اخر المواضيع في المدونة

الأحد، 9 ديسمبر 2012

متى سيستطيع الانسان ان يفكر ويتسائل بحرية

منذ ان خلقت على هذه الارض وألاف الأسئلة تجول برأسي وتتصارع بذهني . معظم هذه الاسئلة ممنوع علي ان اطرحه , وحتى ان لم يكون ممنوعا علي طرحه فهو , وبصراحة قد يفتح علي نار جهنم ان طرحته . دائما ما أجد بأن هناك عشرات الخطوط الحمراء التي لا يجوز لي التقرب منها ولا يمكنني مناقشتها ابدا لانها من المحرمات او الممنوعات . بل ان الامر وصل الى درجة التخويف والترويع حتى من طرح التساؤل على النفس وليس على الاخرين . لقد شغلني هذا الموضوع بذاته لفترة طويلة , وكنت اسأل نفسي دائما واقول "لماذا محرم علي ان افكر بالكثير من الاشياء بحرية ؟ ومتى استطيع ان اتسائل بامور تتعلق بهذه الاشياء بحرية تامة دون ان اخشى شيئا ؟" وحين اتكلم عن حرية التفكير وحرية التساؤل اقصد بها الاسئلة التي تتعلق بكل الاشياء مهما كان نوعها ومهما كانت طبيعتها سواء ان كانت دينية او سياسية او اجتماعية . نعم , كل الاشياء ودون قيود ودون حواجز او ممنوعات وضعت لهذا السبب او ذاك مهما كان نوع التساؤل . وبعد تفكير ملي وعميق اخذ مني زمنا طويلا ادركت لماذا منع حق التفكير والتساؤل في كثير من الاشياء وحرم طرقه وحتى التقرب منه , وعرفت لماذا زرع فينا التخويف والترويع وسلط علينا الايذاء اذا ما حاولنا طرق مواضيع محددة وطرحنا انواعا معينة من الاسئلة لانه وببساطة لا يوجد جواب منطقي لها يمكن ان يرضي او يقنع من يتسائل عنها . ولكي لا يدحض الفكر السائد في نظرية معينة سائدة ولا تتبدد القناعات المتعلقة بها والتي يمكن ان تهتز اذا ما نوقشت بعض امورها بمطلق الحرية فقد منع التساؤل قطعيا بشأن اشياء معينة فيها لان ذلك قد يؤدي الى هز كيانها ووجودها بالاساس . لهذا بقينا نعيش كما عاش الأولون كـ (عرائس القرقوز) تحرك من الاعلى بخيوط لاترى وتوجه بوجهات محددة تضمن دائما بقاء الامور على ما هي عليه . واذا ما ظهر كائن من كان من يحاول طرح التساؤلات الواقعية حول فكرة سائدة بما يمكن ان يجعل القناعة بها تهتز قضي عليه شر قضاء وجعل أمثولة لمن يمكن ان يسير بطريقه في يوم من الايام . انا لا اتحدث هنا عن فكرة معينة او نظرية سياسية او عقيدة او دين لانها جميعا تشترك بهذه الحالة وجميعها يكشر انيابه على من يطرح اي موضوع قد يأتي بفكرة مضادة او يستنتج رأي معاكس او حتى يناقش مسائل جوهرية في قواعد نظرياتها . كما اني لا احصر كلامي هذا بشرقنا الذي نعيش به لان الغرب لم يكن مختلفا عن الشرق في مثل هذا التوجه كما حصل في فترات الاضطهاد الديني لبعض المجموعات في اوربا خلال القرون الوسطى وما حصل للمعارضين السياسيين فيها ايام سواد حكم الدكتاتوريات في النصف الاول من القرن العشرين . لكن الفرق هو ان حدة مواجهة التساؤل خفت كثير في الغرب وتضائلت حتى وصلت الى مستويات متدنية جدا خلال عصرنا الحالي , بينما ظل شرقنا الذي نعيش فيه يتمتع بالاولوية القاطعة في تحريم التفكير في الكثير من الاشياء ومنع التساؤل وحمل روح المعارضة منذ مئات السنين حتى يومنا هذا , ومن لم يقتله السلطان اذا ما فكر احد او اراد ان ينظر بالضد في فكرة معينة قتلته جموع الغوغاء المستعدة لتقديم رأسه قربانا للسلطان , او ربما قربانا لاحقادها ونفوسها المريضة .

