اخر المواضيع في المدونة

الاثنين، 11 أكتوبر 2021

لماذا ودعت الكتابة على الفيسبوك – رسالة لصديق

 

قبل مدة أرسل لي أحد الاصدقاء الأعزاء رسالة يسألني فيها عن سبب أنحسار ما أنشره على الفيسبوك وقد أجبته برسالة مطولة بعض الشيء شرحت له أسباب هذا التوقف, وقد وعدته بان أنشر مضامين الرسالة على صفحتي وفي مدونتي ليطلع عليها من يحب, وهأنذا أوفي بوعدي.

تحية طيبة يا صديقي العزيز وشكرا على سؤالك الذي يصلح لان يكون موضوع مقال قابل للنشر, وسابين لك ادناه باختصار بعض الاسباب التي جعلتني اعزف عن النشر بالفيسبوك ومبتعد الى حد ما من طرح المواضيع على صفحتي باستثناء المنشورات العامة.
حين ظهر الفيسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي طرأ على بال المثقفين بانه يمكن ان يكون واحة عظيمة للنشر وفرصة لا مثيل لها لتداول المواضيع وفتح المناقشات وتبادل الافكار، وقد كان هذا الموقع فعلا كذلك في بداياته, وقد نشر الكثير من الناس فيه مواضيع قيمة تستحق القراءة وترقى حتى لأن تكون بحوث رصينة مفيدة جدا. ولكن بعد انتشار هذه المواقع وشيوعها سارع معظم الناس للتسجيل فيها، وشيء فشيء صارت وسيلة سهلة امام الجميع للنشر فيها دون رقيب او محاسبة وحتى مراجعة مما جعل السلبيات تظهر بها تدريجيا. لقد صار من المتاح لاي شخص ان يطرح او يناقش او يدحض او يعارض اي فكرة تطرح أمامه بسهولة تامة. طبعا ليس هناك اعتراض على هذا النهج أبدا, بل بالعكس هو حالة صحية جدا لو كانت تجري بصورة صحيحة وكما ينبغي، وانا برأي الخاص أجد بأنه لو كان من المتاح بالماضي لطرح الافكار بالحرية الموجودة الأن ومناقشتها والاعتراض على كثير من الامور المتعلقة بها بسهولة لتخلصنا من الكثير من الرواسب السيئة التي ضلت عالقة في افكارنا وجعلتنا لا نسير ونتحرك ونتطور بواقعية وعلمية تتوافق مع التطور الطبيعي للدول والمجتمعات الأخرى لقرون عديدة. لكن المشكلة الكبرى الحاصلة الأن هي ان الاعتراض والمناقشة تأتي عن جهل وتعصب وقلة مرونة وعدم تقبل الرأي المقابل، او من شخص مغسول الدماغ وغير قادر أو مستعد لأن يغير ذرة من كتلة الغباء المحشية بعقله. من الأكيد بان المناقشة ستصبح عند هذه الحالة عناء وتبديد للجهود والطاقات، وحتى مضيعة للوقت.
هذه واحدة من أهم المشاكل التي ظهرت في عصر الفيسبوك، الجانب المهم الاخر الذي ظهر في أغلب منشورات هذا الموقع وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي هو الظهور الواضح والعلني لمدى الطائفية المترسخة بالمجتمع والتعصب الفئوي والتي جعلت الفرد يصبح غير موضوعي بالتعامل مع الاشياء، وصارت تنعكس على كل تصرف وكل تفكير يطرح. لقد كان هذا الامر من اكبر المعضلات التي افرزتها حرية التعبير وحرية النشر، فبعد ان ظل مثل هذا الامر لا يمارس لعقود، وحتى ان مورس فان ذلك يكون على إستحياء نجده قد كشف عن أنيابه بكل وضوح وصار يرتسم على كل شيء يطرح يتعلق بمجتمعنا, واصبح كل كلام يقال يصطبغ بلون طائفي مهما كان مضمونه. الخطير بهذا الامر ان هذه الطائفية المقيتة صارت حيزا خصبا لفتح جدالات عقيمة لا تؤدي إلى نتيجة, وعملية أدت لفقدان صداقات كثيرة استمرت لفترات طويلة دون ان تشوبها اي شائبة الى ان حلت الطائفية بالمجتمع وسادت فأنهتها بسرعة خاطفة، او على الاقل افقدتها معانيها السامية واضعفت الروابط التي كانت تسودها. واليوم لو تفتش في مضامين معظم المنشورات الموجودة بالفيسبوك أو زواياها فأنك لابد وان تجد الطائفية موجودة بها بشكل أو بأخر, بل حتى محشورة حشر بالرغم من عدم حاجة المنشور إليها.
النقطة الثالثة المهمة التي سادت في معظم منشورات الفيسبوك وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي هي تبدد الوطنية الحقة في اي طرح سواء ان كان فيما يتعلق بالوضع السياسي الحالي بالبلاد او بما يخص الانظمة السابقة التي تعاقبت على حكم العراق. ومع ان المرء حر برأيه بما يتعلق بهذه المواضيع إلا ان الملحوظ على هذا النوع من المنشورات هو فقدان الحيادية عند تحليل اي أمر او حالة تخص تلك العهود والانظمة, والتعامل معها فقط وفق مفاهيم الحب او الكره فقط وغسيل الدماغ المكتسب, مع ان أغلب المتكلمين لم يعاصروا تلك العهود ولم يعرفوها عن كثب. وعدا الجانب السياسي المتعلق بهذا الأمر فقد هيمنت ايضا بنفس الوقت الطائفية على هذه الطروحات وصارت مرة اخرى وسيلة للاصطدام باشخاص كانت تجمعنا بهم بالماضي حالة ود تسودها نوع من الوطنية المجردة، لكن الطائفية ضيعت هذه الوطنية وازالت الود الموجود مما صار يضعف من الروابط التي تجمع افراد المجتمع ببعضهم البعض.
وعدا هذا وذاك فأن حرية النشر بالفيسبوك والاعتقاد الخاطيء للكثير من الناس بانهم بظل هذه الوسيلة المتاحة اصبحوا كتاب ومؤرخين قد جعل الامور تشتبك ببعضها وصار يغلب على المنشورات فيه طابع ضياع المصداقية والابتعاد عن تداول الخبر الحقيقي. لقد اصبحت الاخبار المزورة والكاذبة تشيع بالفيسبوك حتى ضاع الاخضر بسعر اليابس، وفقدت الكلمة الرصينة المكانة التي تستحقها وحل محلها الكلام الرخيص والمبتذل. بل اصبح الفيسبوك موقع مضحك يكشف بوضوح مدى تدني مستوى ثقافة بعض الأشخاص وضحالة التعليم الذي اكتسبوه. وبالاضافة الى كل ما تقدم فقد شاعت السخافة على منشورات الفيسبوك واصبح الناس يتعبدون ويخاطبون الله بالفيسبوك، بل صار البعض يتخاطبون فيما بينهم علنا بهذا الموقع ويحكون للناس عن ما يعملوه في يومهم وحتى احلامهم، ويحيون بعضهم بالصباح والمساء وايام الجمع وايام الخميس وغير ذلك من الاشياء التي لا تهم احد غيرهم.
هذا بعض مما جعلني ابتعد عن هذا الوسط واتوقف عن النشر فيه شاكرا تفهمك, واسف على الاطالة.
 
الدكتور وسام الشالجي