1- اتهام النظام الملكي بالطائفية والانحياز الى السنة :
دأب الكثير من الناس على اتهام النظام الملكي بانه كان نظاما طائفيا منحازا الى الطائفة السنية ومعادي للطائفة الشيعية . ومن بين ما يستدل به هؤلاء هو ان الوظائف العامة في الدولة , ابتداء من الوظائف الصغيرة صعودا الى منصب رئيس الوزراء , بالاضافة الى ضباط الجيش كانت تعهد على الاغلب الى اشخاص سنة وليسوا شيعة . في الحقيقة ان هذا الادعاء غير صحيح ومغاير تماما للحقيقة وان النظام الملكي لم يكن منحازا الى جهة ما بل كان يعامل جميع العراقيين بشكل متساوي . كان السبب الرئيسي وراء هذه الظاهرة هي القطيعة التي حصلت بين الدولة من جانب والطائفة الشيعية من جانب اخر ، لكن يجب علينا ان نعرف بان هذه المقاطعة للدولة كانت حقيقة من جانب الشيعة وليست من جانب الدولة . فبعد قيام الحكم الملكي بسنة تقريبا سحب العلماء الشيعة تأييدهم من الملك فيصل الاول , حيث قام الشيخ الخالصي بعد سنة من مبايعة الملك بسحب البيعة منه علنا ومعارضته له بقوة . كما قام العلماء الأصفهاني والخالصي والنائيني في وقتها بأصدار فتاوي تحرم الدخول في مدارس الدولة والانخراط بوظائفها وجيشها , حيث اعتبروا قبول اي منصب حكومي يعد عملا من أعمال التعاون مع الكفار , كما قالوا بأن "كل وظيفة هي مفسدة ومعناها تقوية الاستعمار وعملائه” . من ناحية اخرى فقد اصدر الشيخ الخالصي فتوى حرم فيها المشاركة بالانتخابات لانها تقام برعاية الانكليز ولخدمة الاستعمار وعملائه . ظل اثر هذه الفتاوي نافذا تقريبا طيلة فترة العهد الملكي مما ادى الى حرمان معظم الشيعة من التعليم ومن تقلد المناصب الحكومية ومنعتهم من الاشتراك بالانتخابات وبالتالي لم ينالوا المناصب الرفيعة التي كانت تسير النظام والدولة , وهو نفس الخطأ الذي وقع فيه السنة بعد عام 2003 . لقد كان النظام الملكي يرسل الى الخارج بعثات دراسية منتظمة يقبل فيها كل متعلم مؤهل مهما كان مذهبة ودينه . ان خير مثال على ذلك هو الاستاذ شيت نعمان الذي يعد ابو الصناعة بالعراق والذي كان مسيحيا وقد بعث الى الخارج منذ العام 1926 . ومثال اخر هو الدكتور علي الوردي رائد علم الاجتماع بالعراق الذي ارسل ببعثة الى اميركا وهو شيعي من الكاظمية . وحتى في الجيش فهناك الكثير من الضباط الشيعة قد انخرطوا بالجيش منذ اوائل دوراته بالكلية العسكرية , وخير مثال على ذلك فاضل عباس المهداوي رئيس المحكمة العسكرية العليا الخاصة وماجد امين المدعي العام فيها والذين كانوا ضباط شيعة . كما كان ملوك العراق لا تفوتهم مناسبة في زيارة المراقد الدينية الشيعية ورعايتها وتطويرها , كما كانت الطقوس ولشعائر الحسينية تقام في كل مناطق العراق وبرعاية من قبل الدولة . ان اتهام الحكم الملكي بالطائفية والانحياز الى السنة تهم باطلة وغير صحيحة ولا تمت للواقع بصلة .
