الحب هو خيوط رقيقة ودقيقة تغزلها الروح من مادة مقدسة تتولد داخل
النفس حين تطغى على أحاسيسها مشاعر الحاجة لصحبة أو رفقة تطفيء ما فيها من
شوق يلتهب . والمحبة تنشأ وتترعرع وتنمو حين تنبعث تلك الخيوط من قلب
الانسان بكل اتجاه حاملة مشاعر الهوى لتنسج من حوله هالة منيرة تتألق
بأضواء جميلة تلونها الجاذبية التي تشع منه وتزينها الميول التي تنساب منه .
والحب يتجسد حين تمضي المشاعر في دروبها نحو وجهات لم يجري أختيارها كما
يشق الماء العذب سواقيه بين المراعي بعشوائية
تصنعها الارض بجاذبيتها . عندها لن تتأخر الأقدار طويلا في تلبية ندائات
العاطفة وستضع في طريق الانسان حبيبا يكمل حاجاته كما تنعش قطرات الندى
اوراق الورد في الصباحات الباكرة . وحين تجد الحاجة منشودها تمتزج روح
المحب بروح الحبيب حتى يغدو هذا جزء من ذاك , وذاك جزء من هذا .
والحب هو ايضا هوى الحبيب وذكره في كل لحظة من عمر الزمان والترنم بأسمه
على الدوام . والحب هو الاشتياق الجارف لرؤية الحبيب وظمأ العين للتطلع الى
وجهه , الظمأ الذي لا تطفئه رؤية ولا تشبعه رشفة ولا تسكته لمسة . والحب
هو سهر الليالي في ذكر الحبيب والهيام بصورته والتغني بجماله ومفاتنه دون
أي من البشر . والحب هو الشعور وكأن ابصار الحبيب واسماعه لا تغيب عن المحب
فيغدوا حاضرا بكل لحظة بالرغم من غيابه وموجودا على الدوام بالرغم من بعده
. والحب هو تحسس الجمال بكل شيء وانطلاق الروح من مرابعها الى عالم جميل
من الخيال الساحر . والحب يدوم ويبقى شابا طالما ظل يسقى من بئر الاخلاص
لما في مائه من أكسير سحري يديم النشاط ويبعث الحيوية .
وكما تخلق
الاقدار الحب في داخل المرء فانها يمكن بسهولة ان تصيبه بمقتل حين يصير
وسيلة لأرضاء حاجة أنية او قضاء لرغبة عابرة او تلبية لنزوة مؤقتة لان بهذا
سيبان بسرعة ضعف من يحب وسيظهر عجزه ولن يجد بعدها مهما حاول ان يستر
عورته التي كشفت عن نفسها علانية . وللحب نهايتان لا ثالث لهما , اما نجاح
يتكلل بتتويج العاطفة على رأس الاخلاص الذي هو مادته , او فشل يجر ابطاله
الى هاوية سحيقة عمقها بعمق الخيانة التي هي حتما شيطانها . والحب حين تنجح
قصته يتحول الى صورة بديعة كل جزء فيها يتحدث بشموخ عن العناصر التي
توافقت مع بعضها لتكون النجاح الذي نتج عنها . أما حين يتعثر وتخيب قصته
فأنه يصبح ادغم اللون وداكن كقاع فنجان القهوة , وصورته مشوهة كالخطوط
المنتشرة على الجوانب مكونة رقعة مبهمة يصعب فك تلافيفها وفهم دلالاتها .
وما بين نجاح الحب وفشله جدار رقيق لكنه قوي وفاصل يشكل الحد بين عالمين
يمثل احدهما قوة الانسان على مقاومة النزوات التي تأتي في لحظة ضعف خاطفة ,
قوة يمكن ان تكون كبيرة وكافية لتنقل المتحابين الى عالم متألق وشفاف
وصادق , وعالم أخر يمثل وهن الانسان حين يضعف ويسقط في دهاليز الخطيئة
وغياهبها التي تحيط به فتجعله أسيرا بين أذرعها .
وسام الشالجي
14 شباط (فبراير) 2017