كل
الاشياء تبدو في الطفولة كبيرة , فالزمن طويل للغاية وبطيء بطأ السلحفاة
والابنية شاهقة وضخمة والمسافات شاسعة والطرق بعيدة والناس عمالقة . هذه
مغامرة صغيرة مرت بي وانا طفل صغير .
تعرفت على مجلة للاطفال أسمها (سندباد) في بيت عمتي حين كنت في الثامنة من عمري اذ كان زوج عمتي يقتني مجلدات تلك المجلة ليقرأها اولاده . من وقتها اصبحت هذه المجلة معشوقتي والمكتبات اكثر الاماكن التي تشدني , كيف لا وفيها يمكن ان اجد مجلتي الحبيبة سندباد . كنت اود جدا ان يكون عندي بعض اعداد او مجلدات تلك المجلة لكن ذلك كان غير متاح لي مما كان يدفعني لاكثار الزيارة لبيت عمتي للاستمتاع بقرائتها عندهم . كنت في ايام العطلة الصيفية ازور بيت جدي في بغداد الذي كان يقع في منطقة الاعظمية ببغداد بالقرب من ساحة عنتر . وعلى بعد حوالي 500 متر من بيت جدي كانت هناك مكتبة شهيرة اسمها (مكتبة الصباح) كنت اراها من السيارة حين نخرج أو نعود للبيت . كنت اتوق جدا لزيارة هذه المكتبة متأملا بان ارى وجه صديقي سندباد الجميل وهو يحمل ناظوره ليطل من مجلته الجميلة . كنت اعلم جيدا بانه لن يحصل ابدا ان يأخذني احد اليها لان تحقيق رغبة طفل هي اخر الاشياء في قاموس اسرتي . كنت قد اطلعت على بعض رحلات سندباد ومغامراته التي يواجه فيها الاهوال والصعاب بحثا عن ابيه (الشهبندر) , فقررت ان اخوض مغامرة تشبها به لكن بحثا عن سندباد نفسه . قررت ان اعد نفسي للقيام برحلة الى هذه المكتبة لكن كان يتعين علي ان اختار وقت لا يوجد فيه احد بالبيت لكي يتاح لي القيام بهذه المغامرة التي قد تكون محفوفة بالمخاطر دون ان ينتبه احد لغيابي . وفعلا جاء هذا الوقت في احد الامسيات اذ لم يكن بالدار غير جدتي التي كنت متأكدا بأنها لن تفطن لغيابي . اصطحبت مصباحي الذي يعمل بالبطارية وشددت الرحال في رحلة لا اعلم كم ستستغرق . مشيت بالظلام شاعلا مصباحي وقلبي يدق كلما ازداد بعدي عن المنزل . كنت ارى الناس ذاهبين وقادمين وكنت اتصور بان كل من يراني يقول في نفسه من هذا الطفل الذي يسير وحده والى اين يبغي يا ترى . مشيت ومشيت حتى احسست باني سرت دهرا وكنت اشعل مصباحي بين الحين والاخر باحثا عن المكتبة لكنها لم تلوح امامي ابدا . خفت جدا وازدادت دقات قلبي تسارعا واخذت ادور حول نفسي باحثا عن المكتبة حتى ضاعت مني الاتجاهات فما عدت بعدها اعرف اين طريق المنزل واين طريق المكتبة . نسيت غايتي واخذت اركض يمينا ويسارا باحثا عن طريق العودة للدار , وحتى مصباحي لم يعد يستطيع ان يساعدني . كانت المخيلات تدور برأسي واخذت اتصور بان اهلي قد عادوا للمنزل واكتشفوا غيابي واخذوا يبحثون عني الان وان القيامة ربما قد قامت لاني ضعت . لم اعرف ماذا افعل وكيف ساتصرف حتى وجدت رجلا قادما امامي فهرعت اليه وانا ابكي وقلت له , ارجوك عمو لقد تهت ولا اعرف كيف اصل الى داري . ربت الرجل على رأسي وقد حن جدا لحالي وسالني عن مكان الدار فقلت له قرب ساحة عنتر فقال لي لا تخف يا بني تعال وساخذك اليه . مشى بي الرجل برهة حتى رايت الدار من بعيد فقلت له ذاك هو دارنا وشكرته جدا وهرعت مسرعا وانا افكر ماذا ساقول لاهلي وكيف سابرر خروجي من المنزل بهذه الساعة . وصلت الدار ودخلت اليه فاذا بكل شيء على حاله فجدتي مضطجعة كعادتها في الهول ولا شيء قد حدث ولا قيامة قد قامت . حمدت الله كثيرا وقررت ان لا اكررها ابدا داعيا الله ان يوفر لي مناسبات مختلفة استطيع ان التقي بها بصديقي سندباد .
حين كبرت كنت اقطع المسافة بين دار جدي ومكتبة الصباح بدقائق , وكنت كلما سرت باتجاهها تذكرت مغامرتي تلك وتملأ نفسي الضحكات على التصورات التي شعرت بها في حينها وعلى مشاعر الخوف التي انتابتني . حقا ان عالم الطفولة هو عالم جميل له مفاهيمه ومداركه , وحقا ان قصصها واحداثها لها طعم خاص في مخيلتنا وانها تترسخ بحيث لا ننساها ابدا .
