اخر المواضيع في المدونة

الثلاثاء، 26 نوفمبر 2019

هل كان صدام حسين حاكم طائفي - مقال

 لكي تتم الإجابة على هذا السؤال بموضوعية لابد من التطرق إلى مجموعة من الظروف التي عملت على تكوين شخصية صدام حسين كما عهدناها , ومعرفة العوامل التي بلورت نفسيته وطريقة تفكيره وصنعت كيانه العام وكيف بنى طموحاته بالحياة . الأمر الاول الذي يستوجب البحث فيه هو دراسة الاسباب التي خلقت من صدام حسين رجلا عنيفا وشديد المراس وكيف اصبح صارما بشكل خارج عن المألوف . ان النشاة الأولى التي ترعرع بها صدام والطريقة التي تفاعلت معه الحياة وتفاعل هو معها , خصوصا في طفولته الاولى , في كونه قد نشأ بدون اب وعانى بشدة من قسوة وتسلط زوج أمه وخبر قسوة أعمامه مما جعله يقاسي من صعوبة الحياة ويضطر في اخر الامر إلى اللجوء إلى بيت خاله في بغداد . وبدلا من أن يحتضنه خاله ويرعاه ويوفر له بيئة صالحة ويخلص في تربيته فقد ساهم هذا الرجل هو الاخر في أيذائه من خلال إستخدامه بخبث لتحقيق اغراضه وجعله أداة في الإقتصاص من خصومه . وفي ظل بيئة جديدة تعج بالاشقيائية ويسود بها أصدقاء السوء ترعرع الفتى صدام حسين وكبر في ظل أوضاع لا يشتهيها اي أمرؤ لاولاده فإعتاش مع تلك الحثالات لكنه نال بنفس الوقت خبرات واسعة في التعامل مع صعوبات الحياة وعرف كيف يتعامل مع الخصوم . تعلم صدام حسين في تلك البيئة القسوة والعنف وإستوعب مبدأ الغاية تبرر الوسيلة وإن كل ما يقربه من تحقيق هدفه هو امر مشروع من الجائز سلوكه مهما كان نوعه . وبالرغم من هذه الظروف الصعبة والوسط السيء فقد إنخرط الفتى صدام حسين ولو متاخرا بالمدرسة ألتي عرف منها سيرة الرجال العظام بتاريخ الامة العربية وقادة الدين الإسلامي وإعجب بهم أيما إعجاب حتى اصبحوا إمثولته بالحياة فبدأ بتقمص شخصياتهم ويرى في نفسه إمكانية أن يكون مثلهم إذا ما ساعدته الحياة على ذلك . وشهد صدام حسين وهو طالب بالثانوية وقوع ثورة 14 تموز , وشهد بيومها سحل الامير عبد الإله الذي مرت الجموع بجثته على بعد عدة مئات من الأمتار من بيته ورأى بعينه كيف تتعامل جموع الغوغاء مع الحاكم أو المسؤول إذا ما وقع في ايديهم . ترك هذان الحدثان إنطباعان قويان في نفس ذلك الشاب , أولهما هو إمكانية الوصول إلى السلطة من خلال الثورة على النظام , والثاني هو كيفية التعامل مع الشعب العراقي وكيفية حكمه إذا ما تحقق له مثل هذا الحلم . ومن يومها حلم صدام حسين بأحلام الثورة وقرر بأن يصبح ضابطا بالجيش من خلال الإنخراط بالكلية العسكرية وبناء نفسه وحياته ليكون بالمستقبل قائدا ألمعيا لكي يستطيع أن يخطط ويسعى للوصول إلى السلطة من خلال ثورة مشابهة لثورة تموز أو أي وسيلة أخرى . كما ادرك من مناظر سحل عبد الإله بأنه إذا ما وصل إلى السلطة فعليه أن يحتفظ بها بكل طريقة ممكنة ولا يجعلها تفلت من يده باي شكل من الاشكال لكي يضمن بأن لا يتعرض لإحتمال أن يحل به نفس ما حل بالأمير عبد الإله . وتشاء الصدف بعدها أن يتم كسب صدام لصفوف حزب البعث الذي راى في فكره القومي العروبي وتمجيده لماضي العرب نوع من التوافق بينما ما يحلم به ويتطلع إليه وشيء يمكن أن يرضي بداخله بعض الطموح الذي يداعب مشاعره . غير أن هذا الكسب سبب بعد فترة قصيرة إلى تعرض صدام حسين إلى أكبر ضربة ساهمت في كسر الطريق الطبيعي نحو الطموح الموجود بداخله , تلك هي في إختياره ضمن مجموعة الإغتيال التي كلفت بمحاولة إغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم . راى صدام حسين في الإنخراط بهذه المجموعة نوع من التسريع للوصول إلى الهدف الذي ينشده , لكن تشاء الصدف بأن تفشل المحاولة ويضطر إلى الهرب إلى سوريا فتحطمت مؤقتا كل أماله وطموحاته التي كان يخطط لها . قرر صدام حسين بعدها التمسك بقوة بحزب البعث الذي كان نفسه السبب في توريطه وخسرانه للفرصة التي كان يخطط لها في الإنخراط بالجيش وأن يصير مع الوقت ضابط لامع وقائد كبير محتمل لكي يحقق من خلال تلك الفرصة كل أهدافه .

