اخر المواضيع في المدونة

الاثنين، 1 أبريل 2013

كيف نعيد ولائية الانسان العراقي للعراق

بقلم - وسام الشالجي
2010

اثبتت السنوات الثمان الماضية بان ولاء الانسان العراقي هو ابعد ما يكون عن الولاء الخالص للوطن , وان عراقية هذا الانسان كتعبير عن الهوية هي امر تائه وضائع وحتى مرفوض احيانا , وان قوتها متذبذة صعودا وهبوطا وانها في اغلب الاحوال اقرب ما تكون الى مستوياتها الدنيا . قد يكون هذا الامر غريبا في بلد كل شيء فيه يربط بشكل او باخر بالوطنية , لكن هذه الحقيقة كثيرا ما تكون زائفة وان الادعاء بها للاسف غالبا ما يكون كلمة حق يراد بها باطل . بالتأكيد ان مثل هذا التصريح لن يعجب الكثيرين وهذا متوقع لان الحقيقة عادة ما تكون مرة يصعب قبولها لدى الاعلان عنها بوضوح وصراحة . يهدف هذا المقال الى طرح الاسس الصحيحة للعودة بالانسان العراقي الى وضع المواطنة الصحيح وسحب ولائه ليكون خالصا للوطن قبل ان يكون موجها الى اي اتجاه اخر .

ان من يطلع على الظروف والاحداث التي مرت على العراق منذ تأسيس الدولة العراقية قبل تسعون عاما لغاية يومنا هذا يلاحظ بشكل واضح ان ولائية الانسان العراقي هي من النوع الفئوي , وانها لم تكن ابدا في يوم من الايام خالصة للوطن بالرغم من كل ادعاء يخالف هذا المفهوم . ان ولاء هذا الانسان كان دائما متجها باتجاه فئته التي قد تكون قومية او عرق او طائفة او عشيرة او حزب , بل حتى ضمن الفئة الواحدة فان الولاءات قد تتعدد حسب طبيعة التقسيم التحتي للفئة . قبل عام 2003 كانت فئوية هذا الولاء مستترة وغير ظاهرة للعيان بسبب الطبيعة الشمولية للانظمة الى حكمت العراق والتي كانت تحاول اخفاء فئوية ولاء التابعين لها وتظهره وكأنه ولاء للوطن , وفي نفس الوقت تحاول سحب كل الولاءات الاخرى باتجاهها بقدر ما كان ذلك ممكنا . لكن بعد ذلك العام ظهرت الولاءات الفئوية الى العلن واسفرت عن وجهها بشكل واضح وصريح ولم يعد من المهم اخفائها او التستر عليها لتغلب صيغة الفئة على صيغة الوطن بقياسات الاهمية . كانت نتائج هذا الوضع سلبية وحتى خطيرة الى درجة جعلت مستقبل العراق كله وبقائه كوطن موحد موضوعا على كف عفريت . ان المشكلة الرئيسية التي ادت الى هذا الوضع هو وجود عقد كبيرة متوارثة موجودة داخل نفسية الانسان العراقي تشعره دائما بان اهمية فئته ومصلحتها هي فوق اهمية ومصلحة الوطن . ليس هذا فقط بل ان بعض الفئات الموجودة في مجتمعنا كانت قد وصلت الى الظن الاكيد والقناعة التامة بان وجود هذا الوطن ككيان واحد كان نفسه بشكل او بأخر يقف بالضد من مصالحها . لذلك وجدنا محاولات افراغ هذا الكيان (الوطن) من محتواه من جهة والتلميح الى الأستعداد لشطره الى كيانات متعددة من جهة اخرى مطروحا للعلن كحلول ممكنة للخروج من الازمات التي يمر بها العراق . ان الدراسة العميقة لهذه الازمات وفهم اسبابها والامور التي تقف ورائها يمكن ان تجعل الباحث يتوصل الى ان الحلول التي تنادي بالتقسيم ليست الا حلول ذات نظرة قصيرة الامد وانها اقرب ما تكون الى اعطاء الالم دواء مسكن بدل من معالجة الداء نفسه . ان من ينادون بهذه الحلول لا يعون بان المشكلة تكمن في الواقع في نفسية الانسان العراقي وطبيعته قبل ان تكون في التقسيم الفئوي للمجتمع العراقي . ان اي تقسيم للوطن الواحد الى كيانات متعددة ذات فئات متفردة قد يتبعه استقرار نسبي وظاهري لفترة قصيرة من الزمن لكن سرعان ما ستظهر لاحقا في هذه الكيانات نفس المشاكل الموجودة في البلد الان بسبب بقاء الامراض الموجودة سابقا دون علاج . هناك مجتمعات كثيرة موجودة في عالمنا تحتوي على تقسيمات فئوية تفوق عشرات وحتى مئات المرات ما موجود في مجتمعنا لكنها مع ذلك تعيش في دول موحدة قوية ومتراصة , وان ولاءات مواطنيها موجهة نحو الوطن الواحد الذي يضمهم قبل ان تكون موجهة نحو مصالح فئاتهم , وخير مثال على ذلك الصين والهند والولايات المتحدة .

