يضم التاريخ بين طياته
حقائق كثيرة عن حوادث وقعت بالماضي , فيها ما هو سلبي وفيها ما هو أيجابي دارت على
أرض الواقع بكل ما فيها ضمن مرحلة من الزمن , وبعد ان صارت جزء من الماضي أصبحت
كالختم الذي طبع على جبين الزمان من المستحيل تغييره أو التلاعب به . وحين يكون تاريخ
انسان ما أو جهة معينة مليئا بالسلبييات التي يمكن أن تؤثر على حاضر ذلك الأنسان
أو تلك الجهة , أو ربما تصبح عائقا أمام الوصول لحالة جديدة بالحاضر أو المستقبل
كثيرا ما يتم اللجوء إلى أي وسيلة لطمس ذلك التاريخ بهذا الشكل أو ذاك . ويمكن أن
يطمس التاريخ وحذفه من الذاكرة أو المدونات بعدة وسائل أهمها وأسهلها هو في
التلاعب به وتزوير وتغيير وقائعه . غير أن هذا الإسلوب من الأفعال كثيرا ما يواجه
بالدحض عند وجود شهود على تلك الوقائع عاشوا زمنها وحضروا وقوعها مما يشكل وجودهم
عائق أمام أي تزوير . لذلك يتم في بعض الأحيان اللجوء بوقت مبكر إلى تصفية
هؤلاء الشهود وتغييب وجود كل من شهد أو حضر زمن وقوع تلك السلبيات والوقائع قبل أن
تصبح تاريخا ثابتا . إن إفراغ الحاضر من مثل هؤلاء يوفر الفرصة بعدها بسهولة
للتلاعب بالتاريخ كيفما يشاء من دون خشية أو خوف من أن يدحض التاريخ الجديد الذي
يوضع لعدم وجود من يستطيع أن يأتي بشواهد عن ما وقع فعلا تثبت عكس او ما هو مغاير
لما يدون بالتاريخ المزيف . لقد شهد التاريخ الكثير من هذه الحالات مما يلقي بظلال
الشك على الكثير مما هو مدون في صفحاته , والدليل على هذا هو ما شهدناه في تاريخ
العراق الحديث خلال الخمسون سنة الماضية .
لقد مرت بتلك الفترة على العراق حوادث وشخصيات لازال يعيش الكثيرون ممن عايشوها وعاصروها وعرفوا كل شيء عنها , غير أن ما اصبح يكتب أو يقال عن تلك الشخصيات بزماننا هذا وعن الحوادث التي مرت بها مغاير تماما للحقيقة بالرغم من إنه لم تمضي على وقوعها مدد طويلة . لقد وصل الأمر إلى حد إطلاق صفات معينة عن تلك الشخصيات هي أقرب لصفات الانبياء والقديسين بينما هم ماكانوا غير أناس عاديين أخطأوا وأصابوا وارتكبوا السلبيات في حياتهم مثلما عملوا الإيجابيات . أما بالنسبة لتفاصيل الحوادث التي مرت بالبلد بوقتها فحدث ولا حرج , فيكاد في بعض الأحيان أن يكون من المستحيل الوصول إلى الحقيقة المطلقة عن مفردات تلك الحوادث لكثرة الأختلافات الموجودة بين ما هو مدون وما قيل عنها , حتى في مذكرات شخوص تلك الوقائع الاصليين . أن السبب في كل هذا هو يعود بنظر الكاتب إلى إن تلك الوقائع كانت مليئة بالسلبيات مما يجعل الراوي او المتحدث عنها يبتعد عن ذكر الحقائق كما وقعت فعلا , حتى وإن كان هذا الراوي أحد ابطالها الحقيقين لكي لا يشوه تاريخه الماضي أو يبين حالة سلبية وقعت في ماضي هو يريد أن يبقيه ناصعا في نظر الاخرين .
