اخر المواضيع في المدونة

الثلاثاء، 22 مايو 2018

الحراك الملكي في العراق بعد إنتخابات عام 2018

أثبتت الأنتخابات الاخيرة التي جرت في 12 مايس (أيار) 2018 في العراق بشكل حاسم لا لبس فيه بان الشعب العراقي لم يصبح لحد الساعة بالوعي والإدراك المطلوب ليكون هو من يقرر من يحكمه وكيف يجب ان يٌحكم بدليل هذا التنوع الهائل في عدد التجمعات والاحزاب السياسية التي نزلت الى الانتخابات والتي لا تشكل الوطنية في بنيانها أي وجود حقيقي بقدر ما يوجد في مناهجها وحراكها من سعي حثيث لضمان للمصالح الذاتية او العمل من أجل مصالح الغير . والدليل الاخر على عدم وعي الشعب العراقي في نوعية الاختيار لمن هو مخلص وقادر على ان يَحكمه بعدل وإنصاف هو هذا التشظي الكبير في عدد الاصوات التي حصلت عليها كل مجموعة او تنظيم سياسي في هذه الانتخابات . لقد كانت نتائج الأنتخابات في الدورات الثلاث الماضية اكثر وضوحا واكثر انسجاما مع الواقع على الساحة أذ كان عدد الاصوات التي حصلت عليها الكتلة الفائزة يمكنها من الحصول على الاغلبية البسيطة في البرلمان بمجرد تحالفها مع كتلة أخرى . أما في إنتخابات هذا العام فقد كانت لا تمثل غير تيه وضياع يدلل على ان العملية السياسية التي حكمت طوال الخمس عشرة سنة الماضية كانت مستمرة في شرذمة مكونات وجماهير الشعب العراقي بإستمرار دافعة أياهم الى متاهات مظلمة كلما بقيت بالسلطة لمزيد من الوقت . فبينما كان الشعب يتطلع الى حصول تغيير حقيقي في السلطة نراه حصد بهذه الانتخابات ضياعا كبيرا تمثل في عدم حصول اي كتلة سياسية على عدد كبير من الاصوات مما سيجعل الحكومة القادمة غير قابلة على الظهور الا بعد حصول تحالف لما يقل عن أربع كتل هي حتما غير منسجمة وغير متوافقة مما سيجعل من أداء الحكومة المنبثقة كارثيا يفوق بوضعه كل الكوارث التي حدثت في العراق بالماضي .
 

