اخر المواضيع في المدونة

الأحد، 31 مارس 2013

ناظم الغزالي

الاب الروحي لسفراء الاغنية العراقية ومفخرتهم
(مقال خاص بمناسبة الاحتفالية الكبرى التي يقيمها منتدى أيامنا في ذكرى مرور 50 عاما على رحيله)
(1)
البداية
 
يطلق لقب (سفير الاغنية) على كل فنان تتوفر له الفرصة بان ينشر فن واغاني بلده الى ما وراء الحدود بحيث يصبح معروفا ومحبوبا من قبل مواطنين ينتمون الى بلدان اخرى . وعلى مستوى هذه العلاقة كان الفنان ناظم الغزالي اول سفير للاغنية العراقية اذ اصبح معروفا في الاوساط الفنية العربية في نهاية عقد الخمسينات وبداية عقد الستينات .
ولد (ناظم أحمد غزال) الذي لقب فيما بعد بناظم الغزالى فى واحد من أحياء بغداد الفقيرة هو منطقة الحيدرخانة ببغداد بالعراق عام 1921 . ومع ان بعض المؤرخين يشكون بهذا التاريخ ويرجحون مولده بالعام 1923 استنادا الى سنة الدخول الى المدرسة , الا اني اكاد اجزم بانه ولد بالعام 1921 لسبب بسيط هو انه كان صديقا مقربا من والدي (قاسم الشالجي) رحمه الله الذي ولد في نفس الحي عام 1921 ودخلا المدرسة الابتدائية معا وظلا متلازمين بمقاعد الدراسة يجلسان على رحلة واحدة الى ان انهيا الدراسة المتوسطة فافترقا بسبب مضي كل منهما بطريق مختلف . وقد  نشأ ناظم الغزالي ضمن أسرة فقيرة لا تجد قوتها اليومي الا بصعوبة بالغة . وكانت ضربات القدر شديدة عليه أذ مات والده وهو صغير السن فكفلته والدته (جهادية) التي كانت سيدة ضريرة ، فاجتمع عليها بذلك الفقر المدقع وفقدان البصر ، لكنها مع ذلك لم تفقد البصيرة فحباها الله قلبا حانيا وقدرة على التربية فربت ولدها ناظم بالرغم من كل المصاعب التي المت بها . ومع هذا الحال المزري فقد ظل القدر بالمرصاد لهذا الطفل اليتيم فماتت أمه وهو لازال غضا فأحتضنته خالته (مسعودة) التي كانت تشارك والدته بالسكن في الغرفة الوحيدة التي يعيشون بها . كانت مسعودة هي الاخرى شديدة الفقر فقد كانت تملك راتبا تقاعديا قدره دينار ونصف شهريا لكنها مع ذلك رعت الطفل اليتيم ناظم حق الرعاية رغم فقرها وضيق ذات يدها ، وأبت إلا أن تحافظ على وعدها لشقيقتها الراحلة بان ترعاه طيلة حياتها . ومن بين ما وفرته هذه المرأة المسكينة المحتاجة لناظم هو اصرارها على ان يكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة . ومن بين من تكفلوا برعاية ناظم الغزالي في اوائل حياته ايضا عمه الحاج محمود حسن غزال الذي قدم لابن اخيه كل ما يمكنه تقديمه لاكمال دراسته .
دخل ناظم الغزالي مدرسة المأمونية الابتدائية واخذ يمضي بسنوات دراسته بنجاح سنة بعد سنة . ومما رواه لي والدي رحمه الله بانه كان يذاكر دروسه مع ناظم الغزالي يوميا كل مساء في احد الازقة حيث كان هناك عمود كهرباء يحمل مصباح عام للاضائة , وكانا يجلسان معا تحت ذلك المصباح ويظلان يذاكران دروسهما الى ساعة متأخرة من الليل .