علينا ان نعرف ونعي بان الانسان وطبيعته هو افراز للبيئة التي يخلق منها , وان هذا الانسان اذا ربي بطبيعة فئوية مصحوبة بزرع مفاهيم التظلم بداخله فأنه لن ينشأ ابدا انسانا مخلصا لوطنه . ان مشاعر التظلم تأتي حين يكون هناك ظلم من نوع ما تعاني منه الفئة , وان هذه المشاعر عادة ما تزداد حدتها كلما طالت الفترة التي وقع بها الظلم . لذلك فان اول اجراءات تحطيم الفئوية في المجتمع هي في رفع الظلم عن الفئة مهما كان شكله وطبيعته . ان المناداة برفع الظلم عن الفئة لا يعني بالضرورة تحرير الفئة بمعناه التقليدي لان هذا التحرير اذا حصل بصورة مجردة فأنه غالبا ما يكون متبوعا بظلم فئات اخرى وعندها ستعود المشكلة الى تكرار نفسها من جديد لكن من جهة فئات اخرى هذه المرة . ان المقصود برفع المظلومية يعني بصورة مبسطة اطلاق الحرية الكاملة والمطلقة لأي فئة من فئات المجتمع في ممارسة العادات والطقوس والمعتقدات التي تؤمن بها دون ان يؤثر ذلك على حريات الفئات الاخرى . ان مبدأ رفع المظلومية سيحرر الفرد من الايمان بان هناك من يقف بالضد من فئته في مصالحها وممارستها , وهذا بالتالي سيلغي مبدأ الحاجة الى التفرد لاجل اقامة تلك الممارسات واشاعتها بين افراد الفئة . ومن الامور المتعلقة بهذا المبدأ والتي لا يجب اغفالها ابدا هي الابتعاد كليا عن الرغبة في تعميم المعتقدات باي شكل من الاشكال . ان مثل هذا الامر سيدفع بالتأكيد فئات المجتمع نحو الاحتراب , وقد اثبتت الاحداث على مدى حقب التاريخ بان التعميم بالقوة هو من اصعب الاهداف التي يمكن نيلها مهما اريقت من دماء للوصول الى هذا الهدف .
 
