اخر المواضيع في المدونة

الأحد، 28 يناير 2018

خواطر بالاسود والابيض - نشاطاتنا الشبابية أيام المراهقة

سأتحدث بخاطرتي هذه عن بعض النشاطات الشبابية التي كنت أمارسها أيام المراهقة , والتي بالتأكيد قد مرً بها كل شاب وشابة بهذا العمر . وقعت فترة مراهقتي في الزمن الواقع بين أواخر عقد الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي . ان ما دفعني حقيقة للكتابة حول هذا الموضوع هو كلمة كانت كثيرا ما تقال من افواهنا بتلك الايام ونتداولها بأحاديثنا , ولا أدري ان كانت لازالت متداولة بأيامنا هذه من قبل المراهقين أم لا وقد أحببت ان اجعل منها محور موضوعي هذه المرة . هذه الكلمة هي كلمة (أستصرام) , وفعلها (يستصرم) ويسمى من يقوم بها بكلمة (صرم بارة) . قد تبدوا هذه الكلمة من لفظها كأنها كلمة بذيئة لكنها ابدا لم تكن عندنا بهذا المفهوم بالرغم من كونها تثير بعض الاحساس بأنها كلمة غير لائقة . كانت كلمة (إستصرام) كما كنا نفهمها بوقتها ونمارسها بافعالنا تعني الظهور أمام الجنس ألأخر بشكل جذاب وملفت والقيام بنشاطات وحركات معينة تهدف الى جذب الفتيات عسى ان تقع احداهن بحب وغرام الفتى او الشاب الذي يقوم بها ويمارسها أمامها . وقد عرفت لاحقا بان هذه الكلمة كانت تستخدم حتى من قبل الفتيات حين يقمن بنشاطات تهدف لجلب أهتمام الصبيان والشبان بهن . ومن الملفت أن هذه الكلمة غابت تقريبا من قاموس حياتنا بعدما انتهت فترة المراهقة لأن ممارستنا لها توقف فعليا , لكنها ظلت رنانة بمخيلتنا وكثيرا ما تخطر على بالنا حين نراها تمارس امامنا من قبل البعض الى يومنا هذا  .
وقبل ان اتحدث عن هذه الكلمة بالتفصيل وماذا كنا نفعله حين (نستصرم) في تلك الايام لابد وان اشير الى اني كنت خلال مراهقتي أعيش في بيت جدي الواقع بساحة عنتر بالاعظمية , وكان مكان نشاطنا (ألأستصرامي) يدور بمنطقة راس الحواش بالاعظمية . ومع أن (الاستصرام) لا يتحدد بوقت او فصل معين الأ انه كان يصبح نشيطا ويمارس بأقصى وتائره في ايام الربيع الجميلة ويستمر نشطا طيلة فترة الصيف التي لم تكن بتلك الفترة بسخونة صيف هذه الايام . وكانت منطقة رأس الحواش بوقتها منطقة زاهية ومتألقة , اذ كانت تمثل السوق الرئيسي لمنطقة الأعظمية وفيها عشرات البوتيكات والعربات المنصوبة على الرصيف . كانت معظم المحلات الواقعة بهذا السوق مخصصة على الاغلب لبيع لوازم الفتيات والنساء , حيث كانت البوتيكات والعربات تعج بكل ما تحتاجه الفتيات من ألبسة وأحذية وشنط وإكسسوارات وغيرها من اللوازم . كانت رأس الحواش بوقتها هي السوق الوحيدة بمنطقة الاعظمية كلها ولا توجد أي سوق تشابهها او تضاهيها بكل المنطقة , وربما حتى في المناطق المجاورة . ولهذا السبب كانت رأس الحواش سوق رائجة ونشطة ومزدحمة , وكانت تزار من قبل أغلب فتيات ونساء الاعظمية بشكل شبه يومي . ولكونها كانت كذلك فقد كانت تجذب ايضا كل شباب وفتيان الاعظمية وتحولت الى منطقة نشاط يومي لكل (صرم بارة) , ولكل من يبحث عن حب أو علاقة بفتاة قد تنتهي بزواج , او ربما بفشل كما هو الحال في اغلب الاحيان .
كانت أرواحنا بتلك الفترة تتوق بشدة للحب وأنفسنا تتطلع لتكوين علاقة , وكان التفكير بالجنس الاخر يشغل كل وقتنا ومشاعرنا . لذلك , فقد كنت يوميا وقبل حلول المغربية أخذ حمام ثم البس افضل ما عندي من ملابس واتمشى من بيت جدى بأتجاه رأس الحواش حيث التقي ببعض ابناء عمي الساكنين هناك او بعض اصدقائي من سكان المنطقة الذين تعرفت عليهم بسبب زياراتي لبيت عمي الواقع هناك . كان لبس افضل الملابس والظهور بمظهر نظيف وأنيق هو من مستلزمات الاستصرام الضرورية التي لابد لكل فتى ان يضمن وجودها فيه لكي (يستصرم) بنجاح , لهذا كنت احرص على توفرها بي بشكل أكيد , وهذا كان يدفعني لأن أكوي القميص والبنطلون الذي سأرتديه بعناية وأحرص بأن يكون مظهري مرتبا الى أقصى درجة ممكنة . كنت اكثر من ألتقي به هناك هو ابن عمي (صباح) الذي كان يكبرني بعدة سنوات , والذي كان مبدع بنشاطاته الاستصرامية حتى اني كنت أغار منه ومن شجاعته لذلك كنت بتلك الفترة اصاحبه كثيرا لأتعلم منه , وكان هو يحرص على أن يظهر أمامي بمظهر المعلم الخبير الواثق من نفسه وصاحب الخبرة والتجربة الواسعة بالفتيات والعلاقات معهن . وبالرغم من سخونة الجو كان صباح يرتدي في بعص الاحيان بدلة ذات لون جذاب لا أدري من اين يأتي بها , ثم يبدأ بممارسة النشاط الاستصرامي متقصدا بأن يظهر عضلاته وخبرته بهذا المجال على مرأى ومسمع مني .