2- الاتهام بالفساد واستغلال المال العام للمنافع الشخصية :
كانت العبارة الاولى من بيان حركة 14 تموز 1958 هي " أيها الشعب الكريم بعد الإتكال على الله وبمؤازرة المخلصين من أبناء الشعب والقوات الوطنية المسلحة، أقدمنا على تحرير الوطن العزيز من سيطرة الطغمة الفاسدة التي نصبها الاستعمار لحكم الشعب والتلاعب بمقدراته وفي سبيل المنافع الشخصية ." يلاحظ من هذه العبارة ان التهمة الاولى التي جاءت بها الحركة ضد النظام التي ثارت عليه هي (الفساد) . ويعرف الفساد باللغة العربية بانه "اللهو واللعب وأخذ المال ظلماً من دون وجه حق لاجل المنافع الشخصية" , وطبعا المال المقصود هنا هو المال العام العائد للدولة والشعب . ولو كان من قاموا بتلك الحركة الان احياء وسئلوا سؤالا صريحا بان يبينوا اوجه الفساد التي رأوها وثبتوها ضد النظام الملكي بما دفعهم للثورة عليه لما استطاعوا قط ان يجيبوا على هذا السؤال , ولما تمكنوا من ان يذكروا حادثة واحدة تبين بان اي من اركان النظام الملكي قد سرق فعلا المال العام او استفاد منه لمنافعه الشخصية . كما ان اي منهم لم يظهر ابدا في موقف يتثر الريبة في سلوكه او كان يمارس اللهو واللعب او عنده عادات سيئة . لقد مات معظم رجالات العهد الملكي وهم لا يملكون دورا او حسابات بنكية ولا اموال او بيوت او ضيعات بالخارج . بل ان بعضهم ممن اضطرته الظروف الى السفر للخارج لم يجد ما يعتاش عليه , كما كان الحال باسرة المرحوم نوري السعيد في لندن . ان وجود مثل هذه الكذبة الكبيرة في بداية بيان الثورة الاول يدلل على ان كل ما جاء بعدها وتم ترديده على الالسن فيما بعد كان كذب في كذب . لقد كانت الاسرة المالكة الحاكمة اسرة شريفة ومن نسب شرف , وهي اكبر واعلى من ان تمد يدها على المال العام او تستغل مناصبها لتحقيق غايات ومنافع شخصية , وما بساطة حياتها وبساطة القصر الذي كانت تعيش فيه الا دليل على نزاهتهم وامانتهم .
3- الظلم :
اعتادت جميع الانظمة التي جاءت نتيجة للانقلابات العسكرية في دول العالم الثالث على اتهام الانظمة التي انقلبت عليها بانها كانت انظمة ظالمة أذت الشعوب ودمرت الاوطان . ان من الطبيعي ان لاتجد مثل تلك الانقلابات من تهم سهلة توجهها لمن سلفها بالحكم غير الظلم . ونفس الشيء جاءت به حركة 14 تموز حين حصلت فقد اتهمت النظام الملكي بانه كان نظاما ظالما تقوده طغمة باغية استهترت بحقوق الشعب والوطن , علاوة عى اتهامه بتهم اخرى كالفساد والعمالة للاجنبي وخيانة القضايا المصيرية . ولو تفحصنا طبيعة النظام الملكي لوجدناه نظاما ديمقراطيا دستوريا السلطة فيه للأحزاب التي تفوز بالانتخابات ولا يمثل الملك الا سيادة البلاد وليس لديه من منصب تنفيذي غير قيادة الجيش والقوات المسلحة . كما ان الفصل بين السلطات كان كليا وكان القضاء مستقلا بصورة تامة . كانت الاحكام اصولية وتجري وفق قوانين سارية وليس هناك من سلطة فوق سلطة القانون . كما ان حق التظاهر وانتقاد الحكومة ومعارضتها بالعلن كان مكفولا للجميع , وكم شهد البلد من مظاهرات صاخبة ضد الحكومة واجراءاتها . ولو راجعنا عدد من اعدموا خلال سبعة وثلاثين سنة من عهد الحكم الملكي لوجدناه لا يزيد عن عشرة الا بقليل معظمهم نفذ بهم هذا الحكم بسبب محاولتهم الانقلاب على نظام الحكم بالقوة . اما اذا انتقلنا الى العهود الجمهورية التالية لوجدنا بانه لم تعد من اوجه للمقارنة بينها وبين العهد الملكي مطلقا . فعدد من كان يعدم بسبب معارضته السلطة او محاولة الانقلاب على الحكم يمكن ان يبلغ عشرات الالوف , كما كان الحال في العهد السابق . ليس هذا فقط بل معارضة النظام اصبحت تعتبر جريمة لا تغتفر لا تصل الى مستواها حتى جريمة الكفر . رحم الله رجال العهد الملكي , ورحم الله عهدهم الذي يصح ان يقال عليه (جرب كلب غيري حتى تشوف خيري ) .
