بقلم وسام الشالجي
تناولنا
في الجزء الاول من هذا المقال الاسباب التي ادت لان يكره عراقيو الداخل عراقيي
الخارج , وسنتناول بهذه الحلقة النتائج التي تمخضت عن هذا الكره .
يجب
ان نعرف بان الحب والكره هما مشاعر انسانية تنبع بعض منها من داخل النفس ويأتي قسم
اخر منها من المحيط الذي يعيش فيه المرء . ان ما ينبع من داخل النفس غالبا ما
يرتبط بعاطفة الحب لانه يأتي على الاغلب من تفاعلات كيميائية تجري في الجسم تجعل
الانسان يميل وينجذب الى هذا الشخص دون غيره . اما ما يسبب مشاعر الكره تجاه شخص معين
فهو على الاغلب انعكاس لمجريات الاحداث في المحيط من احوال وتصرفات لان اكثر ما
يخلق الكره ينبع من مشاعر الغيرة والحسد التي تتحول بالاخر الى حقد وكره . وفي
الحلقة الاولى من هذا المقال وجدنا بان بعض اسباب كره عراقيو الداخل لعراقيي
الخارج أت من مشاعر الغيرة والحسد تجاههم , وهذه حقيقة لا خلاف فيها . وقد بينا
ايضا في تلك الحلقة بان الكثير من الاسس التي يبنى عليها الكره لهذا السبب مغلوطة
لانها اتية من تصور خيالي يشعر من خلاله العراقي بان قرينه الموجود بالخارج يعيش
بالجنة بينما هو يعيش في النار . لقد كتبت مقالا سابقا ناقشت فيه هذه الحقيقة وبينت
فيه بان هذا الامر خاطيء جدا لان الكثير من العراقيين الساكنين بالخارج يعيشون في
ظل صعوبات جمة , منها مادية كصعوبة ايجاد فرص عمل لائقة وقلة المدخولات وتواضع
الاعانات , ومنها معنوية كمصاعب اللغة وعدم القدرة على التأقلم مع المجتمعات
الجديدة والحنين للوطن وغيرها . المهم في هذا الامر ان هذا الكره او الحقد اخذت تفرز
عنه نتائج سيئة لتجسد مواقف مؤذية قام بها عراقيو الداخل تجاه عراقيي الخارج .
واحدة من هذه المواقف تتمثل باستباحة ما تركه المواطنين الذين غادروا الوطن من اموال
وممتلكات . ان هذه الحالة تجسد واقعيا واحدة من الصفات العراقية السلبية التي
طرحتها سابقا في دراستي (خصائص الشخصية العراقية بين السلب والايجاب) , تلك هي –
استباحة المال العام والسائب .
في
اواخر الثمانينات , وكتعبير عن سخط الحكومة العراقية تجاه مواطنيها الذي غادروا
الوطن سواء طواعية او مرغمين واختاروا الاستقرار في دول اخرى , اصدرت الحكومة
العراقية قرارا يحرم العراقي الحامل لجنسية دولة اخرى من حقوقه في اي تركة وراثية تنتقل
اليه لانه يعتبر رسميا امام الدولة بمثابة المتوفي , وان كل امواله وممتلكاته يمكن
معاملتها على هذا الاساس . لم تكن لهذا القرار الغريب اي سابقة مماثلة في اي دولة
من دول العالم لانه يعتبر انتهاك لواحدة من اهم حقوق الانسان وهي حقه في ماله
وممتلكاته . ولو اخذنا بنظر الاعتبار بان العراقيين الذين كانوا في الخارج بذلك
الوقت كانوا من المسيحيين المهاجرين والسياسيين المعارضين ومن جرى ابعادهم عن
العراق بحجة التبعية الايرانية لفهمنا القصد الذي كانت الحكومة تبيته في نفسها حين
اصدرت ذلك القرار . ان من الواضح بان الدولة كانت تريد ان تسلط نوع من الضغوط على السياسيين
المعارضين لاجبارهم على العودة الى الوطن ليكونوا تحت سيطرتها , وكذلك لأيجاد
تصريف شرعي لما قامت به من مصادرة لاموال وممتلكات المرحلين من التبعية الايرانية .
هذا ما كان في نفس الحكومة , لكن للاسف فأن الكثيرين من المواطنين العراقيين
استغلوا هذا القرار لمصلحتهم الخاصة , فقد اخذ البعض يبلغون السلطات الرسمية عن
اقربائهم الذين يعيشون بالخارج من حاملي الجنسيات الاجنبية لكي يقوموا بالسيطرة
على ممتلكاتهم والموروثات التي تؤول اليهم . ومع ان بعض العراقيين استنكفوا من فعل
مثل هذا الامر عرفانا منهم بأحقية هؤلاء باموالهم وتركاتهم , لكن كثيرين عملوا ذلك
بسبق اصرار وتعمد لا لشيء الا لغرض الاستفادة المادية .