الظرف الثاني الذي لابد من التطرق إليه للإجابة على التساؤل الوارد أعلاه هو ضرورة معرفة المصدر الذي خلق من صدام حسين رجلا علمانيا . أن هذا الهدف يدفع إلى دراسة طبيعة حزب البعث ومعرفة ماهية رجاله وفهم نوعية فكره وبالتالي إدراك الطريقة التي خلقت من البعثي صدام حسين رجلا علمانيا . نشا حزب البعث بالأربعينات وقد حمل منذ بداياته فكر قومي عروبي ينطلق من مبدأ بعث تراث الامة وإحياء ماضيها وبناء دولتها العربية الموحدة . وفيما يتعلق بالدين فقد كان حزب البعث يحمل فكرا علمانيا بحتا يتلخص في إبعاد الدين عن مسرح السياسة وعدم غستخدامه لأغراض سياسية وترك رجال الدين يمارسون دورهم في دور العبادة حصريا وعدم السماح لهم باي شكل من الاشكال من تبوأ أي مواقع قيادية بالدولة . وبسبب علمانية هذا الحزب فقد كان لا يفرق ابدا في تعامله بين الاشخاص على اساس الدين أو العرق أو الطائفة , واقوى دليل على هذا هو إن  أغلب قادة حزب البعث الذين قادوه إلى السلطة في 8 شباط عام 1963 كانوا من الشيعة , وبالذات من من محافظات الوسط والجنوب . وقد ظل الحزب يسيل على هذا المنوال حتى بعد وصوله للسلطة للمرة الثانية عام 1968 . وفي عام 1973 قام حزب البعث بخطوة حاسمة منطلقا من توجهاته العلمانية تمثلت في منع ممارسة الشعائر الشيعية الحسينية بالعلن . لم تكن هذه الخطوة منطلقة من توجه طائفي أو تمييز أو إستهداف للطائفة الشيعية بأي شكل من الاشكال وإنما كانت مجرد تجسيد لفكرة إلغاء الهيمنة الدينية على المجتمع وتحويله إلى مجتمع مدني بحث . ووفق نفس التوجه فقد أصبح صدام حسين الذي صار مع الزمن صنيعة من صنائع حزب البعث رجلا علمانيا هو الاخر ولم يكن ينظر للدين بغير كونه حالة يجب أن تكون بعيدة عن الحكم ودروبه , وإذا كان هناك ضرورة فيمكن جعله وسيلة تستخدم عند الحاجة لإغراض الحفاظ على السلطة . ومع ذلك لم يكن صدام حسين رجلا ملحدا أو بدون دين , لكن كان الدين الذي يؤمن به هو دين من غير أحكام ولا حدود ولا إمام ولا ولاء , وهذه كلها أمور يضعها الحزب حسب مقتضيات مصلحته , أو بكلمة أخرى يضعها هو بعد أن صار حزب البعث هو صدام حسين , وصدام حسين هو البعث .  