4- محاباة الاغنياء ومعاداة الفقراء :
اتهم النظام الملكي من قبل العهود التي تلته بانه كان نظام يحابي الاغنياء ويحصر السلطة والمناصب العليا بالدولة فيهم , بينما يحرم جموع الشعب التي تعاني من الفقر والحرمان من تقلد اي منصب . ولتفنيد هذه التهمة يجب ان ننظر اليه بموضوعية ودقة تحتم علينا بان نعترف اولا بان المجتمع العراقي ايام العهد الملكي كان نظاما طبقيا , ولكن هذا لم يكن عيبا في النظام نفسه بل كان كذلك حاله من حال جميع الانظمة الليبرالية بالعالم ، ولم يكن يختلف عنه الا الانظمة الشيوعية . لقد خلق الله البشرية بشكل طبقات متباينة في امكانياتها وثرائها , وهذا موجود بنصوص ثابته في جميع الاديان السماوية , وقد اقره الله تعالى بقوله (يرزق من يشاء بغير حساب) , مما يعني بان هناك من سيصبح غنيا وهناك من سيبقى فقيرا . ويجب ان نقر ايضا بان الثراء الذي نالته شريحة من الناس بالعهد الملكي لم يكن نتيجة لهبات منحتها لهم الدولة , بل كان ثراء من صنع اصحابه بمثابرتهم وعرقهم وكفاحهم بهذه الحياة , او نتيجة لاصول مادية موروثة , او بسبب وجود ظروف معينة في ازمان سابقة ادت الى الوصول الى هذا الثراء . ولان الاغنياء متمكنين وميسوري الحال فان من الطبيعي ان نجد ان الشخصيات المتعلمة والمثقفة تظهر من بينهم لما يتوفر لهم من امكانية على التعلم في المدارس والمعاهد والكليات , بينما لا تتوفر للفقراء الا فرص نادرة للوصول الى مثل هذه الغاية , ليس بسبب عدم وجود الامكانية فقط بل بسبب انسحاق تلك الطبقات وانصراف معظم ابنائها الى ممارسة العمل بدل الدراسة منذ الصغر لاعالة انفسهم او اهلهم . ان الصراع بين الاغنياء والفقراء او الصراع الطبقي هو صراع ازلي وجد منذ ان وجدت البشرية , فلطالما اتهم الفقراء الاغنياء على مدى عصور التاريخ بانهم اثروا على حسابهم او بسبب استغلالهم او نتيجة لظلم تعرضوا له من قبلهم . لكن السبب الحقيقي في وجود اغنياء وفقراء ليس بالضرورة هو هذا السبب فعلا , بل ان الكثير من اسبابه ترجع الى ان البشر مختلفين في امكانياتهم وقدراتهم , والدليل على هذا هو ان التعليم حين توفر للجميع ظلت هناك فئة صغيرة من الناس تستطيع ان توظفه للوصول الى الثراء والنجاح , بينما بقيت الاغلبية بالمستوى العادي الشائع . لقد كان النظام الملكي نظاما حريصا على المصلحة العامة وامينا في اختياره لمن يشغل منصب ما لانه كان يريد ان يخلق دولة عصرية متطورة بسرعة بعد قرون من التخلف , وقد حقق فعلا نجاحا كبيرا في طريق البناء والتقدم خلال عمره القصير . لذلك , فحين تأسست الدولة العراقية واخذت تبني مؤسساتها كان لابد لها بان تختار اشخاص متعلمين ومثقفين يمكن ان يتحملوا مسؤولية المناصب المهمة بالدولة , وهي لم تجد مثل هؤلاء الا بين الطبقات الميسورة في المجتمع . غير ان الدولة ادركت في ذات الوقت بان الفقراء كانوا محرومين من فرصهم بالحياة خصوصا التعلم لذلك فتحت المدارس في كل مناطق العراق وهيأت الفرص لاستقبال الجميع واخذت تبعث الموهوبين الى الخارج بغض النظر عن اصولهم العائلية او المادية . كما انها اخذت تبني لهم المساكن وتحسن من احوالهم الاجتماعية والصحية ، ولو قارنا حال الشرائح الفقيرة عند تاسيس الدولة العراقية وعند سقوط النظام الملكي لوجدنا فروقا هائلة بين الحالتين ، وبعد تغير النطام الملكي سقطت القواعد الاساسية التي كانت متبعة في اختيار الاشخاص لتبوأ المناصب العامة وصعد شعيط ومعيط اليها فقط كرد على كون تلك المناصب كانت محصورة بالاغنياء . ولو اخذنا ما حصل في العهود الجمهورية من خراب وانحطاط لما وجدنا من سبب له غير صعود الشخصيات الفاشلة والغير مؤهلة لتبوأ مناصب الدولة الرئيسية . كما ان سياسات الانتقام من الشخصيات التي كانت تحكم ربما كان سببه يرجع الى النزاع الطبقي اكثر من اي سبب اخر ، والا بماذا نفسر الاعمال الشنيعة التي اتخذت بحق رجال العهد الملكي .