وإذا كان الاشخاص وأبطال الحوادث الحقيقين التي وقعت بالماضي يغيرون بأنفسهم بعض الشيء في مفردات تاريخهم وتفاصيل الوقائع التي مروا بها لجعل تاريخهم السالف ناصعا بنظر الاخرين كما اسلفنا , إلا أن ما يفعله الناس المحبيين لتلك الشخصيات أو يقفون بالضد منها هو أخطر بكثير . يمكن لبطل الحدث أن يحذف الجانب السلبي من تاريخه , ويمكن أن يغير بعض الأشياء في تفاصيل وقائع حياته , أما جمهور تلك الشخصيات أو من يعادونها فأنهم يبدأون بإختلاق وتأليف ما لم يقع ابدا , ويروون عن تلك الشخصية ما لم يحدث مطلقا , كما يقوم المجتهدون بالتمادي بهذا المجال وتدوين كل ما هو مزيف عن الشخصية بهدف تمجيدها أو الإساءة أليها . أن هذا ما نلمسه يوميا في حياتنا , وقد شاع بشكل غير مسبوق بعد أن سادت مواقع التواصل الإجتماعي بين الناس وصار بمقدور كل شخص أن يروي ويدون كما يشاء . لقد أدى هذا الأمر إلى فقدان الحقيقة وإنحراف المجتمع عن مساره الطبيعي لأنه لم يعد يستفيد من تجارب الماضي كما وقعت فعلا ليصحح مسيرته , ولا يدرك اين كانت الاخطاء لكي يختار على ضوئها ما هو مفيد له ويصب في مصلحته ومصلحة البلد وفائدة أفراده .
ومن بين ما اثر على حقيقة تاريخنا الحديث أيضا هو ما يجري في مجتمعنا من فرض ما يكتب وفرض ما يدون على الباحثين والمؤرخين بهذه الوسيلة أو تلك , حتى أصبحنا لا نجد باحثين مخلصين ومجردين ومحايدين يبحثون بالأخطاء والسلبيات التي وقعت بالماضي من وجهة نظر علمية وإجتماعية أو سياسية محايدة لوضع النقاط على الحروف لكي يمضي بعدها المجتمع بطريق اصح من الطرق التي جرى سلكها سابقا . لقد صار مثل هذا الباحث أو الدارس خاضعا ببحوثه ودراساته , وحتى تفكيره إلى ما تفرضه عليه بعض الجهات المتنفذة بالمجتمع , سواء كانت هذه الجهة هي جهة دينية أو مذهبية أو قبلية أو سياسية . ليس هذا فقط , بل أن الباحث المحايد كثيرا ما يتعرض للتهديد والإبتزاز لثنيه عن الغور في دراسة الماضي من وجهة نظر علمية صحيحة لأن ذلك يمكن أن يظهر السلبيات التي يحاول البعض إخفائها وطمسها . لقد فقد المجتمع العراقي طريقه بسبب هذه الحقيقة وتاهت بوصلة مسيرته عن الوجهة الصحيحة بسبب تعدد القوى التي تؤثر على هذه البوصلة , وكانت النتيجة بالتالي أن ضاع كل شيء ولم يعد من السهل تمييز الطريق الصحيح من الطريق الخطأ .
وكمثل على ما جرى ذكره أعلاه هو ما حصل للباحث الجليل الدكتور علي الوردي بسبعينات القرن الماضي . لقد كتب الباحث علي الوردي عن تاريخ المجتمع العراقي بالعصر الحديث لكنه توقف عن المضي قدما بهذا الطريق بعد أن دون تفاصيل ثورة العشرين . لم يسال احد نفسه عن السبب الذي جعل الوردي يتوقف عن المضي قدما بهذا الطريق وما هي الأسباب التي ثنته عن ذلك . أن السبب بوجهة نظر الكاتب يعود إلى نفس ما ذكر أعلاه لأن الكتابة بشكل محايد ومستقل سيبين أمام الفرد والمجتمع أين الإيجاب وأين السلب بتاريخ العراق المعاصر كما وقع فعلا وهذا يمكن أن يضع الاشخاص بصورة مجردة أمام الناظر مما قد يؤدي إلى رفع مستوى النظرة على بعض الاشخاص , بينما يخفضها على أخرين . أن هذا ما كانت لا تريده الكثير من الجهات التي كانت تتحكم بالمجتمع بوقتها , سياسية كانت أو إجتماعية والتي كانت تحاول أن تسيره بالطريقة التي تريدها . لو كان الباحث الوردي قد إستمر بكتاباته لتبينت الكثير من الحقائق المطموسة أمام الفرد العراقي كما كانت فعلا بخلاف ما كانت تريده تلك الجهات من فرض نظرتها الخاصة عن الاشخاص والاحداث بعيدا عن ما جرى فعلا لكي يمكن بعدها تسويق المجد لمن تشاء من الشخصيات بينما تطبع تاريخ شخصيات أخرى بالسوء . وبسبب قوة العصا التي جرى التلويح بها له توقف الباحث الوردي عن الكتابة وإبتعد عن المواجهة لأنه أدرك بأنه لا يستطيع أن يزحزح الجبل من مكانه وهو لا يملك غير قرون حمل .