وبالرغم من فكره العروبي والقومي فقد إصطدم حزب البعث على مدى وجوده بالسلطة سواء بالعراق أو في اي بلد عربي اخر بجدارين قويين أدت إلى تهشيم كل مبادئه وتحطيم كل فكره . الجدار الاول كان هو الفرق بين النظرية وهي مسطرة على الورق وعملية تطبيقها على أرض الواقع والذي كثيرا ما ينجم عنه إستحالة تطبيق الافكار والمثل النموذجية في عالم يضج بالتناقضات وتسوده الصراعات وتعم فيه الإختلافات مما يجعل النظرية بواد والتطبيق بواد اخر . لا يختلف حزب البعث بهذا الأمر عن أي حزب أخر يبتدع نظرية سياسية أو أقتصادية مثالية ويحاول تطبيقها على مجتمع لا يتقبلها بسهولة ليصبح في نهاية المطاف حاله من حال من يلبس شخص ما لباس ذو مقاسات معينة تختلف عن مقاساته . الجدار الثاني الذي إصطدم به حزب البعث هو الطبيعة الإنسانية للأفراد التي تحاول على الدوام تحقيق اغراضها وضمان مصالحها باي وسيلة , لذلك فقد ركب موجة البعث على مدى تاريخه قادة ورجال سعوا بشكل حثيث لتحقيق أحلامهم ونواياهم من خلال الحزب , وكان صدام حسين مثل واضح وصارخ على مثل هؤلاء . لم تسنح امام صدم حسين فرصة الإشتراك بحركة 8 شباط لأنه كان خارج العراق ولكنه عاد بعد فترة قصيرة من نجاح الحركة وبدأ يعمل بشكل حثيث في صفوف الحزب محاولا الصعود باسرع وقت ممكن . ولأن حزب البعث كان يضم فطاحل وقياديين لا يمكن أن يجاريهم لا بفكرهم ولا بتاريخهم النضالي ولا في اسبقيتهم بالإنخراط في الحزب رجل بسيط في فكره مثل صدام حسين , لذلك فقد ظل يبحث عن الطريقة المثلى التي تمكنه من الوصول إلى غاياته وكيف يجعل من هذا الحزب وسيلة لايصاله لاهدافه بعد أن خسر فكرة الإنخراط بالجيش . وحين قامت حركة 18 تشرين وجدناه يساهم بفعالية بها حيث ساهم هو وابن خاله عدنان خيرا الله في إحتلال الإذاعة متاملا بأن تساعده هذه الخطوة في القفز بشكل أسرع نحو السلطة لكن عبد السلام عارف الذي كان يخطط للإنفراد بالسلطة أزاحه هو وغيره من البعثيين من المشهد بسرعة . وبعد هذه التجرة الفاشلة قرر صدام حسين إستعمال إسلوب اخر بالصعود لهذا فقد زج نفسه في مؤسسات الحزب الصدامية محاولا استثمار خبراته السابقة بهذا المجال وتسخيرها لخدمة الحزب مما يمكن أن يساعده في القفز إلى الأعلى بسرعة وأن يجتاز كل من هو أمامه وأن يتخطى كل رجالات الحزب بشكل أو بأخر . وفي عام 1968 تهيأت الفرصة لحزب البعث من جديد في القفز إلى السلطة بعد أن لعب غباء عبد الرزاق النايف وعبد الرحمن الداود دورا قويا في تحديد مصيرهما ومستقبلهما فقررا بأن يشركا حزب البعث معهما بالمحاولة الإنقلابية التي خططا لها فكانت النتيجة المعروفة في إزاحتهما بسرعة من المشهد والسلطة في حركة 30 تموز التي كان بطلها بلا منازع هو صدام حسين فقفز بذلك إلى منصب قيادي رفيع هو نائب رئيس مجلس قيادة الثورة . وبعد مسلسل طويل من التهيئة وإزاحة الخصوم وتصفيتهم وتخطي الحواجز إستطاع هذا الرجل بقدرة فذة يمكن أن تثير الإعجاب إلى الوصول لرأس السلطة وتربع على عرشها قائدا أوحدا لا شريك له بالسلطة عام 1979 .