واذا كانت الحركة الملكية في العراق وعلى رأسها الشريف علي بن الحسين لم تحصد شيئا لا في هذه الانتخابات ولا في ما سبقها من قبل فان ذلك يعود حتما الى خلل فيها لانها لم تجعل من نفسها حركة قابلة للاندماج مع الجماهير في يوم من الايام ولم تقدر على استقطابهم باي شكل من الأشكال . لقد ظلت الحركة الملكية مسجونة في عرين ماضيها ومحبوسة في زوايا شارع المتنبي متصورة بانها يمكن ان تحصل على موطيء قدم بالشارع العراقي حين تلتقي ويجتمع أعضائها كل فترة حيث تتبادل الأحاديث وتتغنى بأفضال الملكية على العراق وزهو عصرها , ثم يذهب بعد كل لقاء كل واحد من نشطائها الى بيته وهو يظن بان الملكية قد اصبحت قاب قوسين أو ادني من العودة للعراق . وحين تحين الساعة الجدية ويصبح لزاما على أي واحد من هؤلاء تسجيل موقف معين , أما عن طريق التبرع بمبلغ ما لصالح الحركة او إنتخاب شخصية هي مرشحة عن الحراك الملكي في الانتخابات لا ترى تلك الجموع ألا وقد عادت الى اعشاشها مفضلة الانزواء والتفرج على ما يجري عن بعد . ولو جمعنا عدد اعضاء المجموعات ذات النفس الملكي بالفيسبوك لحصلنا على عدة عشرات من الالوف , بينما لو جمعنا عدد اصوات ما ناله اي مرشح ملكي بالانتخابات الأخيرة لما حصلنا على رقم يمكن ان يحترم يزيد عن عدة مئات . اين اذن ذهبت أصوات تلك الالوف المؤلفة ؟ وهل يا ترى فضل هؤلاء مقاطعة التصويت اعتقادا منهم ان مثل هذه المقاطعة يمكن ان تؤدي الى نتيجة وحصول معجزة تغييرية . أن هذا يؤشر بالتأكيد على وجود خلل كبير بهذه الحركة بما يجعل من الضروري ان تعيد النظر بنفسها مبتدئة بتشريح اجزائها وبتر الاجزاء المريضة ومن ثم إعادة لملمة الاجزاء الصحيحة وبنائها من جديد وإنتاج قوام وبدن ينسجم مع الواقع ومع الزمن . ان الحركة الملكية بالعراق بحاجة الى شخص مثل (مهاتير) في ماليزيا او مثل (اردوغان) في تركيا الذي استطاع كل منهما ان يعبيء الجماهير خلفه ويجعلها متطلعة لعودة امجاد بلادها السابقة . ان وصول اردوغان الى الحكم على سبيل المثال لم يكن من خلال المناداة باعادة احياء الدولة العثمانية بل من خلال طرح برنامج سياسي واصلاحي بأطار ديني يتوافق مع تطلعات الجماهير فالتفت كلها حوله ودعمته وساندته الى ابعد الحدود . وبعد وصوله للسلطة حقام بتطبيق تلك الاصلاحات ونجح نجاحا باهرا في تحويل تركيا الى الدولة الاولى بالمنطقة في كل شيء فكسب المنازلات جولة بعد اخرى . وما أن حقق أردوغان هذا حتى رايناه يبعث بحركة مدروسة في نفوس الجماهير أمجاد الدولة العثمانية ويحاول بعثها من جديد في يعيون الاتراك فاخذوا يتغنون بتلك الامجاد ويحلمون بعودتها الى أرض الواقع . نحن بحاجة الى ان يحدث نفس الشيء بالعراق فيما يتعلق بالحراك الملكي وان يتبع نفس هذا الاسلوب . لقد أصبح لزاما ان يتم اجراء تغيير جذري في قوام الحركة الملكية وتحويلها الى حزب او تنظيم سياسي ترفع منه كلمة (الملكية) بينما يحتفظ بروحها فيه فقط ليحل محلها برنامج سياسي اصلاحي يمكن ان يستقطب الجماهير ويتناغم مع مشاعرها . يمكن الاستعاضة في تسمية مثل هذا التنظيم عن كلمة (الملكي) بكلمة (الهاشمي) التي هي ذات دلالة دينية وسياسية يمكن ان تتناغم مع فكر وتطلعات شعبنا العراقي الدينية . ولكي ينجح مثل هذا الحزب او التنظيم ويصعد يجب ان يتغلغل بين افراد الشعب ويتكلم مع كل مواطن وجها لوجه وينزل الى ادنى شرائح المجتمع فيأكل مع الجائع ويشرب مع الفقير ويجلس مع الأمي ويتجمع مع المتظاهرين وينظر لافكاره في اصدارات يمكن ان يبثها في كل مجال ومن خلال كل ما ممكن من اساليب اعلامية متاحة . ان مثل هذا الحزب هو ما ينقص الشارع العراقي الان وهو ما ينتظره العامة بلهفة وإنتظار . وبمجرد ان تبذر بذرة مثل هذا التنظيم وتأخذ نبتته بالنمو الا وستلتف الجماهير حوله . الطريق سيكون طويلا بالتأكيد وقد يستغرق عشرين او ثلاثين عاما لكنه سيوصل من هو قادر على ان يصبح أردوغان او مهاتير العراق في نهاية المطاف . وبعد ان يصل مثل هذا القائد الى السلطة يمكنه عندها ان يعيد رسم نظرة الجماهير الى الملكية ويجملها في نظر الناس ويطرحها كبرنامج قابل للتحقق وينظمها بأستفتاء , فان نجحت فسيكون الشعب هو الذي اختارها , وان لم تنجح فلنساها الى الابد .

وسام الشالجي
19 مايس 2018