها بالضرورة الى غزو اوطان الاخرين بغرض نشر الدين في بلادهم , وبالتالي ستحولهم الى غزاة معتدين مما يفقدهم واحد من اهم شروط الوطنية الذي هو حب الوطن مع عدم الاعتداء على اوطان الاخرين . كما ان العقيدة الدينية ستتقاطع في مثل هذه الحالة ايضا مع وطنية الشعوب الاخرى من الذين تسعى الى التوسع فيهم لانهم سيتصدون لها حتما بناء على ما ستدفعهم وطنيتهم اليه في الدفاع عن اوطانهم ومعتقداتهم . وحتى لو كانت العقيدة الدينية من النوع التبشيري فانها لا يمكن ان تحافظ في حيثياتها على شعور وطني بحت لدى افرادها لانها ستدفعهم الى ترك الاوطان والانتشار في كل البلدان وبين جميع الاجناس بغرض بث عقيدتهم الدينية , وبالتالي سيكون الوطن عندهم غير مهم مقارنة بدوافع العقيدة الدينية . العقيدة الدينية الوحيدة التي يمكن ان تحافظ على شروط الوطنية ويمكن ان تنمي الشعور الوطني لدى افرادها هي العقيدة الدينية المغلقة التي لا تسعى الى الانتشار بين الاخرين . نخلص للقول بان العقيدة الدينية لا تنمي الشعور الوطني ولا تزرع  المفاهيم الوطنية بنفوس من يؤمن بها لان الوطن في نظرها هو ليس جنسية بل كل الارض التي تمارس فيها هذه العقيدة . لا يعتبر هذا قصور في العقيدة الدينية ولا خلل في الدين لان المفهومين مختلفين كليا عن بعضهما ولا يمكن ان يجمعا في بودقة واحدة .
اما بالنسبة للعقيدة السياسية , فان تعريفها يشير لنا بانها ترتبط بشكل او بأخر بمفهوم الوطنية . ومع ان العقيدة السياسية مرتبطة بالوطنية غير ان العكس ليس صحيحا بالضرورة , اذ يمكن ببساطة ان نرى الكثير من الناس يحملون شعور وطني حقيقي لكنهم غير مؤمنين بعقيدة سياسية معينة . وبالرغم من وطنية مثل هؤلاء لكنهم غالبا ما يكونون غير مؤثرين بقوة في الجهد الوطني العام بسب عدم امتلاكهم لرؤية معينة في كيفية ترجمة وطنيتهم الى واقع ملموس يعطي نتائج مفيدة للوطن . وعادة ما يكون مثل هؤلاء المواطنين هدفا لمحاولات الكسب والاستقطاب من قبل الحركات السياسية الموجودة على الساحة . وتختلف درجة ارتباط العقيدة السياسية بالوطنية , فهي ترتبط ارتباطا كليا بها اذا كانت العقيدة من النوع القطري , لكن الوطنية تبدأ بفقدان عناصر مهمة من اركانها اذا ما اصبحت العقيدة السياسية اقليمية , وقد تفقد معظم اركانها حين تكون العقيدة السياسية من النوع الاممي . نسنتنتج من هذا بان العقيدة السياسية القطرية هي اكثر العقائد ارتباطا بالوطنية , وهي ربما الوحيدة التي تنمي بقوة الشعور الوطني في نفوس الأشخاص الذين يؤمنون بفكرها . 
ولو انتقلنا الى العقيدة القومية , سنجد بان ارتباط هذه العقيدة بالوطنية لا يتجسد بشكل حقيقي وواقعي الا اذا كان افراد القومية المعنية يسكنون بلدا واحدا , كما هو على سبيل المثال حال البريطانيين والايطاليين والسويديين وغيرهم . ان الشعور القومي سيمتزج بمثل هذه الحالة بشكل كامل بالشعور الوطني ويصبح حالة واحدة . اما اذا كان افراد القومية المعنية يسكنون في اكثر من بلد , كما هو الحال بالألمان والاتراك والعرب فان الشعور الوطني سيتناقص لحساب النزعة القومية التي ستكون ممتدة على مساحة اكثر من دولة . لكننا في كل الاحوال لا يسعنا القول بان العقيدة القومية تلغي الشعور الوطني , لكن يمكننا القول بانها اقل تأثيرا في تنمية الشعور الوطني لدى الناس قياسا بالعقيدة السياسية القطرية . اما العقائد الاجتماعية فيمكننا القول بان  تاثيرها على الاحاسيس الوطنية متساوي من الاتجاهين , اي انها لا تزيده ولا تقلل منه بذات الوقت , والسبب الرئيس في هذا هي انها تعني بشؤون تكاد تكون ليست ذات علاقة بفكرة الوطنية . لم نسمع ابدا في حياتنا بان هناك اعراف وتقاليد اجتماعية وقفت بالضد في يوم من الايام امام المشاعر الوطنية . فمع ان الانسان يمكن ان يتبع عرف او سلوكية معينة في حياته لكنه يمكن في نفس الوقت ان يبقى محافظا على شعوره الوطني تجاه بلده لعدم وجود تناقض بين الحالتين . كما ان العشائر دائما ما تهب للدفاع عن الوطن الذي تعيش فيه بمجرد ان يأتي اي نداء لهذا الغرض , أو يدق اي ناقوس ينذر الوطن بالخطر .