(2)
التصارع مع الحياة
في عام 1936 اكمل ناظم الغزالي دراسته المتوسطة في متوسطة الغربية واصبح على اعتاب مرحلة الرجوبة . وقد قال لي والدي رحمه الله بانه وناظم الغزالي كانا دائما يحلمان معا بان يصبحا ضباط بالجيش العراقي وانهما كثيرا ما كانا يتخيلان انفسهما ضباط حقيقين ويتحدثا لبعضهما وكانهما كذلك وحتى يتصنعا المشية العسكرية اثناء مسيرهما , وغير ذلك من الامور التي يحلم بها الفتيان المراهقين في هذا العمر . لذلك , وبعد اكمال هذه المرحلة الدراسية قررا بان يخطوا الخطوة الاولى نحو تحقيق امنيتهما فتقدما الى الثانوية العسكرية والتي كانت في ذلك الوقت المرحلة تسبق القبول في الكلية العسكرية . نجح والدي في الفحص الطبي بينما فشل ناظم لان طوله كان دون الطول النظامي اللازم لكي يصبح ضابطا في الجيش . ومنذ ذلك الوقت افترق الصديقان تقريبا لان كل واحد منهما اضطر لأن يسلك طريق مختلف عن الاخر . لم يجد ناظم الغزالي من خيار امامه غير الالتحاق بالدراسة الثانوية فدخل الاعدادية المركزية القريبة من ساحة الميدان . لكن بعد فترة من الدراسة بهذه المدرسة وجد نفسه غير تواقا للاستمرار بها لانه كان يريد ان يختط لنفسه خطا مهنيا بسرعة . تقدم ناظم الغزالي الى معهد الفنون الجميلة الذي كان يقبل خريجي الدراسة المتوسطة , وبالفعل قبل به وسجل بقسم المسرح . وفي ربوع هذا القسم جلب ناظم الغزالي انتباه فنان العراق الكبير حقى الشبلى نجم المسرح وقتها لانه رأى فيه ممثلا واعدا يمتلك القدرة على أن يكون نجما مسرحيا فاحتضنه وقرر ان يرعى هذه الموهبة الشابة بقدر ما يستطيع . لكن الظروف المادية القاسية التي كانت تحيط بهذا الانسان نجحت فى ابعاده عن المعهد ولو مؤقتا . لم يجد امامه من وظيفة يتقدم اليها وتناسب مؤهلاته غير وظيفة مراقب فى احد مطاحن أمانة العاصمة . وبالرغم من تواضع هذه الوظيفة وابتعاده عن الدراسة الا ان ناظم الغزالي لم يكن غير راضيا عن الطريق الذي سار فيه لانه وبعد ان فشل في تحقيق حلمه بان يصبح ضابطا حلم بان يكون موظفا ناجحا وكبيرا . نشط قبول ناظم الغزالي بهذه الوظيفة ذلك الحلم في نفسه مرة اخرى , لذلك فقد عمل بجد واخلاص على أمل ان يصل الى تحقيق حلمه الثاني بعد ان فشل في تحقيق حلمه الاول .  
بالرغم من ابتعاده عن الفن الا ان ناظم الغزالي لم يبتعد عمليا عنه اذ ظل يتزود بالقراءة فى كل ماتقع عليه يداه عن الفن واخباره . كما كان يكثر من الأستماع الى المقام العراقى المعروف بسلمه الموسيقى العربى الأصيل ويحاول تقليده بصوته الذي احس بانه جميل يجذب السامع . تأثر ناظم الغزالي بأم كلثوم وعبد الوهاب وفريد ألأطرش وأسمهان ونجاة علي وغيرهم من كبار الفنانين المصريين وحفظ أغانيهم عن ظهر قلب . وفي موقع عمله كان ناظم الغزالي يغني لزملائه في الوظيفة ويحي الحفلات التي كانت تقام بالمناسبات المختلفة . وقد اعجب زملائه بصوته كثيرا ووجدوا في صوته موهبة كبيرة فشجعوه على ان يهتم بهذه الموهبة ويرعاها لانه يمكن ان يكون مطربا مشهورا . لم يشأ القدر لناظم الغزالي بان يستمر بهذا العمل اذ حصل له حادث ادى الى طرده من الوظيفة . اكتشف ناظ في احد المرات بان الطحين الذي يسوق الى المخابز مخلوط بنوى البلح المطحون فكتب تقريرا مفصلا بذلك الى مدرائه . وحيث ان هذا النوع من العمليات كلن يجري بالخفاء بكثرة ومن قبل اناس متنفذين يربحون اموال طائلة من ذلك فقد عوقب بالفصل من الوظيفة بحجة اثارة تهم كيدية .   
تحدى ناظم الغزالي الظروف القاسية وقرر ان يعود الى الدراسة في معهد الفنون الجميلة حيث أخذ حقى الشبلى بيده مرة ثانية وضمه الى فرقة الزبانية . قام حقي الشبلي باشراك ناظم فى مسرحية مجنون ليلى لأمير الشعراء أحمد شوقى بك وذلك فى عام 1947 ونسب له دور شدا به بأول اغنية غناها بصوته امام الجمهور هي غنية (هلا هلا) . صفق الجمهور بشدة لناظم الغزالي بعد ادائه لهذه الاغنية , وقد دفعه هذا النجاح الى الاهتمام بموهبته الغنائية وقرر ان يغير مسار حياته ليصبح مطربا بدلا ان يكون ممثلا . 