وإذا كان الدكتور الوردي قد إنسحب من المواجهة واثر الإبتعاد لظروفه الخاصة بذلك الوقت , وبالتالي وفر للتيار الطاغي على مسيرة المجتمع بوقتها فرصة لنيل نجاح مؤقت , إلا إن الحال لا يمكن أن يبقى ابدا على تلك الوضعية ولا يستمرعلى طول الخط كما كان . أن الحركة التي تمضي عليها وسائل التقدم والتطور العلمي والإجتماعي وتوسع مفاهيم الفرد ووصول إدراكاته ألى مستوى بعيد ستجعل من كل الاصوات مسموعة بالمستقبل مهما كانت خافتة , وستجعل كل الحقائق واضحة وجلية أمام الأنظار سواء أن رضي عن ذلك هذا الطرف أو رفضه ذاك . إن ما كان ممكنا فرضه بالماضي سيصعب فرضه بالمستقبل , وما كان يمكن أخفائه بالماضي سيصعب إخفائه بالمستقبل , وستظهر حقيقة كل شخصية مرت بالتاريخ , وتقف هي والفئة التي تنتمي إليها عارية أمام الناس بكل سلبياتها وتاريخها مهما حاولت أن تطمس أو تزور تاريخها.
لقد مرت بتلك الفترة على العراق حوادث وشخصيات لازال يعيش الكثيرون ممن عايشوها وعاصروها وعرفوا كل شيء عنها , غير أن ما اصبح يكتب أو يقال عن تلك الشخصيات بزماننا هذا وعن الحوادث التي مرت بها مغاير تماما للحقيقة بالرغم من إنه لم تمضي على وقوعها مدد طويلة . لقد وصل الأمر إلى حد إطلاق صفات معينة عن تلك الشخصيات هي أقرب لصفات الانبياء والقديسين بينما هم ماكانوا غير أناس عاديين أخطأوا وأصابوا وارتكبوا السلبيات في حياتهم مثلما عملوا الإيجابيات . أما بالنسبة لتفاصيل الحوادث التي مرت بالبلد بوقتها فحدث ولا حرج , فيكاد في بعض الأحيان أن يكون من المستحيل الوصول إلى الحقيقة المطلقة عن مفردات تلك الحوادث لكثرة الأختلافات الموجودة بين ما هو مدون وما قيل عنها , حتى في مذكرات شخوص تلك الوقائع الاصليين . أن السبب في كل هذا هو يعود بنظر الكاتب إلى إن تلك الوقائع كانت مليئة بالسلبيات مما يجعل الراوي او المتحدث عنها يبتعد عن ذكر الحقائق كما وقعت فعلا , حتى وإن كان هذا الراوي أحد ابطالها الحقيقين لكي لا يشوه تاريخه الماضي أو يبين حالة سلبية وقعت في ماضي هو يريد أن يبقيه ناصعا في نظر الاخرين .
وإذا كان الاشخاص وأبطال الحوادث الحقيقين التي وقعت بالماضي يغيرون بأنفسهم بعض الشيء في مفردات تاريخهم وتفاصيل الوقائع التي مروا بها لجعل تاريخهم السالف ناصعا بنظر الاخرين كما اسلفنا , إلا أن ما يفعله الناس المحبيين لتلك الشخصيات أو يقفون بالضد منها هو أخطر بكثير . يمكن لبطل الحدث أن يحذف الجانب السلبي من تاريخه , ويمكن أن يغير بعض الأشياء في تفاصيل وقائع حياته , أما جمهور تلك الشخصيات أو من يعادونها فأنهم يبدأون بإختلاق وتأليف ما لم يقع ابدا , ويروون عن تلك الشخصية ما لم يحدث مطلقا , كما يقوم المجتهدون بالتمادي بهذا المجال وتدوين كل ما هو مزيف عن الشخصية بهدف تمجيدها أو الإساءة أليها . أن هذا ما نلمسه يوميا في حياتنا , وقد شاع بشكل غير مسبوق بعد أن سادت مواقع التواصل الإجتماعي بين الناس وصار بمقدور كل شخص أن يروي ويدون كما يشاء . لقد أدى هذا الأمر إلى فقدان الحقيقة وإنحراف المجتمع عن مساره الطبيعي لأنه لم يعد يستفيد من تجارب الماضي كما وقعت فعلا ليصحح مسيرته , ولا يدرك اين كانت الاخطاء لكي يختار على ضوئها ما هو مفيد له ويصب في مصلحته ومصلحة البلد وفائدة أفراده .