المبدأ الثاني والمهم جدا هو اطلاق العدالة التامة والمتساوية لجميع افراد المجتمع . لو نظرنا عميقا الى هذا المبدأ لوجدناه يرتبط بشكل ما بالمبدأ السابق المتعلق بالمظلومية . ان شعور الفرد بان حقوقه غير مكفولة وانه لا يتساوى مع غيره في الأمتيازات والاستحقاقات سيعيد من جديد الشعور بالمظلومية وبالتالي سيعيد مبدأ الحاجة الى التفرد ليسود بين افراد الفئة من جديد . يجب ان يكون كل شيء في المجتمع متاحا للجميع دون تفرقة سواء من ناحية الدين او العرق او القومية او الجنس وحتى العمر سواء في نيل المناصب مهما كانت رفيعة او في نيل اي نوع اخر من الحقوق . وبنفس الطريقة يجب ان تكون واجبات الجميع تجاه الوطن متساوية تماما وان لا يكون هناك ثقل ملقى على فئة ما دون غيرها من الفئات . ان شيوع مثل هذه العدالة يمكن ان يحول البلد الى ساحة سباق شريفة لا يفوز فيها الا الكفوئين والمخلصين مهما كانت طبيعة الفئات التي ينتمون اليها . المبدأ الثالث والذي هو عظيم الاهمية ايضا هو قيام الدولة بشكل منظم بزرع روح المواطنة في نفوس جميع مواطنيها . ان زرع روح المواطنة يمكن يحصل من خلال نوعين من الممارسات تقوم بهما الدولة اولهما يأتي بشكل تعميم مناهج تربوية تدرس للجميع في كل مراحل الدراسة تنمي الشعور بحب الوطن بشكل خالص ومجرد . والثاني هو قيام الدولة باشراك الجميع دون تمييز بالانشطة التي تمجد المناسبات الوطنية وجعل هذه المناسبات ذات اهمية متساوية في نظر جميع فئات المجتمع , والابتعاد نهائيا عن الممارسات التي تعزز الفئوية بأي شكل من الاشكال . وانطلاقا من نفس هذا المبدأ يجب ان تكون رموز الدولة (العلم والشعار والنشيد الوطني) وكذلك مناسباتها الوطنية اما تعبر بشكل عام عن جميع فئات المجتمع بصورة متساوية لكي يشيع بين الجميع حب وتقديس هذه الرموز والمناسبات . او ان تكون هذه الرموز بعيدة كليا عن اي تعبير يشير الى الفئات المختلفة الموجودة في المجتمع وتحمل بدلا من ذلك دلالات تشير الى الوطن الواحد الذي يضم هذه الفئات .
 
المبدأ الاخير في سلم الاهمية هي اشاعة الرفاهية والرخاء بين افراد المجتمع بصورة متساوية . ان تحقيق الرفاهية يجب ان يتم من خلال خطط علمية مدروسة وبرامج معدة بشكل متقن وليس من خلال قرارات تخبطية . لقد قامت الدولة بخطوات ممتازة في هذا المجال من خلال زيادة رواتب الموظفين وتحسين القدرات الشرائية للفرد , الا ان تلك المنجزات ضاعت للاسف وتبخرت وسط التضخم الكبير الذي حصل في السوق والذي اضاع كل المكتسبات التي جناها المواطن . لذلك يجب ان تكون الخطط موضوعة على اسس قوية , ولنا في دولة الامارات العربية خير مثال على وسائل اشاعة الرفاهية بين مواطنيها  .

ان من متطلبات حب الانسان لوطنه هي ان يقدم هذا الوطن لمواطنيه ما يدفعهم الى حبه , وبالتالي الرغبة في البقاء فيه والذود عنه والدفاع عنه الى درجة الاستشهاد . ان بلدا لايقدم الى مواطنيه الا الموت والخوف من المصير المجهول والظلم والمرض والجوع والجهل والتشرد لا يستحق ان يحبه او يبقى فيه احد . ان مثل هذا الوطن يتلائم معه قول (أنج سعد فقد هلك سعيد) , لذلك فان من الطبيعي ان يدفع مثل هذا الوطن مواطنيه الى هجره وتركه بل حتى العمل ضده . وبالعكس من ذلك فان وطنا يقدم لمواطنيه الحياة الكريمة والمستقبل الامن ويوفر لهم العمل اللائق والسكن والتعليم والعلاج من المرض والحماية من الفقر سيجعل هؤلاء يحبونه بشكل لا ينازعه اي حب اخر . ان وطن كهذا ينطبق عليه بالتأكيد قول (ابق سعد فقد نجا سعيد) , وهو حتما سيدفع مواطنيه الى التمسك به كوطن لا بديل عنه والدفاع عنه امام جميع الاخطار التي تحدق به . يمكن لنا ان نتصور كم سيكون مثل هذا الوطن محبوبا في نظر مواطنيه , وكم سيكون شعور المواطنة قويا وراسخا بين ساكني مثل هذه الجنة التي يتساوى بها الجميع دون تفرقة والحريات فيها مكفولة للجميع دون تمييز .
 
مقال منشور عام 2010