اخر المواضيع في المدونة

الاثنين، 15 أكتوبر 2018

هل ما حدث في يوم 14 تموز عام 1958 بالعراق ثورة ام انقلاب ام حركة

يختلف الكثيرون في اطلاق الكلمة المناسبة للتعبير عن حدث يعد الأخطر في تاريخ العراق الحديث ، ذلك هو الحدث الذي جرى يوم ١٤ تموز ١٩٥٨ . يطلق المؤيدون لما حدث بذلك اليوم كلمة "ثورة" عليه ، بينما يسميه من يعارضون ما جرى بذلك اليوم بأنه "انقلاب" ، وهناك بعض اخر ممن تتملكهم الحيرة في وصف ذلك اليوم فيكتفون بإطلاق لفظة "حركة" في وصفه كنوع من الاعتراف بقيام حراك ما لكن مع التحفظ على دوافعه ونتائجه . ولكي نستقر على رأي في وصف ذلك اليوم الذي هو بكل الأحوال يوم تاريخي لابد من العودة للمعاجم المتوفرة عن المصطلحات العربية لمعرفة تعاريف هذه الألفاظ المختلفة لكي نهتدي بعدها الى الركون الى الوصف الصحيح بعد ان نستطلع احداث كل ما جرى بذلك اليوم الصاخب . 
تعرف كلمة "ثورة" باللغة العربية بانها تغيير جذري وأساسي وشامل على طبيعة النظام السياسي والاجتماعي القائم في دولة ما . ويقوم عادة الشعب هو بالثورة ، لكن يمكن ان يقوم بها بعض الاشخاص على ان تحظى بتأييد شعبي واسع وظاهر وحاسم . ليس من الضروري ان تكون الثورة على حق فهناك الكثير من الثورات التي حدثت بالتاريخ كانت اغراضها غير حسنة ولا تستند على أسس صائبة . كما ان الممكن ان تحدث الثورة في كيانات غير سياسية ، كأن تكون في ميدان الصناعة او الزراعة او العلم وغيرها لكنها يجب ان تحافظ على خاصية التغيير الاساسي والشامل في جميع الأحوال . اما كلمة "انقلاب" فتعرف بالمعاجم العربية بانها كل تغيير سياسي في نظام الحكم ناتج عن الاستيلاء على السلطة بالقوة وباساليب غير قانونية ولا دستورية . ويقوم عادة بالانقلاب رجال عسكريون يتوفر لديهم عنصر القوة مما يتيح لهم طرد الحكام الشرعيين والحلول محلهم . ولا يشترط في الانقلاب وجود تأييد شعبي له ، كما انه لا يشترط ايضا حصول تغيير جذري واساسي في طبيعة النظام القائم ، فالانقلاب يمكن ان ترافقه بعض التغييرات لكنها عادة تبقى محدودة وغير أساسية ، بل يمكن ان لا يرافقه اي تغيير باستثناء تغيير الوجوه الحاكمة . اما مصطلح "حركة" فانها تطلق على اي مجموعة سياسية او اجتماعية تحاول ان تغير بعض المفاهيم والاعراف السائدة . وتختلف الحركة عن الحزب بان الاولى تلجأ الى تنفيذ اهدافها عن طريق اقناع الرأي العام بمطالبها من خلال المظاهرات والحراك الشعبي والاجتماعات الجماهيرية ، بينما تلجأ الاحزاب الى احداث التغيير من خلال المشاركة السياسية والتنظير وبث العقائد . 
ولو نظرنا الى ما حدث في يوم ١٤ تموز عام ١٩٥٨ بالعراق بدقة وعناية لوجدناه يتمثل في قيام محاولة لتغيير نظام الحكم بالقوة وليس من خلال الوسائل القانونية والدستورية ، وقد قام بهذا العمل مجموعة من الضباط والعسكريين الذين يتمتعون بقوة عسكرية كافية لتحقيق اهدافهم وأغراضهم . هذا ما كان في بداية الحدث لكنه اسفر بعد وقوعه الى قيام تأييد شعبي عارم لما قام به هؤلاء الضباط غير تماما من طبيعة الحدث وقلب شكله رأسا على عقب . كما ان وقوع هذا الحدث نتج عنه فيما بعد الى حصول تغيير جذري وأساسي في كل طبيعة النظام ، بما في ذلك تركيبته وإتجاهاته وأساليبه ووسائله وغيرها . ولو طبقنا المساطر التعريفية التي جاءت اولا في بداية هذا المقال على الحدث الذي قام يوم ١٤ تموز عام ١٩٥٨ بالعراق لوجدناها تضعه في فئة (الانقلاب) في ساعاته الاولى ، لكنها تعود وتضعه في فئة (الثورة) بعد ان صار يتمتع بالتأييد الجماهيري الواسع وشرع بتغيير كل دقائق وجزئيات ومفاصل النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي كان قائما ويحلل محلها مفردات جديدة غيرت من هوية الدولة ونظامها بشكل اساسي وشامل . اما مفهوم (الحركة) فلا ينطبق على ما حدث في ذلك اليوم مطلقا لا من قريب ولا من بعيد .
قد تكون هذه النتيجة صادمة ومخيبة لمحبي الملكية ومؤيديها لانها تعترف صراحة بان ما جرى يوم ١٤ تموز قد صار (ثورة) وليس (انقلاب) وهو الامر الذي يحاولون ان ينكروه باستمرار . ان الشجاعة تقتضي بالاعتراف بهذا الامر وعدم نكرانه ومحاولة البحث والتقصي عن الاسباب التي أدت الانقلاب لأن يصبح ثورة نتيجة للتأييد الشعبي الحاسم الذي ناله بعد وقوعه . ان من المؤكد بان هذا التأييد الشعبي الكبير الذي وقع بشكل عفوي للانقلاب الذي جرى بذلك اليوم وحوله الى ثورة ورائه أسباب كبيرة دفعت لوقوعه . ان فشل اي نظام سياسي يستدعي من القائمين عليه , أو ورثته ومن مؤيديه ومحبيه لان يبحثوا عن اسباب فشله ويعدوا العدة لتجاوز الاخطاء التي أدت اليها لغرض تقاديها وتجاوزها فيما لو وصلوا للحكم مرة اخرى . اما البقاء في حالة نكران الواقع واطلاق الاسماء التي لا تعبر عن الحقيقة وتوهم اشياء غير صحيحة فأنه ليس غير عمل يشبه طمر النعامة لرأسها في التراب حين تشعر بالخطر وتظن بان العدو لم يعد يراها .




وسام الشالجي
١٥ تشرين اول (اكتوبر)