بعد هذا الاستعراض نخلص للقول بان اقوى عقيدة انسانية يمكن ان تنمي الشعور الوطني داخل المواطن وتحفزه وتدعم عناصره هي العقيدة السياسية  , بشرط ان تكون عقيدة  قطرية خاصة بالوطن الذي يعيش فيه من يتبعها . اما بقية العقائد فهي اما عديمة التأثير , او ربما تضعفها بسبب تقاطعها معها . من هذه النتيجة المهمة والخطيرة يمكننا ان ندرك لماذا فشلت الاحزاب الدينية في قيادة وادارة العراق لانها وببساطة اضعفت الشعور الوطني لدى المواطن العراقي وخلقت بدلا منه مشاعر دينية ومذهبية مختلفة . ان هذه المشاعر ازاحت فكرة الوطن من عقل المواطن وأحلت محلها فكرة الدين والمذهب . ومن نتائج وحصيلة هذا الامر هي ان الانسان العراقي اصبح لا يهمه كثيرا مصير الوطن طالما ان مقدساته الدينية لم تمس , وطالما ظل بامكانه ممارسة الطقوس الدينية في المكان والشكل الذي يريده . وبدلا من ان يصبح العراق كله خط احمر امام اي غازي او معتدي , اصبحت الأماكن الدينية ومواقع المقدسات المذهبية هي المهمة فقط وهي التي يقتضي الدفاع والذود عنها . لذلك ليس من الغريب ان نجد الانهزامية قد تفشت في روح الجنود وافراد القوات المسلحة لان ما زرع في عقولهم هو ان ما من شيء اهم من حماية المعتقد الديني والمقدسات الدينية . بل ان بعض هؤلاء اصبحوا يشعرون حين يرسلون الى محافظات بعيدة عن سكنهم بانهم في ارض غريبة , وان من الظلم ان يقتلوا دفاعا عن ارض لا تعنيهم بشيء . ان مثل هذا الشعور يمثل خلل خطير في مفاهيم الوطنية التي تعني بمفرداتها بان كل شبر من ارض الوطن يجب ان يكون له نفس المعنى ونفس القيمة لدى المواطن , وان عدم وجود مثل هذا الشعور لدى المقاتل سيؤدي حتما للتفريط بالارض بسهولة . ما من شك بان العقيدة الدينية والمواقع المقدسة لها اهمية قصوى وفائقة في نفس اي انسان , لكنها لا يجب ان تصبح اهم من الوطن لان ضياعه سيؤدي بالنتيجة الى ضياعها بينما بقائه سيحميها ويعزها . من جانب اخر فان تسيد العقيدة الدينية في بلد ما يمكن ببساطة ان يفرق الناس ضمن البلد الواحد لانها ستتقاطع مع عقائد دينية مختلفة لمواطنين اخرين من نفس الوطن , وهذا ما حصل لدينا بالضبط والذي ادى الى تفشي الطائفية المقيتة . ان اي حزب سياسي ديني يستلم السلطة سيكون منحازا بالضرورة الى طائفته دون بقية الطوائف مما سيؤدي الى خلق الاحتقان الطائفي الذي سيصبح قنبلة موقوتة تهدد دائما بالانفجار واشعال الحرب الاهلية . هذا هو ما موجود في العراق فعلا الان , بينما نجد انه خلال ثمانين سنة من عمر الدولة العراقية لم يتهدد العراق ابدا بشبح حرب اهلية او طائفية لسبب بسيط هو ان الاحزاب والحركات السياسية التي حكمت البلد خلال تلك الفترة لم تكن دينية . ان الحل النافع لمشاكل العراق في الوقت الراهن هو لا شيء غير ابعاد الدين عن السياسة وتسليم الحكم الى حركات ديمقراطية ليبرالية تدين بالولاء الكامل الى ارض وتراب العراق وتنظر الى جميع المواطنين بصورة متساوية وترفع شعار (العراق اولا واخرا , ولا شيء سوى العراق) . ليس هذا موقف معادي من الاحزاب الدينية في العراق ولا دعوة مضادة لها لكنها ضرورات الحال الذي وصلنا اليه والذي لا يختلف اثنان بانه صعب وخطير للغاية . بل ان من المؤسف ان تصل تجربة عشر سنوات من حكم الاحزاب الدينية التي ناضلت طويلا الى هذه النتيجة . قد لا يقتنع بهذا الحل قادة هذه الاحزاب ولا حتى الكثير من الناس لكن ليس هناك ابدا من حل أخر . ان العراق بكل ارضه ومدنه مهدد الان من قبل هجمة ظلامية فاشية وغزو خارجي سيحرق الاخضر واليابس ان لم يتصدى له . وان ترك الامور على ما هي عليه وعدم حل المشكلة سيضيع ربما الوطن برمته وتضيع معه كل مكتسباته الحضارية , أو على اقل تقدير سيخيم على البلد شبح التقسيم الذي لو حصل فربما لن تتوفر فرصة لجمعه من جديد حتى اخر الزمان .   

وسام الشالجي
العراق

المقال منشور في جريدة الزمان على:

http://www.azzaman.com/?p=74960