اخر المواضيع في المدونة

الخميس، 27 سبتمبر 2012

حلم العودة الى غرناطة - قطرة وفاء تنساب من الصليب - قصة مقتبسة

وقف أبو عبد لله أخر ملوك غرناطة بعد انكساره أمام جيوش الملك فرديناد والملكة إيزابيلا على شاطي الخليج الرومي تحت ذيل جبل طارق قبل نزوله إلى السفينة المعدة لحمله إلى إفريقيا وقد وقف حوله نساؤه و أولاده وعظماء قومه من بني الأحمر فألقى على ملكه الذاهب نظره طويلة لم يسترجعها إلا مبللة بالدمع ثم أدنى رداءه من وجهه وأنشأ يبكي بكاء مرا وينشج نشيجا محزنا حتى بكى كل من حوله لبكائه وأصبح شاطئ البحر كأنه مناحة قائمة تتردد فيها الزفرات ويستبق العبرات . فإنه لواقف موقفه هذا وقد ذهل عن نفسه وموقفه إذ أحس هاتفا يهتف باسمه بصوت كأنما ينحدر إليه من علياء السماء فرفع رأسه فإذا بشيخ ناسك متكئ على عصاه واقف على باب مغارة من مغارات الجبل المشرف عليه ينظر إليه ويقول : نعم لك أن تبكي أيها الملك الساقط على ملكك بكاء النساء فإنك لم تحتفظ به احتفاظ الرجال , إنك ضحكت بالأمس كثيرا فابك اليوم بمقدار ماضحكت بالأمس فالسرور نهار الحياة والحزن ليلها ولا يلبث النهار الساطع أن يعقبه الليل القاتم . لو أن ماذهب من يدك من ملكك ذهب بصدمة من صدمات القدر أو نازلة من نوازل القضاء من حيث لا حول لك في ذلك ولا حيلة لهان من أمره عليك . أما وقد أضعته بيدك وأسلمته إلى عدوك فذلك امر لا يهون , اذ لم تقنع بما قسم الله لك من الرزق فأبيت إلا الملك والسلطان فنازعت عمك الأمر واستعنت عليه بعدوك وعدوه . لي فوق هذه الصخرة يا بني الأحمر سبعة أعوام أنتظر فيها هذا المصير الذي صرتم إليه حتى أرى اخر ملكا منكم يرحل عن هذه الديار . وها قد حل هذا اليوم فحصل ما انتظرته , فحسبنا الله ونعم الوكيل , ثم انكفأ عائدا الى مغارته بخطا ثقيلة وبطيئة .