ومن بين ما اثر على حقيقة تاريخنا الحديث أيضا هو ما يجري في مجتمعنا من فرض ما يكتب وفرض ما يدون على الباحثين والمؤرخين بهذه الوسيلة أو تلك , حتى أصبحنا لا نجد باحثين مخلصين ومجردين ومحايدين يبحثون بالأخطاء والسلبيات التي وقعت بالماضي من وجهة نظر علمية وإجتماعية أو سياسية محايدة لوضع النقاط على الحروف لكي يمضي بعدها المجتمع بطريق اصح من الطرق التي جرى سلكها سابقا . لقد صار مثل هذا الباحث أو الدارس خاضعا ببحوثه ودراساته , وحتى تفكيره إلى ما تفرضه عليه بعض الجهات المتنفذة بالمجتمع , سواء كانت هذه الجهة هي جهة دينية أو مذهبية أو قبلية أو سياسية . ليس هذا فقط , بل أن الباحث المحايد كثيرا ما يتعرض للتهديد والإبتزاز لثنيه عن الغور في دراسة الماضي من وجهة نظر علمية صحيحة لأن ذلك يمكن أن يظهر السلبيات التي يحاول البعض إخفائها وطمسها . لقد فقد المجتمع العراقي طريقه بسبب هذه الحقيقة وتاهت بوصلة مسيرته عن الوجهة الصحيحة بسبب تعدد القوى التي تؤثر على هذه البوصلة , وكانت النتيجة بالتالي أن ضاع كل شيء ولم يعد من السهل تمييز الطريق الصحيح من الطريق الخطأ .
وكمثل على ما جرى ذكره أعلاه هو ما حصل للباحث الجليل الدكتور علي الوردي بسبعينات القرن الماضي . لقد كتب الباحث علي الوردي عن تاريخ المجتمع العراقي بالعصر الحديث لكنه توقف عن المضي قدما بهذا الطريق بعد أن دون تفاصيل ثورة العشرين . لم يسال احد نفسه عن السبب الذي جعل الوردي يتوقف عن المضي قدما بهذا الطريق وما هي الأسباب التي ثنته عن ذلك . أن السبب بوجهة نظر الكاتب يعود إلى نفس ما ذكر أعلاه لأن الكتابة بشكل محايد ومستقل سيبين أمام الفرد والمجتمع أين الإيجاب وأين السلب بتاريخ العراق المعاصر كما وقع فعلا وهذا يمكن أن يضع الاشخاص بصورة مجردة أمام الناظر مما قد يؤدي إلى رفع مستوى النظرة على بعض الاشخاص , بينما يخفضها على أخرين . أن هذا ما كانت لا تريده الكثير من الجهات التي كانت تتحكم بالمجتمع بوقتها , سياسية كانت أو إجتماعية والتي كانت تحاول أن تسيره بالطريقة التي تريدها . لو كان الباحث الوردي قد إستمر بكتاباته لتبينت الكثير من الحقائق المطموسة أمام الفرد العراقي كما كانت فعلا بخلاف ما كانت تريده تلك الجهات من فرض نظرتها الخاصة عن الاشخاص والاحداث بعيدا عن ما جرى فعلا لكي يمكن بعدها تسويق المجد لمن تشاء من الشخصيات بينما تطبع تاريخ شخصيات أخرى بالسوء . وبسبب قوة العصا التي جرى التلويح بها له توقف الباحث الوردي عن الكتابة وإبتعد عن المواجهة لأنه أدرك بأنه لا يستطيع أن يزحزح الجبل من مكانه وهو لا يملك غير قرون حمل .
وإذا كان الدكتور الوردي قد إنسحب من المواجهة واثر الإبتعاد لظروفه الخاصة بذلك الوقت , وبالتالي وفر للتيار الطاغي على مسيرة المجتمع بوقتها فرصة لنيل نجاح مؤقت , إلا إن الحال لا يمكن أن يبقى ابدا على تلك الوضعية ولا يستمرعلى طول الخط كما كان . أن الحركة التي تمضي عليها وسائل التقدم والتطور العلمي والإجتماعي وتوسع مفاهيم الفرد ووصول إدراكاته ألى مستوى بعيد ستجعل من كل الاصوات مسموعة بالمستقبل مهما كانت خافتة , وستجعل كل الحقائق واضحة وجلية أمام الأنظار سواء أن رضي عن ذلك هذا الطرف أو رفضه ذاك . إن ما كان ممكنا فرضه بالماضي سيصعب فرضه بالمستقبل , وما كان يمكن أخفائه بالماضي سيصعب إخفائه بالمستقبل , وستظهر حقيقة كل شخصية مرت بالتاريخ , وتقف هي والفئة التي تنتمي إليها عارية أمام الناس بكل سلبياتها وتاريخها مهما حاولت أن تطمس أو تزور تاريخها.
وسام الشالجي
22 ايلول 2019