5- اسقاط حركة رشيد عالي الكيلاني واعدام قادتها :
كان من بين النقاط التي اتهمت بها حركة 14 تموز 1958 النظام الملكي هي اسقاط حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 واعدام العقداء الاربعة الذين قادوا الحركة . ولكي نلقي الضوء على هذه التهمة ونفندها لابد من العودة قليلا الى الظروف التي رافقت اندلاع حركة رشيد عالي الكيلاني . خلال عقد الثلاثينات كانت الحركة النازية كحركة قومية عنصرية تنمو في المانيا وتحقق انجازات كبيرة تشد الانتباه وتهمين على الانظار في جميع انحاء العالم . وفي تلك الاثناء كان هناك تذمر كبير في اوساط المجتمع العراقي , وبالذات في صفوف الضباط من الهيمنة البريطانية والمعاهدات التي ظلت تكبل العراق بها . افرزت هذه التناقضات في اوخر الثلاثينات عن نشوء كتلتين سياسيتين , الاولى تسمى مجموعة السبعة برئاسة نوري السعيد تؤيد بريطانيا , والثانية هي المربع الذهبي برئاسة رئيس اركان الجيش والعقداء الاربعة الذي يؤيد المانيا النازية . وقد ازدادت التوترات بين هاتين الكتلتين بعد مقتل الملك غازي عام 1939 الذي اتهمت بريطانيا وحلفائها مثل عبد الاله ونوري السعيد بتدبيره , وكذلك اغتيال وزير المالية رستم حيدر الذي اتهمت الكتلة الثانية بتدبيره . وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية كان نوري السعيد رئيسا للوزراء مما دعاه الى القيام باجراءات تساند دول الحلفاء عملا بالمعاهدات المعقودة بين العراق وبريطانيا . انطلقت اصوات معارضة شديدة لهذه الاجراءات مما ادى الى استقالة نوري السعيد وتولي رشيد عالي الكيلاني رئاسة الوزراء والذي كان يميل الى المانيا , وبالتالي هيمنة مجموعة المربع الذهبي على الامور في البلاد . على اثر ذلك هرب الوصي عبد الاله ونوري السعيد من العراق , بينمااعلنت الحركة الجديدة انسحاب العراق من تحالفه مع بريطانيا بموجب معاهدة 1930 وانضمامه الى معسكر دول المحور . وبسبب هذه التطورات قامت الحركة بارسال قوات الجيش العراقي الى قاعدة الحبانية لمحاربة القوات البريطانية الموجودة فيها . اعتبرت بريطانيا هذا التحول انعظاف خطير في مجرى الحرب مما جعلها تعزز قواتها في الحبانية عن طريق الجو بالاضافة الى تقدم قوات بريطانية من الاردن نحو العراق . اندلعت العمليات العسكرية في مايس 1941 وانكسر الجيش العراقي وانهزمت قواته متقهقرة الى بغداد تبعتها القوات البريطانية . على ضوء هذا الانكسار هرب رشيد عالي الكيلاني والعقداء الاربعة الى خارج العراق ودخلت القوات البريطانية بغداد واعادت الوضي ونوري السعيد الى سدة الحكم . وقبل تقييم هذه الحركة وملاحظة اثارها وتداعياتها لابد من ان ننظر بعناية الى النقاط التالية:
أ – ان وطنية حركة رشيد عالي الكيلاني والعقداء الاربعة مشكوك فيها بدليل انهم كانوا لا يمانعون من استبدال الهيمنة البريطانية بالهيمنة الالمانية .