لقد خلق الله عز وجل الانسان متميزا عن كل خلقه بعقله . فالانسان هو المخلوق الوحيد الذي يستطيع ان يفكر ويبتكر ويبدع ويخترع وحتى يخلق . والانسان هو المخلوق الوحيد الذي يفرح ويحزن ويضحك ويبكي ويسعد ويتألم ويحب ويكره ويدبر ويمكر ويتظاهر ويخدع ويظلم . واخيرا , فان الله تعالى جعل الانسان ذكيا وليس غبيا وساذجا لانه قادر على ان يفكر ويتسائل ويحلل ويستنتج . كل هذه الاشياء وضعها الله تعالى في هذا المخلوق فجعلته يصنع الاعاجيب والمعجزات ويخترع ما لا يصدق من الاشياء . لقد فعل الانسان كل ذلك حتى يمكن القول بانه اصبح يمتلك الان ثلاثة ارباع الصفات التي كانت سابقا من صفات الاله الخالق حصريا . لقد اصبح الانسان في زمننا الحالي يستطيع ان يتنبأ بماذا سيحصل في المستقبل بدقة متناهية واصبح ذو قوة وقدرات هائلة وخارقة . كما اصبح يستطيع ان يرى عن بعد ويسمع عن بعد وان يكون موجودا في اكثر من مكان في نفس الوقت . واصبح الانسان قادرا بان يعلم جنس الوليد قبل ولادته ويتحكم بصفاته الوراثية وهو لا يزال بويضة قبل ان تصير جنينا , ويخلق سلالات جديدة من الكائنات الحية لم تعرف سابقا ويخلق الفيروسات التي تنشر امراض فتاكة لم تكن موجودة من قبل . كما اصبح متاحا للانسان ان يسير ويتحرك ويطير بسرعة فائقة ويغوص الى اعماق هائلة ويهبط على الاجرام السماوية الاخرى ويسبر اعماق الكون , وووو .... من غير هذا الكثير . ان الله لم يحرم على الانسان ان يفكر بشيء ما ولا ان يطلق العنان لتساؤلاته في امر ما وفتح له كل الابواب لكي يبحث عن الحقيقة وان يتوصل الى كل ما يستطيع ان يتوصل اليه . كما ان الله لم يحرم على الانسان ان يمتلك بعض صفاته بدليل وجود الحديث القدسي القائل (يا عبدي اطعني تكن مثلي تقل للشيء كن فيكون) . ومع كل هذه الحرية التي اتاحها الله للانسان , فان هذا الانسان حرم على نفسه وغيره حرية التفكير والتساؤل في امور كثيرة لحساسيتها حتى اصبح في النهاية فاقدا لحريته بدرجة كبيرة ولا يستطيع الكلام او البوح او مناقشة الكثير من الاشياء والمواضيع , خصوصا الدينية منها . ترى متى سيستطيع هذا الانسان العبقري ان يفكر بحرية مطلقة ودون قيود وموانع ويطلق ما يدور في رأسه ويعلن ما يتوصل اليه بجرأة ودون ان يخشى شيئا . ومتى سيستطيع هذا الانسان المبدع ان يقول بحرية كاملة بان تسعة وتسعون بالمائة من التاريخ المكتوب الذي ورثناه هو تاريخ مزيف وغير حقيقي وانه قد جرى تأليفه على مدى الزمان الذي مضى وان الكثير مما جاء فيه هي مجرد اكاذيب غير مسنودة على وقائع مثبتة . ومتى سيستطيع هذا الانسان الخلاق ان يقول عن مفاهيم سادت لمئات السنين بانها مفاهيم خاطئة وغير منطقية ولا يقبلها العقل السليم ابدا . ومتى سيستطيع هذا الانسان المبتكر ان يدرس بحرية وحيادية تامة حياة وتاريخ شخصيات كثيرة ذات اسماء رنانة بعيدا عن هالة القدسية التي احيطت بها وان يقول ويعلن ما يمكن ان يتوصل اليه دون الخوف من عواقب ذلك . ومتى سيستطيع هذا الانسان الذكي ان يقول بان الكثير من الممارسات التي يمارسها البشر , خصوصا تلك المرتبطة بطقوسهم وعباداتهم هي خزعبلات وافتراءات ومسنودة الى كلام كله كذب ومن اختراع الدجالين والمنتفعين لانها لا تتفق مع العقل والمنطق . ليس هذا فقط , بل هناك مئات المواضيع والاسئلة التي يا ترى متى سيستطيع الانسان ان يطرقها بحرية دون خوف او خشية . سؤال ننتظر جوابه في يوم من الايام , يوم تشرق الحرية على الفكر الانساني ويطلق له العنان ليصل الى اماكن لم يصلها ابدا من قبل .