كانت رحلة الأستصرام اليومية تبدأ في اغلب الاحيان ساعة المغرب بأكل لفة من العمبة والطماطة من أحدى العربات المتوقفة بجوار سينما الاعظمية , ننتقل بعدها الى الكشك القريب المجاور لمنطقة وقوف باصات المصلحة في مركز منطقة راس الحواش حيث نشرب زجاجة من البيبسي او السينالكو او اي مشروب لنطفيء ظمأنا بعد لفة العمبة الشهية . كان ابن عمي صباح يدخن بوقتها سيكاير (الجمهورية) الخالية من الفلتر وكان يقدم لي منها حين نشرب البيبسي لكني لم اكن احبها بل كنت أشتري من الكشك سيكارة روثمان بمبلغ عشرة فلوس لأتمتع بنكهتها اللذيذة . وبعد ان ننتهي ونكون قد أشبعنا بطوننا وتريعنا وكسكنا نفوسنا بسيكارة يصبح أحدنا كأنه طاووس جاهز لكي يتمخطر وينشر ريشه الجميل أمام أنثاه بمحاولة لجذبها وكسب حبها وأنتباهها .
تبدأ رحلة الاستصرام التي كنا نقوم بها يوميا من منطقة التقاء شارع سهام المتولي بشارع الامام الأعظم حيث نبدأ بالتمشي باتجاه ساحة الامام الأعظم , وبعد ان نقطع عدة بلوكات نعود ادراجنا باتجاه ساحة عنتر لتنتهي الرحلة في منطقة قريبة من مبنى وزارة العدل سابقا ثم نعاود الكرة من جديد . كنا بمجرد ان نرى مجموعة من الفتيات أمامنا حتى يمد كل منا يده الى شعره ليتاكد من تصفيفه وان الهواء لم يعبث به , او نلقي نظرة على ملابسنا لنرى أن كان كل شيء جاهز وعلى ما يرام . كان إبن عمي صباح حين يرى فتاة جميلة في طريقنا يبدا باطلاق بعض الكلمات بصوت عال ليجعلها تسمع ما يقوله . كان يبدوا من كلامه كأنه يخاطبني كأن يقول (ها وسام ... هاي شلون طالع اليوم .... والله طالع كيكة) , لكنه بالواقع لم يكن يقصدني ابدا بل كل غرضه إسماع الفتاة هذا الكلام . وفي بعض الاحيان كان بمجرد أن يرى فتاة ما أتية نحونا حتى يبدأ بالسير بسرعة باتجاهها ويمر بجوارها ويضربها (جتف) , اي يصدم كتفه بكتفها . كما كان حين يرى بعض الفتيات يتكدسون امام احدى العربات يأتي قرب البائع الذي كثيرا ما يكون صديقه ويقوم بمقام المساعد له لاجل ان يتحدث الى هذه او تلك . كانت الفتيات بالنسبة لنا كلهن متساويات ومتشابهات وكنا نقرن كل واحدة بشي ما تقترن به , فهذه أم الاحمر وتلك أم الأزرق وأخرى أم الطاق وهناك أم القرديلة وهكذا . بالنسبة لي انا فكنت كثيرا ما أكتفي بأن اسلط أنظاري على هذه او تلك ولا أجروء ابدا على القيام بما يقوم به أبن عمي , ربما لأني كنت اصغر منه سنا أو ربما لأني كنت بطبيعتي خجول ومتردد .
الكثير من الشباب الذين كانوا يرتادون تلك المنطقة ويقومون بنشاطات أستصرامية في تلك الايام أصبحوا فيما بعد رجالا ذوي باع في المجتمع , فصار منهم الضابط والطيار والطبيب والمهندس والوزير وغير ذلك . ومن لازلت أذكرهم بوضوح لحد الان مرافق الرئيس الاسبق صباح ميرزا والوزير الاسبق سعد قاسم حمودي والاعلامي عبد الوهاب القيسي والخبير النفطي مبدر الخضير (شقيق زوجتي) الذي كان صديقا أيضا لابن عمي صباح . ومنهم ايضا خالي سعد القيسي وأخي الكبير عصام الشالجي وجارنا الطيار عماد عزت والكثير الكثير غيرهم . كانت بحق أيام جميلة وزاهية مرت بسرعة لكنها تركت ذكرى عميقة ومؤثرة بحياتنا . وهذه صور لمنطقة رأس الحواش بالاعظمية ومحلات باتا الشهيرة الواقعة بقلبها , مع صورة لي بتلك الايام وصورة لبيت جدي بساحة عنتر يظهر بها خالي سعد القيسي وأخي عصام الشالجي  .





وسام الشالجي
28 كانون الثاني (يناير) 2018

هناك تعليقان (2) :

غير معرف يقول...

موضوع لطيف جدا. استمتعت كثيرا🥀🌹♥️🌼🌻🐥🐥🐥🐥🌹🥀♥️🌳🌿🌱🌻🌺🌼

غير معرف يقول...

رحم الله مبدر الخضير لم يكن من رواد راس الحواش ، اقول هذا لاني صديقه المقرب ، ولم يكن يتطلع لعلاقات طيارية عاطفية ، وكان جل اهتمامه في الدراسة ولو شاء فيكفيه زميلاته الجميلات في جامعة الحكمة