(3)
الخطوات الاولى
كانت مقاهي بغداد القديمة مثل مقهى الشط ومقهى عزاوي والشورجة ومقهى صفو اول الاماكن التي شهدت أمسيات غنائية لناظم الغزالي في سنوات نشأته الأولى ، وقد كان صوته الشجي الذي شد الأسماع اليه آنذاك ينبئ الجميع بظهور مطرب جديد يبقي على غناء المقام حيا في النفوس . في عام 1947 تقدم الى اختبار الاذاعة ونجح في الاختبار واعتمد رسميا كمطرب . في بداية عمله ضمن الاذاعة أنضم الى فرقة الموشحات التى كان يديرها ويشرف عليها الشيخ على الدرويش ثم اصبح بعد فترة وجيزة المع مطرب في هذه الفرقة . وقد أجاد ناظم الغزالى أداء الموال والمقامات العراقية والبستات وساعده على ذلك أن مساحة صوته زادت على 14 درجة فى السلم الموسيقى . احب الغزالي فن الغناء واخذ يتبحر به ويتدارسه وقرر مع نفسه بان يكون مغنيا كبيرا . وفى عام 1952 بدأ ينشر سلسلة من المقالات فى مجلة النديم تحت عنوان (أشهر المغنيين العرب) , وفي عام 1960 الف كتب بعنوان (طبقات العازفين والموسيقيين من سنة 1900 -1962) ضمنها بعض مقالاته الاولى التي نشرها في مجلة النديم .
في أواخر الأربعينات وبداية الخمسينات كانت في بغداد محاولات لإنتاج سينمائي تضمنت إنتاج عدة أفلام سينمائية . ونظرا لوسامة ناظم الغزالي في شكله وصوته ومواهبه فقد وجد فيه المنتجون السينمائيون الشخصية المناسبة لأفلامهم خصوصا وأن الغزالي كان يجمع موهبتي التمثيل والغناء فاتصلوا به عارضين عليه الاشتراك بالسينما . استجاب الغزالي وانتقل الى السينما يمثل ويغني في أفلام عراقية تقلد أفلام الاستعراضات المصرية واللبنانية أيام زمان مثل (ياسلام على الحب) و(القاهرة بغداد) . ومع ذلك فقد كانت هذه تجربة فنية عابرة في حياة ناظم الغزالي الفنية لم تضف إليه شيئا ولم تستقطب اهتمامه كثيرا .
ومما يجب ذكره هو أن ناظم الغزالي اصبح بعد دخوله الاذاعة تلميذ محمد القبانجي النجيب والذي اعتبره فنان العراق الأول الامتداد الطبيعي له . كما كان القبانجي هو السبب الكبير في ان يكون ناظم ذلك المطرب الذي عشقه كل العرب . استمع القبانجي الى ناظم واكتشف فيه عبقرية الأداء والصوت الحلو النبرات والمعبر العميق فأخذ بيده وشجعه وقام بتعليمه من اجل ان يصبح المطرب الاول في المقام العراقي . وكان يقول عنه (استمعوا من بعدي إلى هذا الشاب الذي سيكون عبدالوهاب العراق) ، لكم من أعاجيب القدر أن عبدالوهاب العراق مات قبل استاذه محمد القبانجي بسنوات طويلة ميتة . وفي الاذاعة سجل ناظم الغزالي أولى أغانيه الإذاعية المنفردة وهي اغنية (وين ألقاك وأنا المضيع ذهب ) من تلحين الموسيقار وديع خوندة والتي استقبلها الجمهور باهتمام شديد . بعد ذلك سجل ناظم الغزالي أغنية (مروا على الحلوين ماودعوني) من تلحين ناظم نعيم الذي قدم للغزالي أكثر من خمسة عشر لحنا من أغانيه الشهيرة . ثم تناوب على تقديم الألحان اليه كبار الموسيقيين في مقدمتهم جميل بشير الأخ الأكبر للفنان منير بشير ، وفيما بعد اختص الغزالي لنفسه تلحين أغانيه فقدم أغاني ذات حرفة موسيقية جيدة . وإذا كان ناظم الغزالي قد أخذ أشعار معظم أغانيه من الشاعر المعروف جبوري النجار، فإنه أخذ أيضا من التراث الشعري الغنائي العربي فقدم منها أجمل أغانيه التي اشتهرت في الوطن العربي مثل (عيرتني بالشيب وهو وقار) و(أقول وقد ناحت بقربي حمامة) , مثلما أخذ من التراث العراقي والغناء المصلاوي وغيره . لم يكتفي ناظم الغزالي بدار الاذاعة بل كان يعمل ايضا بالملاهي الليلية . وهناك تعرف بالفنانة سليمة مراد والتي كانت في وقتها أشهر فنانة عراقية تغني الغناء المحترف من المقامات والبستات والأغاني الفولكلورية . اعجب ناظم كثيرا بفنها ووجد فيها شريكة مناسبة لحياته فتزوج منها . وعن زواجه من هذه الفنانة قال ناظم الغزالي (انا سعيد لاني حظيت بالزواج من هذه الفنانة قبل فوات الأوان لانه من غير المعقول أن أظل أعزب أو أن أتزوج امرأة لاعلاقة لها بالفن) . كان الغزالي وطنيا وقوميا يحب وطنه وغنى للعروبة كثيرا ، مثلما غنى لثورة الجزائر في إحدى الحفلات التي أحياها لنصرة نضال الشعب الجزائري في نادي الجمارك في البصرة .