وسام الشالجي
تعرفت على مجلة للاطفال أسمها (سندباد) في بيت عمتي حين كنت في الثامنة من عمري اذ كان زوج عمتي يقتني مجلدات تلك المجلة ليقرأها اولاده . من وقتها اصبحت هذه المجلة معشوقتي والمكتبات اكثر الاماكن التي تشدني , كيف لا وفيها يمكن ان اجد مجلتي الحبيبة سندباد . كنت اود جدا ان يكون عندي بعض اعداد او مجلدات تلك المجلة لكن ذلك كان غير متاح لي مما كان يدفعني لاكثار الزيارة لبيت عمتي للاستمتاع بقرائتها عندهم . كنت في ايام العطلة الصيفية ازور بيت جدي في بغداد الذي كان يقع في منطقة الاعظمية ببغداد بالقرب من ساحة عنتر . وعلى بعد حوالي 500 متر من بيت جدي كانت هناك مكتبة شهيرة اسمها (مكتبة الصباح) كنت اراها من السيارة حين نخرج أو نعود للبيت . كنت اتوق جدا لزيارة هذه المكتبة متأملا بان ارى وجه صديقي سندباد الجميل وهو يحمل ناظوره ليطل من مجلته الجميلة . كنت اعلم جيدا بانه لن يحصل ابدا ان يأخذني احد اليها لان تحقيق رغبة طفل هي اخر الاشياء في قاموس اسرتي . كنت قد اطلعت على بعض رحلات سندباد ومغامراته التي يواجه فيها الاهوال والصعاب بحثا عن ابيه (الشهبندر) , فقررت ان اخوض مغامرة تشبها به لكن بحثا عن سندباد نفسه . قررت ان اعد نفسي للقيام برحلة الى هذه المكتبة لكن كان يتعين علي ان اختار وقت لا يوجد فيه احد بالبيت لكي يتاح لي القيام بهذه المغامرة التي قد تكون محفوفة بالمخاطر دون ان ينتبه احد لغيابي . وفعلا جاء هذا الوقت في احد الامسيات اذ لم يكن بالدار غير جدتي التي كنت متأكدا بأنها لن تفطن لغيابي . اصطحبت مصباحي الذي يعمل بالبطارية وشددت الرحال في رحلة لا اعلم كم ستستغرق . مشيت بالظلام شاعلا مصباحي وقلبي يدق كلما ازداد بعدي عن المنزل . كنت ارى الناس ذاهبين وقادمين وكنت اتصور بان كل من يراني يقول في نفسه من هذا الطفل الذي يسير وحده والى اين يبغي يا ترى . مشيت ومشيت حتى احسست باني سرت دهرا وكنت اشعل مصباحي بين الحين والاخر باحثا عن المكتبة لكنها لم تلوح امامي ابدا . خفت جدا وازدادت دقات قلبي تسارعا واخذت ادور حول نفسي باحثا عن المكتبة حتى ضاعت مني الاتجاهات فما عدت بعدها اعرف اين طريق المنزل واين طريق المكتبة . نسيت غايتي واخذت اركض يمينا ويسارا باحثا عن طريق العودة للدار , وحتى مصباحي لم يعد يستطيع ان يساعدني . كانت المخيلات تدور برأسي واخذت اتصور بان اهلي قد عادوا للمنزل واكتشفوا غيابي واخذوا يبحثون عني الان وان القيامة ربما قد قامت لاني ضعت . لم اعرف ماذا افعل وكيف ساتصرف حتى وجدت رجلا قادما امامي فهرعت اليه وانا ابكي وقلت له , ارجوك عمو لقد تهت ولا اعرف كيف اصل الى داري . ربت الرجل على رأسي وقد حن جدا لحالي وسالني عن مكان الدار فقلت له قرب ساحة عنتر فقال لي لا تخف يا بني تعال وساخذك اليه . مشى بي الرجل برهة حتى رايت الدار من بعيد فقلت له ذاك هو دارنا وشكرته جدا وهرعت مسرعا وانا افكر ماذا ساقول لاهلي وكيف سابرر خروجي من المنزل بهذه الساعة . وصلت الدار ودخلت اليه فاذا بكل شيء على حاله فجدتي مضطجعة كعادتها في الهول ولا شيء قد حدث ولا قيامة قد قامت . حمدت الله كثيرا وقررت ان لا اكررها ابدا داعيا الله ان يوفر لي مناسبات مختلفة استطيع ان التقي بها بصديقي سندباد .
حين كبرت كنت اقطع المسافة بين دار جدي ومكتبة الصباح بدقائق , وكنت كلما سرت باتجاهها تذكرت مغامرتي تلك وتملأ نفسي الضحكات على التصورات التي شعرت بها في حينها وعلى مشاعر الخوف التي انتابتني . حقا ان عالم الطفولة هو عالم جميل له مفاهيمه ومداركه , وحقا ان قصصها واحداثها لها طعم خاص في مخيلتنا وانها تترسخ بحيث لا ننساها ابدا .
وسام الشالجي