كان شعار صدام حسين بعد وصوله ألى السلطة وطريقته في الحكم تتجسد بمقولة "لقد جئنا لنبقى ولن نفرط بما وصلنا إليه ابدا" . لذلك فقد كانت من اكبر الكبائر في نظام صدام حسين هي  في منازعته على السلطة التي وصل أليها بشق الإنفس وبعد نضال مرير تضمن إزاحة وتصفية العشرات من القادة والمفكرين من رجال الحزب والجيش . ليس هذا فقط بل كان يرى بأن من الواجب القضاء على كل شخصية يمكن أن تحمل بعض عناصر القيادة ويمكن أن تصبح شخصية محتملة لأن تمضي بطريق يوصلها إلى السلطة . هناك قادة وضباط كبار اعدمهم صدام ليس لانهم قاموا باعمال أو أخطاء تهدد نظامه أو تنازعه على السلطة وإنما تمت تصفيتهم لمجرد أنه وجد فيهم عناصر متكاملة من القيادة فاعتبرهم منافسين مرشحين يتوجب ازالتهم من الوجود عملا بالمبدأ الميكافيلي . ومن نفس المنطلق كان صدام حسين لا يتاخر ولا يتردد في التصدي للدين وكل رجاله اذا ما شعر بالخطر منهم باي شكل من الاشكال . ولان صدام حسين بطش ببعض كبار قادة الشيعة وصفاهم بلا رحمة يتصور البعض بأن صدام حسين كان يمارس الطائفية وإن أعماله تمثل إنحياز للسنة والعداء للشيعة . بواقع الامر أن الشيعة وكبار قادتهم هم الذين تصدوا لصدام حسين وهم الذين عملوا ضده وتأمروا عليه بهدف إزاحته من السلطة لذلك فقد قام هو بالمقابل بالتصدي لهم وتصفية قادتهم وزعمائهم , ولو كان السنة هم الذين قاموا بذلك لبطش بهم بنفس القوة وبذات الطريقة . ان قسوة صدام حسين تتبين بوضوح من مواقفه حتى مع افراد عشيرته وابناء أسرته حين أمر بتصفية أزواج بناته وقتل رجال وأطفال وحتى نساء هم من اقرب الناس إليه , ومن هذا الموقف يمكن أخذ فكرة عن مدى  تمسكه بالسلطة وعدم السماح لاي فرد بأن يفكر في الوصول إليها حتى لو كان واحد من ابنائه .

لقد ظل صدام حسين ونظامه عصيا على كل من فكر في إزاحته من منصبه , وبعد ان يأست كل القوى المضادة له من الوصول إلى هدف إسقاطه لم يتبقى أمامهم غير التحالف مع الامريكان وإقناعهم بغزو العراق لإنهاء حكمه بحجة تهديده للسلام العالمي من خلال سعيه للحصول على اسلحة الدمار الشامل . ولقد اثبتت الوقائع وكل الحقائق فيما بعد بأن هؤلاء لم يكونوا يعادون صدام حسين بسبب يتعلق بالوطنية ومصلحة البلد , ولا ينازعونه بسبب طائفيته المزعومة بل إنما كانوا يعادونه لأجل الإستحواذ على ثروات البلاد ومسك حنفيات الذهب التي تدر الموارد على بلد يعتبر من اغنى دول العالم بمقدراته وثرواته الطبيعية وإمكانياته , وما نحن فيه اليوم هو دليل كامل على كل ما تقدم .

د. وسام الشالجي
26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019
  

هناك تعليق واحد :

عمر العزاوي يقول...

احسنت دكتورنا العزيز