بعد مرور أربعة وعشرون عاما على ذلك الحدث لم يبق في أفريقيا حي من بني الأحمر إلا فتى في العشرين من عمره اسمه سعيد لم يرى غرناطة ولا قصر الحمراء ولا المرج والجنة العريف ولا نهر شنيل , ولكن مازال يحتفظ في ذاكرته من عهد الطفولة تلك الأناشيد الأندلسية فكان لا يتمنى إلا أن يرى غرناطة ساعة من زمان يشفي بها غله . وكان كلما هم بالذهاب إليها قعد به عن ذلك عجوزا من أهله مريضة حتى وافاها أجلها , فركب البحر من سبته إلى ملقة ومن ثم إلى غرناطة متنكرا في ثوب طبيب عربي من أطباء الأعشاب يتنقل في جبال الأندلس وسهولها حتى بلغ ضاحيتها في الأصيل فوقف على هضبة من هضاب جبل الثلج فرأى الأمواج تنزلق عنه بهدوء . ثم التفت إلى المدينة فرأى على البعد أبراجها العقيقية الحمراء وقبابها العالية الشماء ومآذنها الذاهبة في جو السماء فضم إحدى يديه إلى الأخرى ووضعها على صدره ثم صاح بصوت عال رددته الغابات والحرجات يقول : هذا ميراث آبائي وأجدادي لم يبق لي منه إلا وقفه بين يديه كوقفة الثاكل المفجوع بين أيدي الأطلال البوالي والآثار الدوارس . هذه مضاجعهم ينام فيها أعداؤهم وهم لا مضاجع لهم إلا رمال الصحراء وكثبان الفلوات , هذه قصورهم تشرف على الأرض الفضاء وتطل عيون نوافذها كأنما تترقب إن يعودوا إليها فيعمروها كما كانو فلايفعلون . هذه قبابهم وأبراجهم وفي هذه البساتين كانوا ينعمون وعلى ضفاف هذه الأنهار كانو يغدون ويروحون , واليوم لا غاد منهم ولا رائح . ثم نظر إلى الأفاق فرأى الشمس تنحدر إلى مغاربها ورأى جيش الليل يطارد فلول جيش النهار فيبددها بين يديه تبديدا فتهاتفت على نفسه وهو يقول : هكذا تدول الدولات وتسقط التيجان وهكذا تحل الظلمات محل الأنوار . ثم توسد ذراعه وأستغرق في نومه فلم يستفق حتى مضى الليل فمشى إلى نهر جار على سفح الجبل فصلى عنده صلاه الفجر . ثم انحدر إلى المدينة يفتش عن خان يأوي إليه فلم يجد في طريقه من يرشده إلى طلبه حتى بلغ نهر شنيل فمشى على ضفته يتفقد البذور والأعشاب وينتظر يقظة المدينة بعد هجعتها . وإنه لكذلك إذ انفتح بين يديه قصر عظيم وإذا فتاه اسبانية خارجه منه قد أسبلت على وجهها خمارا اسود شفافا وأرسلت على صدرها صليبا ذهبيا صغير ومشى وراءها غلام يحمل على يديه الكتاب المقدس فلمحته في مكانه فأدهشها موقفه فدنت منه ورفعت قناعها عن وجهها فاذا فتاة حسناء بربيع العمر وجهها كانه البدر تتدلى على جانبيه خصلات شعرها الذهبية التي لم تلبث حتى تسللت لتعبث بها نسمات الصبح فأخذت بعض خيوطها تتطاير لتداعب برقة شفاهها الوردية وقالت له بلسان عربي تخالطه بعض العجمة : أغريب أنت عن هذا البلد ؟ قال نعم فسمعت في صوته رنة الشرف ورأت بين أعطافه مخائل النعمة فأهمها أمره وأشارت إليه أن يتبعها لتدله على ما يريد . فمشى بجانبها حتى بلغا موضع الخان فحيته بابتسامه عذبة وقالت له لا تنسى إن تزورني أيها الغريب كلما عرضت لك حاجه ثم سارت إلى طريق كنيستها . منذ تلك الساعة أصبح الأمير ينظر إلى غرناطة بعين غير العين التي كان ينظر بها إليها من قبل , ويرى فيها صورة الأنس بعد الوحشه , فكان إذا مر بمسجد من تلك المساجد التي استحالت إلى كنائس استطاع أن يقف هينة عله يرى الفتاه الاسبانية . وكذلك أصبح الأمير المسكين لا هم له إلا أن يتمشى صبيحة كل يوم يقلب نظره في أبواب القصور المشرفة على ذلك النهر عله يعرف قصرالفتاه فلا يعرفه حتى إذا نال منه اليأس انكفأ راجعا إلى مقبرة آبائه في ظاهرالمدينة فيجلس بين القبور يذرف دموعا لا يعلم هل هي دموع الذكرى القديمة أو دموع الذكرى الجديدة .