(4)
الشهرة
كان ناظم الغزالي حاد الذكاء شغوفا بالمعرفة مثقفا ثقافة عالية ومطلعا على جميع انواع الفن العربي . فبالرغم من كون رائد المقام العراقي الفنان محمد القبانجي هو استاذ ناظم الغزالي الفعلي الاول , يمكن اعتباره تلميذا لكل أساتذة الغناء في عصره من المصريين أو السوريين أو اللبنانيين . فقد كان الغزالي مستمعا جيدا لموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب ولكوكب الشرق أم كلثوم وفريد الأطرش وألحان السنباطي . ومع ان لكل واحد من هؤلاء طريقته في الغناء وصياغة الألحان فقد استفاد منهم الغـــــزالي كثيرا خاصة القصائد التي طــــور صياغتها محمد عبـــدالوهاب مثل كيلوباترا والجندول وغيرهــا . كما كان شغوفا بسماع الطقاطـــــيق المصرية والأصوات التي اشتهرت في القاهرة ثم في البلدان العربية مثل ليلى مراد واسمهان .
وكانت بغداد تستقبل العديد من فناني العرب من اونة الى اخرى خصوصا السوريين الذين برعوا في تقديم ما يسمى بالقدود الحلبية . كما تعرف على بعض فناني مصر الذين عاشوا فترة في العراق يقدمون فنهم مثل الفنانة القديرة شهرزاد التي مكثت في ربوع العراق فترة من الزمن تقدم فنها المصري مع فرقة مصرية بقيادة زوجها عازف آلة الشيلو الشهير محمود رمزي . كما تعرف على المطرب الشعبي المصري الكبير محمد عبدالمطلب الذي قدم للعراف ومعه زوجته الفنانة نرجس . وبالطبع ، كان ناظم يدعوهم لحفلاته مما جعلهم يطلعون عن كثب على فنه وطبيعة الاغنية العراقية . وبالمقابل استفاد هو من السماع إليهم وتعرف على شتى القوالب الغنائية العربية لأن لكل قطر طريقته في اللحن والغناء . لهذا استطاع ناظم الغزالي من هذه الثقافات أن يقدم الأغنية العراقية بأسلوب جديد غزا به قلوب كل المستمعين في الأقطار العربية . وكان المطرب الراحل يتوق إلى أن يأتي الى مصر ليغني لأهلها وليلتقي بموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب ليلحن له بعض الأغاني باللهجة المصرية . وبالفعل اتصل الغزالي بعبد الوهاب بعد ان علم بما سمعه عن اعجاب عبدالوهاب بصوته وتأكد من ذلك عندما اتصل به . وكان مطربنا يعد العدة للسفر الى مصر التي عرفها جيدا من خلال بعض النجوم الذين سافروا الى أرض الكنانة مثل ، سهام رفقي وعفيفة اسكندر .
احب ناظم الغزالي عمله كمطرب واجاد به كثرا وقرر ان يكون مطربا كبيرا ليس على مستوى العراق بل على مستوى الوطن العربي . وفي عام 1963 سافر ناظم الغزالي إلى بيروت وأقام فيها 35 حفلاً ، وسجل العديد من الأغاني للتلفزيون اللبناني . ثم سافر بعدها إلى الكويت بدعوة من وزير الاعلام فيها وسجل قرابة عشرين حفلة بين التلفزيون والحفلات الرسمية . وفي العام نفسه اجتهد وبذل جهدا كبيرا ليتمكن بسرعة أن ينتهي من تصوير دوره في فيلم "مرحبا أيها الحب" مع المطربة نجاح سلام ، وغنى فيه أغنية (يا أم العيون السود) . لكن كما يبدوا فانه كان يحس بدنو أجله ، فأصر على أن يقطع جولاته في البلاد العربية ويعود إلى العراق التي لم يمض على عودته إليه أقل من يومين لتخرج روحه بعدها إلى بارئها.
