سأكتب اليوم بخاطرتي هذه عن الهواية التي
رافقتني طيلة عمري تقريبا , وهي هواية جمع الطوابع وكيف بدأت بها لاول مرة واستمرت
معي الى يومي هذا . حين كنا نعيش بالبصرة بالستينات كنت معتادا على قضاء العطلة
الصيفية كل عام في بيت جدي في بغداد , وفي تلك العطل كنت دؤوبا على زيارة اقاربي
المختلفين وقضاء بعض الاوقات معهم . وفي العطلة التي تلت اكمالي للصف السادس
ابتدلئي صادف ان ذهبت لزيارة دار قريبي الدكتور
(كامل الصفار) الذي هو زوج ابنة عمة والدي رحمهم الله جميعا , والذي يقع قرب أسواق
أبو زهير بالاعظمية . كان للدكتور الصفار ولد واحد من عمري اسمه هيثم , وهو الاصغر
لأهله مع اختين يكبرانه بالعمر . ولكونه الولد الوحيد والاصغر للأسرة كان هيثم
ولدا مدللا وكانت جميع طلباته مستجابة , خصوصا وان والده كان طبيبا ناجحا وميسورا
. كنت احب زيارة صديقي هيثم كثيرا لأنه كان يملك كل ما يستهويه الاولاد من لعب
وكتب ومجلات وغيرها من الاشياء التي تشتهيها وتتوق اليها نفسي ولم أكن املكها ,
وكان يتفاخر بأن يريني كل ما يملكه في كل مرة ازوره فيها . وفي تلك الزيارة اخبرني
هيثم بانه صار يهوى جمع الطوابع البريدية منذ مدة وقد جمع مجموعة جيدة منها وقام
بأطلاعي على مجموعته من الطوابع حيث أراني عدة ألبومات . ومن بين ما أراني في
مجموعته بعض السيتات العثمانية والتي قال لي عنها بانها نادرة جدا وغالية الثمن
وهو يعتز بها كثيرا . اصابني الذهول والأعجاب الشديد حين رأيت مجموعته من الطوابع
ودبت في نفسي الغيرة الشديدة وقررت ان اصير مثله هاوي لجمع الطوابع . طبعا لم يكن
بمقدوري ان امتلك ما كان يمتلكه لكني على الاقل قررت ان ابدأ ولو بخطوة صغيرة وأشتري
البوم وأبدأ بجمع ما يتيسر لي من الطوابع . كانت مكتبة الصباح تقع قريبا من بيت
جدي , وكان صاحبها يبيع الطوابع البريدية للهواة بشكل مظاريف يحتوي كل مظروف على
سيت من الطوابع المختلفة , كما كان يبيع الالبومات الخاصة بالطوابع . وبعد جهد جهيد استطعت تدبير مبلغ بحدود النصف دينار وذهبت لتلك المكتبة واشتريت
البوم صغير وبعض مظاريف الطوابع . وحين عدت للبيت قضيت وقتا جميلا في ترتيب
السيتات التي اشتريتها في ذلك الالبوم الصغير , وبعد ان انتهيت انتابتني سعادة
غامرة ونشوة لا توصف لاني شعرت باني اصبحت اخيرا امتلك شيئا خاصا بي واني يمكن ان
أريه لصاحبي هيثم بكل فخر . وبالفعل ذهبت لبيت صديقي هيثم في اليوم التالي وسرت
بالطريق الى داره وانا اتمخطر حاملا بفرح البومي الصغير . وحين وصلت الى داره
وأريته مجموعتي الصغيرة وكلي زهو وأفتخار راح يضحك علي وعلى مجموعتي ويستهزأ من
صغرها وتفاهتها مقارنة بمجموعته التي تضم البومات كبيرة عديدة فيها مئات الطوابع ,
خصوصا سيتاته العثمانية التي لم ينفك يفاخرني بها . انتابني الغيظ الشديد ولكني
كظمت غضبي وقضيت معه بعض الوقت ثم فارقته وانا متألم جدا من الموقف الذي مرً بي ,
ومن تلك الحادثة صممت مع نفسي بان اصبح هاوي طوابع معتبر وان اجمع اكبر قدر منها .
عدت الى البصرة وعلم والدي بهوايتي الجديدة
وشجعني عليها وصار يأتيني يوميا بطوابع يقصها من الظروف التي تصله في مقر عمله
وأخذت مجموعتي تكبر وتتنوع مع الوقت . وفي احدى امسيات الشتاء اتفقت مع جاري (عامر
عبد المسيح عمسو) بأن نذهب معا الى العشار بالباص حيث يوجد محل لبيع الطوابع في
سوق حنا الشيخ اسمه (انترانيك) , واعطاني والدي مبلغ ربع دينار اشتريت به بعض
السيتات . كانت تلك المناسبة اول مرة ادخل فيها لمحل مختص ببيع الطوابع وكم اعجبت
بالمحل وصاحبه وبقيت اتردد عليه لسنوات بعدها , وكنت احرص على زيارته في كل مرة
أذهب فيها للبصرة بعد انتقالنا لبغداد . كما اكتشفت لاحقا محل اخر يبيع الطوابع في
البصرة يقع الى جانب أعدادية العشار بالشارع الذي يصل بين شارع الوطن وساحة
الفراهيدي , وصرت اذهب اليه بطريق عودتي للبيت من متوسطة التحرير كلما وفرت من
مصروفي شيئا لاشتري منه بعض الطوابع . وفي تلك السنة صادف ان ذهب والدي بأيفاد الى
لندن وقضى هناك مدة من الوقت , وكم افرحني حين عاد وجلب لي هدية عبارة عن مظروف
كبير فيه مجموعة من الطوابع وملقط ومكبرة وبعض اللوازم الخاصة بهذه الهواية ,
وكانت تلك بحق اجمل هدية استلمتها من والدي رحمه الله طيلة حياتي . وفي العطلة
التالية قمت بزيارة محل (عالم الطوابع) في شارع المتنبي ببغداد , وكان بالفعل عالم
رهيب من الطوابع , وقد اشتريت منه بعض السيتات .