وكان الدهر قد نكب فلورندا الفتاة الاسبانية منذ عامين نكبة لا تزال لوعتها متصلة بقلبها , فقد كان أبوها رئيس جمعية العصابة ألمقدسة التي قامت في وجه الحكومة أعواما طوالا تطالبها بالحرية الدينية والشخصية حتى أعيا رجال الحكومة أمرها فدسو لرئيسها من قتله فحزنت ابنته عليه وعلى أمها التي ماتت على أثره حزنا شديد ماكان يفارقها في جميع غدواتها وروحتها , فأصبحت وهي لم تسلخ الثامنة من عمرها تعيش في قصرها عيش الزاهدات فكان لا يراها الرائي إلا ذاهبة إلى الكنيسة أو عائده منه الا يصطحبها إلا غلامها , أو واقفة على أطلال الدولة الماضية ورسومها تقلب فيها نظرات العظمة والاعتبار , أو هائمة على وجهها في مروج غرناطة حتى ينزل ستارالليل فتعود إلى قصرها . وكذلك كان شأنها في جميع أيامها حتى سماها أهل غرناطة الراهبة الجميلة . فإنها لسائرة يوما بجانب مقبرة بني الأحمر إذ لمحت على البعد فتى عربيا منكبا على احد القبور كأنما يقبل صفائحه ويبل تربته بدموع فرثت لحاله ومشت نحوه حتى دنت منه فأحس بها فرفع رأسه فعرفها وعرفته فقالت له إنك تبكي ملوكك بالأمس أيها الفتى فابكهم كثيرا فقد جف تراب قبورهم لقلة من يبكي عليهم . قال أترثين لهم ياسيدتي قالت نعم لأنهم كانوا عظماء فنكبهم الدهر وليس أحق بدموع الباكين من العظماءالساقطين . قال شكرا لك يا سيدتي فهذه أول ساعة شعرت فيها ببرد العزاء يدب في صدري مذ وطئت قدماي أرضكم هذه . قالت هل زرت قصورهم وأثارهم التي تركوها من بعدهم في هذه الديار فأطرق قليلا ثم رفع رأسه فإذا دمعة تتأرجج في مقلتيه وقال لا يا سيدتي لقد حاولت الدنو منها فطردني عنها الموكلون بأبوابها كأنما هم يجهلون أن ليس بين الأحياء جميعهم في هذا العالم كله من هو أولى بها مني . قالت أتمت إلى أحد من أصحابها بنسب أو رحم قال لا يا سيدتي ولكني عبدهم ومولاهم وصنيعة أيديهم وغرس نعمتهم فلا أنسى ولاءهم ما حييت . قالت إن رأيتك غدا في مثل هذه الساعة والمكان ذهبت بك إلى ماتريد منها قال لئن فعلت لا يكونن امرؤ على وجه الأرض اكثر عرفانا لنعمتك مني فحيته وانصرفت ومضى هو إلى خانه بين صبابة تقيمه وتعقيده وأمل يمنيه ويحييه .

وفت فلورندا لصديقها العربي بما وعدته به فجاءت في اليوم الثاني فأزارته بعض الآثار ثم جاءته في اليوم الثالث فأزارته بعضا أخر منها , وهكذا وما زالا يجتمعان كل يوم ويفترقان ويختلفان إلى ما شاءا من الرسوم والآثار لا ينكر الناس من أمرهما شيئا فقد كانوا إذا رأوهما معا قالوا إن الراهبة الجميلة تحاول أن تهدي الفتي العربي إلى دينها القويم حتى استحال العطف الذي كانت تضمره له في نفسها مع الأيام إلى حب شديد . وكذلك العطف دائما هو طريق الحب أو هو الحب نفسه لابسا ثوبا غير ثوبه , إلا أن أحد منهما لم يجرؤ أن يكاشف صاحبه بما أضمره له في نفسه حتى جاء اليوم الذي عزم فيه على زيارة قصر الحمراء وهو أخر ما بقي بين أيديهما من الآثار فلا لقاء بعده اليوم .

وقف الأمير أمام القصرالحمراء فرأى سماء تطاول السماء وطودا يناطح الجوزاء وهضبة تشرف على الهضاب وسحابة تمر فوق السحاب وجبلا تحسر عن قمته العيون وتضل في جوانبه الظنون وحصنا تتقاصر عنه يدا الأيام وتهاتفت من حوله السنون والأعوام . ثم دخل فإذا ملك كبير وجنة وحرير وقباب تفضي إليها النجوم بالأسرار وأبراج تنزلق عن سطوحها يد الأقدار وصحون مفروشة بألوان الحصباء كأنها الرياض الزهراء , وبين تلك المشاهد اخذ يترنم ويتغمم في نفسه بقول القائل:

وقفت بالحـــــــمراء مستعبرا معتبرا أندب أشـــــتاتا
فقلت يا حمراء هل من رجعة قالت وهل يرجع من ماتا
فلم أزل أبكي على رسمها هيهات يفني الدمع هيهاتا
كأنما أثــــــــــــار من قد مضوا نوادب ينــــــدبن أمواتا


حتى وصل إلى الساحة الكبرى فرأى صحنا مفروشا ببساط من المرمر الأصفر قد دارت به في جهاته الأربع أربعه صفوف من الأعمدة النحاف الطوال وتراءت في جوانبه حجرات متقابلات تعلوها قباب مشرفات فعلم أنها حجرات الأمراء والأميرات من أهل بيته فهاجت في نفسه الذكرى وشعر إن صدره يحاول أن ينشق عن قلبه حزنا ووجدا وأحس بحاجة شديدة للبكاء فاستحى أن يبكي أمام فلورندا فتركها في مكاها لاهية عنه بالنظر إلى بعض النقوش ومشى إلى بعض تلك القاعات حتى دناها فكان أول ما تناول نظره منها سطرا مكتوبا على بابها يدلل على من كان يقطنها , فما قرأه حتى صاح صيحة شديدة قائلا (وا أبتاه ... وا أبتاه) وسقط مغشيا عليه . لم يستفق الامير إلا بعد ساعات طويلة ففتح عينه فوجد رأسه في حجر فلورندا وهي تمسد على راسه وقد امتلأت عيناها بالدموع ووضحت على وجهها أثار البكاء فقالت له لقد كنت أعلم قبل اليوم أنك تكاتمني شيئا من أسرار نفسك , والآن عرفت أنك لست عبد بني الأحمر كما تقول ولكنك أحد أمرائهم وأنك في قصر جدك وأمام حجرة أبيك , فما أسوأ حظكم يابني الأحمر وما أعظم شقائك أيها الأمير المسكين . فلم يجد سبيلا بعد ذلك إلى كتمان أمره فشاء ان يقص عليها قصته وقصة أهل بيته وما صنعت يد الدهر بهم منذ جلوا عن الأندلس حتى اليوم . فلما فرغ من قصته نظر إليها نظرة منكسرة وقال لها يا فلورندا إن جميع ما لقيته من الشقاء بالأمس يصغر بجانب الشقاء الذي تدخره لي الأيام غدا , قالت وأي شقاء ينتظرك أكثر مما أنت فيه فأطرق هنيهة ثم رفع رأسه وقال إنني أستطيع أن أتحمل كل شيء في الحياة إلا أن أفارقك فراقا لا لقاء من بعده . قالت أتحبني أيها الأمير قال نعم حب الزهرة الذابلة للقطرة الهاطلة , قالت وهل تستطيع أن تحب فتاة مسيحية لا تدين بدينك قال نعم لأن طريق الدين في القلب ليس بالضرورة هو طريق الحب , ولقد وجدت فيك الصفات التي أحببتك لها ثم لا شأن لي بعد ذلك فيما تعتقدين . قالت وهل تستطيع إن تحب بلا أمل قال ولم لا يكون الحب نفسه غاية من الغايات التي نجد فيها السعادة أن ظفرنا بها , ثم متى كان للسعادة في هذه الحياة نهاية محدودة لكي لا نجد الراحة إلا إذا وصلنا إلى نهايتها . وكان الليل قد أظلمهما فبرحا مكانهما ومشيا يتحدثان عن الحب الذي نما في قلبيهما منذ ان التقيا حتى بلغا الموضع الذي اعتادا أن يفترقا فيه فوضعت فلورندا يدها في يده وقالت له سأحبك كما أحببتني أيها الأمير وسيكون حبي لك بدون أمل كحبك , واذا كان الدين قد فرق بين جسدينا فليجمع الحب بين قلبينا وسيكون الشوق الذي في داخلنا هو الرباط الذي لن يفصل بين روحينا ثم تركته وانصرفت . مرت بهما بعد ذلك أيام سعدا فيها بنعمة اللقاء سعادة أنستهما جميع ما لقياه في حياتهما الماضية . وبينما هم جالسان ذات يوم على ضفة جدول من جداول عين الدمع إذ مر بهما الدون رودريك ابن حاكم مدينة غرناطة فراهما في مجلسهما هذا منحيث لا يرونه , وكان قد رأى فلورندا قبل اليوم وأحبها واختلف إلى منزلها أياما يتحبب إليها ويدعوها إلى الزواج منه فأبت أن تصغي إليه وقالت له أنني لا أتزوج من أبن قاتل أبي فانصرف بلوعة لا تزال كامنه في نفسه حتى اليوم . فلما رآها جالسه مجلسها هذا زعم أنها ما أوصدت باب قلبها في وجهه إلا لأنها كانت قد فتحته من قبل لهذا الفتى العربي الجميل الذي يجالسها , فذهب إلى قصرها في اليوم الثاني ليفضي إليها بما وقع في نفسه فأبت أن تقابله فخرج غاضبا يحدث نفسه بأفظع أنواع الانتقام . ماهي الا أيام قلائل حتى سيق الأمير سعيد بن يوسف بن أبي عبد الله سليل بني الأحمر ذليلا مهانا إلى محكمه التفتيش متهما بمحاوله إغراء فتاة مسيحية بترك دينها وهي عندهم أفظع الجرائم وأهولها.