في الساعة العاشرة والنصف من صباح الاثنين 21 تشرين اول (أكتوبر) عام  1963 , طلب ناظم الغزالي ماء ساخن ووقف أمام المرآة في حمام بيته ليحلق ذقنه ، ثم فجأة سقط على الارض صريع نوبة قلبية أنهت حياته في تلك الساعة . وبذلك انتهت حياة أشهر مطرب عراقي ، اشتهرت الأغنية العراقية عربيا وعالميا بصوته وبأغانيه التي مازال يرددها الكثير من عشاق الغناء العربي . ومن غرائب الصدف أنه مات بعد أيام من حصوله على المركز الأول في مهرجان الأغنية العربية التراثية في ذلك العام . وفي حينها قيل مات سيد درويش العراق . ناظم الغزالي الذي أطلق عليه الكثير من النقاد الموسيقيين ومحبو الغناء العربي لقب (عندليب العراق) ، كان يستحق عن جدارة مثل هذا اللقب و هذا الوصف ليس لعذوبة صوته أو لمضامين أغانيه القريبة من الذوق العام للمستمع العربي ، بل لطريقة أدائه والألوان التراثية التي تجمع بين الحداثة والقديم التي كان يؤديها . وكان العراقيون أينما سافروا وحلوا لا يسمعون حين يجري الحديث عن العراق والفن العراقي إلا اسم ناظم الغزالي وبعض مطالع أغانيه التي باتت محفوظات تردد على كل لسان مثل (طالعة من بيت ابوها .. رايحة لبيت الجيران) , (فات ماسلم علي .. يمكن الحلو زعلان) , (ميحانه ميحانه .. غابت شمسنا الحلو ماجانه) , (خايف عليها .. تلفان بيها .. شامة ودكة بالحنج من يشتريها ) .
وحين توفي رثاه كبار الفنانين العرب وكتبت عنه الصحافة العربية مثلما تكتب عن نجم أفل . وقالوا عنه من المؤسف أن يموت الغزالي وهو في ذروة مجده الغنائي وقمة عطائه. واذا كان العراق يعتز بفنانيه الكبار وبشعرائه وأدبائه فإن ناظم الغزالي في القلوب وفي الذاكرة دائما مع جواد سليم والرصافي والزهاوي والجواهري والبياتي وعزيز علي وحضيري ابو عزيز وداخل حسن وان اختلفت الصور والألوان والمواهب . يمكن القول ان ناظم الغزالي كان رجلا سيء الحظ لان القدر عاكسه في كل ما يريد . اراد ان يصبح ضابطا فلم يستطع , واراد ان يصبح موظفا كبيرا فلم يستطع . واخيرا اراد ان يصبح مغنيا عربيا لامعا الا ان القدر لم يمهله لكي يصبح كذلك بالرغم من توفر كل المؤهلات فيه لصبح مغنيا عربيا كبيرا .
 لا يعرف لكثيرين بان ناظم الغزالي كان مدخنا , بل مدخنا شرها . وقد فوجيء الاطباء عند تشريح جثته اثر وفاته المبكرة بان رئته كانت مليئة بالقطران بشكل كبير بحيث كان شكلها اسود بشكل مفزع . وقد يدعوا هذا الى الاستغراب , اذ كيف يمكن لمطرب يمتلك مثل حلاوة صوته ان يكون مدخنا بهذا القدر دون ان يؤثر ذلك على حنجرته . من ناحية اخرى فان الفنان ناظم الغزالي كان يشرب كثيرا ايضا وبشكل يومي . كانت جميع جلساته التي تتخلل حفلاته التي يحييها يوميا , وحتى سهراته في البيت مع اصدقائه او زوجته تتضمن تناول الخمر . ربما كان لهذين العاملين والآفراط فيهما السبب المباشر بوفاته المبكرة . وقد دون في شهادة وفاته بان الوفاة حصلت نتيجة لتوقف احد صمامات القلب عن العمل . رحم الله فناننا الكبير ناظم الغزالي واسكنه فسيح جناته .


وسام الشالجي

المصدر : منقول بتصرف من عدة مقالات