اخر المواضيع في المدونة

الجمعة، 7 أغسطس 2015

انظروا ماذا يفعل شعب مصر واين اصبح العراق

بقلم
وسام الشالجي


منذ فجر التاريخ ظهرت حضارتان تاريخيتان غيرت مجرى الاحداث بالعالم كله هما حضارة بلاد ما بين النهرين والحضارة المصرية في وادي النيل . ومنذ ان وجدت الامة العربية بعد الفتوحات الاسلامية كان للشعبين العربيين اللذين يعيشان في العراق ومصر اكبر التأثير على بقية اجزاء تلك الامة , وما تمركز الخلافة في العراق لقرابة خمسة قرون , وتأسيس دول عظيمة في مصر وتحول القاهرة الى مركز للخلافة الاسلامية بعد بغداد الا امثلة على مقدار الأدوار التي لا يستهان بها التي لعبها كل من العراق ومصر على المسار التاريخي الذي مر بالامة العربية . ولو أخذنا الهجمة التتارية التي اسقطت الخلافة العباسية في بغداد لوجدنا بان تلك الحملة الشرسة لم يوقفها الا ابناء مصر العربية في معركة عين جالوت الكبرى التي انقذت بقية العالم الاسلامي من هؤلاء الغزاة .
وفي العصر الحديث عاد كل من العراق ومصر الى لعب ادوار رئيسية في اعادة النهضة العربية واحياء فكرة القومية العربية واصبحت كل من بغداد والقاهرة مرة اخرى مراكز اشعاع ومنطلق للدعوات التي تنادي بالتحرر من السيطرة الاستعمارية وتحرير البلدان العربية واقامة الحكم الوطني فيها . وبالرغم من حدوث بعض الكبوات التي تمثلت بصعود دكتاتوريات عسكرية الى مراكز الحكم في كل من العراق ومصر وبعض البلدان العربية الاخرى مما أدى الى تراجع الكثير من الافكار الوطنية التي انحرفت عن اتجاهاتها المخلصة واندلاع حروب متعاقبة كثير منها كانت عبثية ومن غير جدوى , الا اننا بقينا نرى بان بغداد والقاهرة كانتا دائما محور الاحداث بالعالم العربي وظلتا المركزان اللذان تتوجه نحوهما انظار كل المواطنين في العالم العربي اثر اي قضية كبرى تمر به .
غير ان الحال تغير منذ عام 2003 بعد سقوط العراق كدولة مما أدى الى خروجه من موقع التأثير المباشر على الاحداث بالمنطقة واتاح الفرصة للتغلغل الاجنبي بهذه الدولة واشاع التخلف الفكري والاجتماعي فيه واسقط كل المنجزات الحضارية التي تأسست فيه على مدى ثمانين عام . ليس هذا فقط بل تحول العراق بعد ذلك التاريخ من موقع التأثير الايجابي على جيرانه الى مركز ومنبع للتطرف والتزمت الديني وبؤرة للفرقة والتناحر الطائفي وحاضنة لتوليد للارهاب الذي اصبح ينتشر من ارضه الى بقية بلدان المنطقة بدعم مباشر من دول اجنبية اقليمية ودولية . وبالفعل لحقت بالعراق كل من ليبيا وسوريا واليمن كدول عمت بها الفوضى والحروب الاهلية الداخلية , وكان يمكن ان تنضم اليها مصر لولا حكمة شعبها وقادتها ووطنية جيشها الذين هبوا جميعا كرجل واحد وقف ضد التزمت الديني وتصدى لموجة الارهاب التي عصفت في المنطقة منطلقة من العراق .

واليوم نرى مصر العظيمة تمضي قدما في كل ميادين التطور وتفتتح مشروعها الضخم في انشاء قناة السويس الجديدة الذي سيدر عليها موارد اضافية يمكن ان تستخدم بالتنمية ومحاربة الفقر واشاعة الرخاء بالبلد , بينما نرى كمثال مشابه بان العراق مخنوق من جميع منافذه البحرية وعجز حتى عن تنظيف المجرى الملاحي بنهر شط العرب الذي توقف امام عبور السفن التجارية الى ميناء المعقل منذ اندلاع الحرب العراقية الايرانية . وفي الوقت الذي تقوم فيه مصر بتطوير موانئها على البحر الابيض المتوسط والبحر الاحمر وتوسعها بالرغم من محدودية الامكانيات المصرية وتواضع مواردها نجد ان العراق عجر بعد ان امتلك ميزانيات خرافية خلال العشر سنوات الاخيرة عن بناء اي ميناء كبير على الخليج العربي وظل مشروع ميناء الفاو الكبير مجرد مجموعة من الاوراق والخرائط في دوسيهات المكاتب والمسؤولين . وفي الوقت الذي تقوم مصر بتوسيع مشاريعها الحضارية في بناء العشرات من المشاريع السكنية وتطوير خطوط السكك الحديدية واضافة خطوط جديدة للمترو نجد ان العراق عجز عن مجرد توفير الكهرباء والماء الصالح للشرب لمواطنيه وهي اولى المشاريع التي يجب ان تتوفر في اي بلد يريد ان يصبح فعلا (دولة) بين دول العالم . وفي الوقت الذي تتطور فيه مصر بكل الميادين العلمية والادبية والفنية وتضيف كل فترة شخصية من شخصياتها لتنال احدى جوائز نوبل نجد ان العراق اصبح بؤرة للتخلف بكل شيء بما في ذلك انحطاط التعليم وتدني الروح الوطنية الى ادنى المستويات وتفشي الافكار المتخلفة والبائدة وتراجع الحياة الاجتماعية الى مستوى حياة القرون الوسطى . وفي الوقت الذي يعتز المصريون ببلدهم ويفخرون كل الفخر به ويحول من يعمل منهم بالخارج مليارات الدولارات الى بلدهم سنويا ورجوعهم اليه مهما طالت سنوات بعدهم عنه كعلامة على وطنيتهم وعدم تفريطهم ببلدهم نجد سياسي الصدفة في العراق ومقاولي المحاصصة والمحسوبية يحولون الى الخارج مليارات الدولارات المسروقة من موارد الدولة بينما تدفع السياسات الطائفية والفاسدة الى هجرة الملايين من بلدهم اضطرارا او طواعية , ووقوف الالوف بطوابير طويلة امام السفارات الاجنبية للحصول على فيزا دخول , وتجمع عشرات الالوف حول مكاتب الهجرة واللجوء العائدة للمنظمات الدولية للحصول على اي موطيء قدم هروبا من جحيم البلد الذين يعيشون فيه .
هذه امثلة بسيطة لما يحصل الان بالعراق وما يحصل مقابله في مصر , وهي تدفع الى التساؤل : أما أن الأوان لان يعود العراق لتحمل دوره كدولة ذات تأثير مركزي في المنطقة مثلما كان بالماضي مع مصر ؟ ألم يحن الوقت لان نقطع دابر التدخل الاجنبي بالبلد وتكون مواقف العراق نابعة فقط من مصالحه السياسية ومصالح شعبه ؟ الا يكفي ما سرق من اموال الشعب وان تسخر اموال هذا البلد لتنميته ورفع الفقر والبؤس والشقاء عن شعبه ؟ الا يجب محاسبة السارقين والمقصرين الذين عبثوا باموال هذا الشعب واضروا بمقدرات شعبه ؟ الا يجب ان يصبح العراق مرة اخرى مثلما هي مصر الان , بلد ذو مشاريع عملاقة وتنمية انفجارية وأن يرتفع اسمه عاليا مثلما كان في الماضي ؟    

7 أب ( اغسطس) 2015