ب- ان التسرع باعلان الحرب على بريطانيا وهي دولة عظمى يدلل على تهور هؤلاء الضباط وضعف حنكتهم العسكرية وعدم تقديرهم لقوة الجيش العراقي مما ادى الى انكساره بسرعة وهزيمته .
ج- ان الهرب من بغداد بعد اقتراب القوات البريطانية هو دلالة اخرى على عدم تمتع مثل هؤلاء القادة باي شرف عسكري او وطنية لانهم تركوا جيشهم ينكسر ويهزم بينما هربوا هم من ساحة المعركة .
د- من الواضح بان قادة الحركة كان اقصى ما يهمهم هو الوصول للسلطة والهيمنة عليها وقد اخطأوا بحساباتهم حين ظنوا بان المانيا ستلقي بكل ثقلها الى جانبهم , خصوصا بعدما رأوا الانتصارات الكبيرة التي حققها الالمان في بداية الحرب مما جعلهم يظنوا بانه سيكسبون صراعهم مع بريطانيا وبالتالي الحصول على كامل السلطة والسيطرة على البلد .
ه – استغلت حركة 14 تموز 1958 هذه المسألة فقط لكسب تأييد الناس لها لان جماهير كثيرة كانت تتعاطف مع حركة رشيد عالي الكيلاني في وقتها . لكن لم تمر سوى عدة اشهر حتى اتضح وجه حركة تموز الشيوعي وكره قادتها لرجال حركة الكيلاني النازية , حتى وصل بهم الامر الى اعتقال رشيد عالي الكيلاني نفسه واحالته الى المحاكمة بتهمة التأمر على حركة تموز والحكم عليه بالاعدام .
و- ان الحكم بالاعدام على قادة الحركة لم يكن ظلما بل كان عاملا عادلا لانه جرى بموجب القوانين العراقية السارية التي تقضي باتخاذ اقصى العقوبات وفرض اجراءات حاسمة على الاشخاص الذين يهددون سلامة البلد في مثل هذه الظروف الحساسة , خصوصا وان هؤلاء حاولوا تغيير الاوضاع بالقوة وادخلوا البلاد في صراع هي ليست طرف فيه وبالتالي عرضوا سلامة الوطن للخطر وهذه تعبر خيانة كبرى في ظروف الحرب . كما ان الحكم جرى بمحاكمات اصولية وحسب القوانين النافذة . ان اجراءات الحكومة في حينها تكاد لا تقارن مع أجراءات حكومات العهد الجمهوري في حالات مشابهة , فمع اول محاولة انقلابية جرت ضد حركة تموز تم اعدام العشرات وجرى قتل المئات بظروف استثنائية . اما اذا اخذنا ما جرى بالعهد السابق في حالات مماثلة لوجدنا بانه تم تصفية مئات الالوف فقط خلال احداث عام 1991 وحدها , مما يجعل اعدام اربعة ضباط هو ليس الا نقطة في بحر اذا ما اخذ الامر بالمقارنة .
ز- المأخذ الوحيد الذي يمكن ان يؤخذ على النظام الملكي هو ترك جثة صلاح الدين الصباغ معلقة امام وزارة الدفاع ليوم كامل بعد تنفيذ حكم الاعدام به وهو خطأ كبير وقعت به الحكومة وما كان له من مسوغ . وحتى مثل هذا الفعل الخاطيء قد جرى ما هو اسوأ منه في العهود الجمهورية كما حدث بسحل جثث المرحومين عبد الاله ونوري السعيد وغيرهم بعد حركة 14 تموز 1958 , وتعليق جثث الجواسيس ببغداد والبصرة عام 1969 في الساحات العامة .
