من
انا ؟ السؤال المعضلة الذي حيرني كما حير معظم الخليقة , فكم من الناس
وجدوا وعاشوا ورحلوا دون ان يجدوا له جوابا . سهل جدا ان يكون الانسان لكن
كم هو صعب ان يجد نفسه وكم هو عسير ان يعرفها .
لم
يحتاج الامر لكي اكون الى اكثر من لمحة خاطفة من الزمن انطلق فيها شعاع أت
من حافة الكون ليخترق سحابة مظلمة اشعلت وميضا ساطعا تكور حول بؤرته فكنت
انا . مر زمن طويل بعدها حتى وعيت على نفسي فلم اجد اكثر من كينونة صغيرة
تجلس على عتبة باب دار عتيقة تطلق النظرات هنا وهناك تارة والى نفسي تارة
اخرى . تفقدت معالمي ونظرت الى ما يحيطني فاذا بي مخلوق صغير يشبه الى حد
كبير مخلوقات كبيرة تملأ ما حولي .
مر
دهرا طويلا اخرا كبر فيه كل ما بي فاذا بي اصبح ما عرفت لاحقا بانه يسمى
طفلا , ووجدت بان لي قدرة على التفاعل مع ما هو حولي . كان اول احساس تولد
لدي هو اني شيء صغير لكنه سيكبر مع الوقت ليكون شيء كبير في النهاية فسألت
نفسي , قد لا اعرف ما كنت ومن اين اتيت لكن ترى هل ساعرف ماذا ساكون ؟
ولكي اعرف ما يمكن ان اكونه كان يتعين علي بان ادرك ما هو كائن , فاخذت اتفاعل مع ما هو حولي واغرف الاشياء من البحر الذي يحيطني ملتقطا المعارف ومبصرا الاحداث لتقوم ذاتي بترتيبها وتفسيرها صانعة وحيا صغيرا مغمورا بداخلي .
ولكي اعرف ما يمكن ان اكونه كان يتعين علي بان ادرك ما هو كائن , فاخذت اتفاعل مع ما هو حولي واغرف الاشياء من البحر الذي يحيطني ملتقطا المعارف ومبصرا الاحداث لتقوم ذاتي بترتيبها وتفسيرها صانعة وحيا صغيرا مغمورا بداخلي .
استطلع
الطفل الذي هو انا في بدايات ادراكه كل ما هو حوله فرأى محيطا هائجا يفور
كالبركان فيه صدامات وتملأه الصراعات ورجال كثر يدعون البطولات فحلم بان
يصبح حين يكبر بطلا مثلهم يفجر الثورات ويخوض غمار الحروب داحرا الاعداء
ليحرر الاوطان ويصنع البطولات محققا ألمع الأنتصارات .
مرت
سنوات عدة اخرى كبر بها الطفل فاصبح صبيا فأذا بالهوى يملأ فؤاده لاول مرة
والحب يداعب شغاف قلبه فاراد بان يكون معشوقا مثلما هو عاشقا فملئته
الرغبة بان تفتتن به الفتيات خصوصا الفتاة التي يهواها . اختلطت مشاعر
العشق الجديدة مع أهواء نفسه التي سبقت فتحولت الرغبة بداخله لان يصبح
طيارا يشق عنان السماء ويخوض معارك المجد ويزين صدره جناح الطيران وأوسمة
المجد ونياشين الفخر عله ينال بذلك اعجاب فتاته واعجاب من هم حوله .
مرت
سنوات قليلة اخرى ووجد الشاب في نفسه طاقات فكرية هائلة فقرر بان يصبح
عالما فذا يضع النظريات ويحقق الانجازات العلمية ويفك أعقد المعادلات ويحل أصعب المعضلات . كانت هذه الرغبة تتصارع مع عنفوان الشباب الذي في داخله
فلم يجد ما يجمع بين حبه للعلم والحياة التي تتدفق في عروقه والرغبات الاسبقة غير ان يحلم
بان يصبح رائد فضاء يتنقل بين الكواكب ويستكشف الفضاء ويسبر اعماق الكون
ليصل الى ما لم يصله احد . وحين
ادرك الشاب اليافع بانه بعيد كل البعد عن ذلك قرر بان يكون استاذا لامعا
مشهورا يحبه طلبته ويعجب به زملائه وتتخرج على يده الاجيال ويشار اليه
بالبنان في كل مكان وزمان .
وبين
تبخر هذه الامنية وضياع تلك اراد الرجل الغض بان يكون شخصا محبوبا كثير
الاصدقاء ومثارا لاعجاب الاخرين فاندفع يختار من بين حوله من يكونون اصدقاء
عمره ورفاق دربه ليمضي معهم في مسيرته , فأذا به يصدم بهذا الصديق ويخذل بذاك فأخذت الصداقات تتبخر الواحدة تلو الاخرى .
وبين
الفشل هنا والتراجع هناك والكثير الذي لم يتحقق مر زمنا طويلا أخرا ضاع به
صاحبنا حتى اصبح على شفا ان لا يكون شيئا بالمرة , لكنه افلح اخيرا في
ايجاد نفسه ومعرفتها على حقيقتها . فقد اكتشف اخيرا بان الامر لم يكن
ليحتاج الى اكثر من قلم صغير ومجموعة اوراق يسطر بها ما يدور بداخله ليكون
بالنهاية كلما حلم ان يكونه .
وسام الشالجي
وسام الشالجي