اخر المواضيع في المدونة

الجمعة، 8 يونيو 2018

رحيل الأذاعي المصري أحمد سعيد مدير أذاعة صوت العرب من القاهرة - كلمة بحق هذا الرجل

لا اريد ان ادافع بمقالتي هذه عن النظام المصري ايام حكم الرئيس جمال عبد الناصر , ولا عن احمد سعيد مدير اذاعة صوت العرب من القاهرة لاني اعرف مقادر الأذى الذي اقترفه ذلك النظام بحق الكثير من الدول العربية ومدى الضرر الذي سببته حرب الاذاعات العربية التي كان يديرها احمد سعيد على التوافق العربي والانظمة التي كانت مخلصة لبلدانها لكنها كانت في نظر النظام المصري انظمة خائنة وعميلة للاستعمار . اولا يجب ان نعرف بان احمد سعيد كان جزء لا يتجزأ من تركيبة النظام المصري ولم يكن ابدا في يوم من الايام يغرد خارج سربه بل كان معبر حقيقي عن كل افكار ذلك النظام وارائه وتطلعاته ، وهو حين كان يسلط سيف لسانه على انظمة يعتبرها معادية لم يكن ابدا غير ناقل لوجهات نظر نظامه لتلك الأنظمة . لم يكن هناك بالساحة من يجاريه بقدراته او يستطيع ان يجابهه ويفند طروحاته لذلك ظل يستأسد ويتمادى في حروبه الكلامية والاعلامية حتى اصبح بحق سيدا لساحة المنازلات الاذاعية والاعلامية العربية . ترى هل كان هذا فقط أت من شطارة هذا الرجل ام ان المعركة كانت موجهة بهذا الشكل من قبل قوى أكبر ، وان الطبخات التي كانت تعد في المطبخ الغربي تقتضي ان تكون موادها الاولية بهذا الشكل . لطالما سألت نفسي عن سبب تسيد احمد سعيد للمعارك الاذاعية ولماذا كانت اذاعات القاهرة تشعل السماء نارا فوق رؤوس انظمة عربية لم تكن بالواقع بتلك الدرجة من السوء والخيانة كما يدعى ؟ ولماذا لم يكن لدى تلك الانظمة القدرة على شن حرب مضادة ؟ او على الاقل الدفاع عن نفسها وليس شن هجومات مقابلة . والان وبعد ان تقدم بنا العمر فهمنا ، وربما فهم أحمد سعيد ايضا قبل رحيله بان البوصلة كانت موجهة بهذا الاتجاه وان اي مغنطة اخرى يمكن ان تحرف وجهة تلك البوصلة عن إتجاهها كان غير مقدرا لها ان تكون موجودة باي شكل من الاشكال . وبالنهاية كلنا راينا الانظمة التي كانت مقصودة لان تسقط بالرؤية الغربية نتيجة لهذه الحملة كيف تساقطت كما تتساقط أحجار الدومينو ولم يتبقى منها الا الانظمة التي تعتبر جزء من الامن القومي الغربي والاسرائيلي . أن من المجحف إعتبار النظام المصري في تلك الايام نظاما فارغا أو فاشلا وأن شعاراته كانت جوفاء بل كان نظاما ممتلئا بكل معنى الكلمة . فلو نطرنا الى المؤسسات الصناعية والاقتصادية التي شيدها ذلك النظام لما وجدنا لها نظيرا في اي دولة من دول المنطقة . لقد كانت مصر تنتج كل شيء ولا يغيب عن ذاكرتنا بالستينات المئات من باصات (نصر) التي ملئت شوارع بغداد كمثل بسيط على المدى الذي وصلته قدرات مصر . لم يكن المصريين في ذلك الوقت يغادرون بلدهم ليذهبوا للخارج للعمل باعمال لا توصف بغير كونها اعمال تسولية ، بل بالعكس كانت مصر تستقبل الوافدين وتمنح الطلبة العرب فرصا للدراسة فيها مجانا مع رواتب وسكن مجاني ، كما كانت تستقبل اللاجئين من كل الدول العربية وتوفر لهم العمل والسكن والاقامة اللائقة . لم تكن مصر مديونة لاي دولة بالعالم بل كانت تمنح المعونات للدول المحتاجة وتقدم المساعدات للدول الصديقة وكانت كل التزاماتها المالية توفى اولا باول . وفي المجال العسكري كان الجيش المصري متفوق على الجيش الاسرائيلي بكل صنوف الاسلحة وكان تعداده المليوني لا يضاهيه اي جيش بالمنطقة . الشيء الوحيد الذي كان سائدا في مصر وبقيادة النظام بوقتها هو الخونة والمسؤولين الفاشلين والذين كانوا دائما ما يوجهون الدفة باتجاه الخسارة والفشل . لو نظرنا الى اسباب الهزيمة بحرب حزيران عام ١٩٦٧ لما وجدنا فيها ابدا ما يشير الى ضعف بالقوة او خلل بالتسليح او نقص بالشجاعة بل كل المؤشرات كانت تشير الى تفشي الخيانة وضعف القيادة وسوء الاداء . لذلك اقول ان احمد سعيد الذي القي النظام على عاتقه جانب من مسببات الهزيمة لم يكن ابدا كذلك على ضوء المؤشرات التي كانت متوفرة بيده . لم يكن حماسه واندفاعه الكبير في وصف العمليات العسكرية من كرسيه في اذاعة صوت العرب أتية من فراغ وإنها مجرد خيال ذهني وتصور فاشل وانما كان كل كلامه مبني على حسابات مادية بحتة معروفة لديه لكن لم يكن من ضمنها وداخل فحواها معرفة حقيقية بحجم الخيانة ومدى فشل القادة الموجودين في السلطة والذي لم يكن يتصوره ويخطر على باله . لم يكن احمد سعيد وحيدا بهذا التصور بل كان يشترك معه كل مواطن عربي من الخليج الى المحيط ، فكل واحد منا كان ينتظر في كل لحظة من ايام الحرب ان يسمع خبر دخول الجيش المصري لتل ابيب . نفس الشيء كان يدور بعقل احمد سعيد ، لذلك ظل يخوض وحده حربا تصورها في مخيلته وراح ينقلها للاخرين على ضوء غياب المعلومات الواردة من الجبهة . لو انتصرت مصر بتلك الحرب لكان احمد سعيد احد ابطالها ولكان قد بني له تمثال ووضع في احد ساحات القاهرة ، لكن شاء القدر ان تخسر مصر تلك الحرب ويصبح احمد سعيد احد مسبباتها وضحاياها . واليوم وبعد ان غادرنا أحمد سعيد عدنا نتذكر وندرك حجم العالم الوهمي الذي عيشنا فيه هذا الرجل لكني أقول وربما يشاركني البعض في القول بان ذلك العالم كان يشعرنا بالرغم من كل زيفه بشيء من الزهو العربي والفخر حتى وان كان بالخيال وهو شيء لم نحسس به ابدا بعدها طوال العمر الذي قضيناه ، وربما يكفي هذا بان نعطي بعض الفضل لهذا الرجل الذي شئنا ام ابينا قد اصبح جزء من التاريخ العربي في النصف الثاني من القرن العشرين . رحم الله ألاذاعي القدير أحمد سعيد .

أحمد سعيد أمام ميكروفون اذاعة صوت العرب

احمد سعيد مدير اذاعة صوت العرب

 احمد سعيد اواخر ايامه

 وسام الشالجي