كبرت مجموعتي من الطوابع في السنوات اللاحقة
وتطورت وكثرت الالبومات التي امتلكها . في العطلة الصيفية بين الصف الرابع والخامس
اعدادي زارنا في بغداد قريبي من البصرة (جواد كاظم) , وقد دعاني لمرافقته الى
البصرة عند عودته . فرحت كثيرا بهذه الدعوة , ولكي اتدبر المبلغ الذي ساحتاجه
للسفرة قررت بيع مجموعتي من الطوابع مع اني كنت اعزها كثيرا , لكن شوقي للبصرة كان
كبيرا بحيث جعلني مستعدا للتفريط بمجموعتي . اخذنا المجموعة انا وأياه وذهبنا الى
شارع الرشيد في المنطقة المقابلة لسوق الغريري حيث كان هناك محل لبيع الطوابع .
عرضت على صاحب المحل مجموعتي فقلبها بسرعة ثم قدر سعرها بمبلغ 4 دنانير . صعقت من
هذا السعر لاني كنت قد انفقت على المجموعة اضعاف واضعاف هذا المبلغ . وحين احتجيت
على المبلغ قال لي بان اغلب طوابعي هي سيتات مستعملة لدول متفرقة ولذلك فان قيمتها
تكاد لا تساوي شيئا . طبعا قررت عدم بيع المجموعة والغيت فكرة السفر الى البصرة ,
لكني عرفت من هذا الواقعة بان اسلوبي بجمع الطوابع كان خاطئا وقررت ان اعيد النظر
بالطريقة التي اتبعها .
في السنوات اللاحقة ضعف اقبالي على ممارسة
الهواية وقل اهتمامي بها , وحين دخلت للكلية توقفت تقريبا عن جمع وشراء اي طوابع
جديدة ولمدة جاوزت العشرين عاما . وفي اواسط التسعينات صحت عندي فجأة الرغبة وعاد
الي الاهتمام بهذه الهواية من جديد . كانت اغلب طوابع مجموعتي القديمة قد ضاعت
وتفرقت وفقدت البوماتها , لكني لم اندم على فقدانها لان كلام بائع الطوابع في شارع
الرشيد كان لايزال يتردد في أذني . بدأت من جديد بمارسة الهواية لكن بشكل مختلف
هذه المرة , فقد قررت من البداية بان اصبح هذه المرة هاوي محترف وان اجمع مجموعات
كاملة لدول معينة , وقد اخترت لهذا الغرض العراق ومصر . كما صرت اجمع الطوابع
المنت , دون ان اهمل طبعا جمع الطوابع المستعملة ايضا . ومنذ ذلك الوقت حتى الان
جمعت ألاف الطوابع الثمينة وصار عندي عشرات الالبومات الضخمة . وقد استطعت بفضل
الله اكمال المجموعة العراقية تماما , وربما اكون الان من القلائل في العالم ممن
يمتلكون مجموعة الطوابع العراقية المنت الكاملة الصادرة منذ الاحتلال البريطاني
حتى يومنا هذا , باستثناء مجموعة احتلال بغداد التي يكثر بشأنها الجدل . كما صار
عندي ايضا مجموعة شبه كاملة من الطوابع العراقية المستعملة تبلغ نسبة تكاملها
حوالي 95% . اما مجموعتي المصرية فقد ظلت ناقصة ويعود ذلك ربما لاني لا اعيش بمصر
.
وخلال المدة التي جمعت بها طوابعي تعرفت على
معظم تجار الطوابع المشهورين في بغداد مثل الاخ احسان ابو محمد والسيد ابو أيمان
والأخ فليح والاخ فارس والاخ جواد كاظم والاخ قاسم الدراجي والسيد أيمن والاخ أنس
والسيد سعد والسيد احسان والمرحوم خضير والمرحوم الدكتور خالد الجلبي وغيرهم
(اعتذر لاني لا اعرف اسماء ابائهم) , كما كنت احضر بعض مزادات جمعية الطوابع لمدة من
الزمن . كما أسست قبل عدة سنوات مجموعة بالفيسبوك هي (مجموعة هواة جمع الطوابع
والعملات العراقية) التي تضم الان ألاف الاعضاء . كما احب جدا ان اشير هنا
بالعرفان الى صديقين عزيزين هما الاخوين احمد السامرائي وشامل الحيالي اللذان
ساعداني في اكمال مجموعتي العراقية كلما صدرت سيتات جديد منها لكوني اعيش بالغربة
. كما أشكر الاخ احمد لقبوله لادارة مجموعة الفيسبوك معي لعدم تفرغي لادارتها .
احمد الله بان حبب الي هذه الهواية الجميلة
التي هي هواية الملوك والامراء , واحمده ايضا أذ مكنني من جمع مجموعتي الجميلة من
الطوابع التي ينبهر بها كل من يراها .
وفيما يلي صور للصفحات الاولى من مجموعتي العراقية (المنت) التي
اعتبرها اعظم ما انجزته من ممارسة هذه الهواية الرفيعة .
وسام الشالجي
5 أيلول (سبتمبر) 2016