وقف الأمير أمام قضاة المحكمة فسأله الرئيس عن تهمته فأنكرها , وقال الرئيس لابد على براءتك إلا أمر واحد وهو أن تترك دينك وتأخذ بدين المسيح فطار غضب في دماغ الأمير وصرخ صرخة دوت بها أرجاء القاعة وقال في أي كتاب من كتبكم وفي أي عهد من عهود أنبيائكم ورسلكم وجدتم إن سفك الدم عقاب الذين لا يؤمنون بإيمانكم ولا يدينون بدينكم . من أي عالم من عوالم الأرض أو السماء أتيتم بهذه العقول التي تصور لكم أن الشعوب تساق إلى الإيمان سوقا وان العقائد تسقى للناس كما يسقى الماء والخمر , أين العهد الذي اتخذتموه على أنفسكم يوم وطئت أقدامكم هذه البلاد بأن تتركوننا أحرارا في عقائدنا ومذاهبنا , أهذا إلذي تصنعون اليوم والذي صنعتم بالأمس هو كل ماعندكم من الوفاء بالعهود والعيد للذمم . نعم لكم أن تفعلوا ما تشاءون فقد خلا لكم وجه البلاد وأصبحتم أصحاب القوه والسلطان فيها وللسلطان عزة لا تبالي بعهد ولا وفاء . إن العهود التي تكون بين الأقوياء والضعفاء إنما هي سيف قاطع في يد الأولين وغل ملتف على أعناق الآخرين , فلا قوم الله عثرة البلهاء ولا أقر عيون الأغبياء . انتم الأقوياء ونحن ضعفاء فأنتم أصحاب الحق الأبلج والحجة القائمة فاصنعوا ما شئتم فهذا حقكم الذي خولتكم إياه قوتكم . ثم حاول الاستمرار في حديثه فقاطعه الرئيس وأمر أن يساق إلى ساحة الموت التي هلك فيها من قبله آلاف المسلمين قتلا أو حرقا . وما جرد الجلاد سيفه فوق رأسه حتى سمع الناس صرخة امرأة تدوي بين الصفوف فالتفتوا فلم يعرفوا مصدرها , وماهي إلا غمضة وانتباهة حتى سقط متدحرجا ذلك الرأس الذي ليس له مثيل .

يرى المار اليوم بجانب مقبرة بني الأحمر في ظاهرة غرناطة قبرا جميلا مزخرفا هو قطعة واحدة من الرخام الأزرق الصافي قد نحتت في سطحها حفرة جوفاء تمتلئ بماء المطر فيهوي إليها الطير في أيام الصيف الحار فيشرب منها ونقشت على أضلاعها هذه السطور
من صديقته الوفية بعهده حتى الموت

فلورندا فيليب