هذا
من ناحية , من ناحية اخرى فان الكثير من العراقيين الذين هاجروا الى الخارج تركوا اموالهم
وممتلكاتهم ورائهم داخل الوطن , اما لانهم لم يجدوا فرصة بالتصرف بها قبل مغادرتهم
, او انهم لم يكونوا راغبين بعمل ذلك متأملين بالعودة قريبا الى الوطن . وقد قام
بعض هؤلاء بعمل وكالات خاصة وعامة لبعض اقربائهم للتحكم بهذه الاموال والممتلكات ,
بينما تركها البعض الاخر دون فعل اي شيء بصددها . وبعد ان طالت الغيبة واستقر
الكثير من المغادرين في بلدان اخرى اخذ بعض اصحاب النفوس السيئة يتصرف بالاموال
والممتلكات الموجودة بعهدتهم مستغلين الوكالات المعمولة لهم بطرق استغلالية لا تنم
عن اي مظاهر احترام هذه الامانات وصونها . ان هذه المواقف شائعة جدا الان في
مجتمعنا العراقي وهي تجري ببشاعة واستغلال ليس له مثيل , خصوصا حين يكون من الصعب
على العراقي المغادر العودة الى الوطن لاي سبب من الاسباب وهي تعبر بامانة وصدق عن
صفة استباحة المال السائب الموجودة في داخل نفوس الكثير من العراقيين . اما
الاموال والممتلكات والمصالح المتروكة بدون وكالات او اشخاص مؤتمنين عليها فقد جرى
استغلالها من المؤجرين والمستفيدين منها . لقد توقف الكثير من المؤجرين عن دفع ايجارات
الاملاك التي يقطنونها وسيطروا عليها واخذوا يستغلونها لمصلحتهم , بينما وتوقف
البعض الاخر عن دفع عائدات المصالح التي تحت تصرفهم . لم يتوقف الامر عند هذا الحد
بل ان البعض من هؤلاء اخذ يزور الوكالات ويقوم ببيع الاملاك والمصالح والتصرف بها
بالتعاون مع الموظفين الفاسدين الموجودين بكثرة في العراق . اما اذا اراد احد
العراقيين الموجودين بالخارج بيع احد املاكه بواسطة وكالة يعملها لاحد اقربائه ,
فانه في اغلب الاحوال سيقرأ على معظم ما سيجنيه من هذا البيع السلام . ان اكثر من
نصف سعر البيع يستحوذ عليه الوكيل بمختلف الحجج الواهية , كدفع الضرائب ودفع الرشاوي
لموظفي الدولة لتمشية المعاملات , والصرف على اجور التنقل الباهضة وغير ذلك من الأسباب
التي تبتكر وتدعى بأن الاموال صرفت عليها لا لشيء الا لغرض الاستحواذ على اغلب المبلغ
الذي ياتي من عملية البيع , وفي الاخر لا يدفع لصاحب الملك الا نسبة ضئيلة مما
يستحقه .
ان
الامثلة التي جاءت اعلاه ليست امثلة نابعة من تصور وهمي او انها غير حقيقية , بل
ان الكثير منها واقعية وحصلت فعلا لاناس كثيرين . لقد شاع في العراق للاسف الشديد في عصرنا هذا مبدأ سيء مفاده
بأن اموال وممتلكات كل شخص يعيش بالخارج مباحة للعراقي الموجود بالداخل بأي شكل ممكن
. وقد اخذ الكثير من العراقيين يتصرف وفق هذا المبدأ مع اقربائهم الموجودين
بالخارج دون اي خجل وبعيدا عن مواقف الشهامة والمروءة . لقد سمعت باذني من يقول عن
اخوانهم واقربائهم الموجودين بالخارج (بطرانين ... هم عايشين بالخارج وهم يريدون
فلوس من عدنا) , وكأن اموالهم وممتلكاتهم قد اصبحت ملك الموجودين بالوطن وليس ملكهم
. ان هذا جانب مما اصبح عليه للاسف مجتمعنا العراقي , والغريب ان ابناء شعبنا
يتعجبون لماذا ينزل الله على بلدنا كل هذا الغضب والسخط الذي نعيش فيه بينما يشيع
في مجتمعنا كل ما هو سيء وبعيد عن الخلق وما اقرته الاديان , متناسين قوله تعالى
(ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) . وفي ظل هذه الاوضاع لا أملك ما
اختم به مقالي هذا الا اقتباس الجملة المعهودة لصديقنا الكاتب الكبير كاظم فنجان
الحمامي (الله يستر من الجايات) .