دأب الكثير من الناس على اتهام النظام الملكي بانه كان نظاما طائفيا منحازا الى الطائفة السنية ومعادي للطائفة الشيعية . ومن بين ما يستدل به هؤلاء هو ان الوظائف العامة في الدولة , ابتداء من الوظائف الصغيرة صعودا الى منصب رئيس الوزراء , بالاضافة الى ضباط الجيش كانت تعهد على الاغلب الى اشخاص سنة وليسوا شيعة . في الحقيقة ان هذا الادعاء غير صحيح ومغاير تماما للحقيقة وان النظام الملكي لم يكن منحازا الى جهة ما بل كان يعامل جميع العراقيين بشكل متساوي . كان السبب الرئيسي وراء هذه الظاهرة هي القطيعة التي حصلت بين الدولة من جانب والطائفة الشيعية من جانب اخر ، لكن يجب علينا ان نعرف بان هذه المقاطعة للدولة كانت حقيقة من جانب الشيعة وليست من جانب الدولة . فبعد قيام الحكم الملكي بسنة تقريبا سحب العلماء الشيعة تأييدهم من الملك فيصل الاول , حيث قام الشيخ الخالصي بعد سنة من مبايعة الملك بسحب البيعة منه علنا ومعارضته له بقوة . كما قام العلماء الأصفهاني والخالصي والنائيني في وقتها بأصدار فتاوي تحرم الدخول في مدارس الدولة والانخراط بوظائفها وجيشها , حيث اعتبروا قبول اي منصب حكومي يعد عملا من أعمال التعاون مع الكفار , كما قالوا بأن "كل وظيفة هي مفسدة ومعناها تقوية الاستعمار وعملائه” . من ناحية اخرى فقد اصدر الشيخ الخالصي فتوى حرم فيها المشاركة بالانتخابات لانها تقام برعاية الانكليز ولخدمة الاستعمار وعملائه . ظل اثر هذه الفتاوي نافذا تقريبا طيلة فترة العهد الملكي مما ادى الى حرمان معظم الشيعة من التعليم ومن تقلد المناصب الحكومية ومنعتهم من الاشتراك بالانتخابات وبالتالي لم ينالوا المناصب الرفيعة التي كانت تسير النظام والدولة , وهو نفس الخطأ الذي وقع فيه السنة بعد عام 2003 . لقد كان النظام الملكي يرسل الى الخارج بعثات دراسية منتظمة يقبل فيها كل متعلم مؤهل مهما كان مذهبة ودينه . ان خير مثال على ذلك هو الاستاذ شيت نعمان الذي يعد ابو الصناعة بالعراق والذي كان مسيحيا وقد بعث الى الخارج منذ العام 1926 . ومثال اخر هو الدكتور علي الوردي رائد علم الاجتماع بالعراق الذي ارسل ببعثة الى اميركا وهو شيعي من الكاظمية . وحتى في الجيش فهناك الكثير من الضباط الشيعة قد انخرطوا بالجيش منذ اوائل دوراته بالكلية العسكرية , وخير مثال على ذلك فاضل عباس المهداوي رئيس المحكمة العسكرية العليا الخاصة وماجد امين المدعي العام فيها والذين كانوا ضباط شيعة . كما كان ملوك العراق لا تفوتهم مناسبة في زيارة المراقد الدينية الشيعية ورعايتها وتطويرها , كما كانت الطقوس ولشعائر الحسينية تقام في كل مناطق العراق وبرعاية من قبل الدولة . ان اتهام الحكم الملكي بالطائفية والانحياز الى السنة تهم باطلة وغير صحيحة ولا تمت للواقع بصلة .
2- الاتهام بالفساد واستغلال المال العام للمنافع الشخصية :
كانت العبارة الاولى من بيان حركة 14 تموز 1958 هي " أيها الشعب الكريم بعد الإتكال على الله وبمؤازرة المخلصين من أبناء الشعب والقوات الوطنية المسلحة، أقدمنا على تحرير الوطن العزيز من سيطرة الطغمة الفاسدة التي نصبها الاستعمار لحكم الشعب والتلاعب بمقدراته وفي سبيل المنافع الشخصية ." يلاحظ من هذه العبارة ان التهمة الاولى التي جاءت بها الحركة ضد النظام التي ثارت عليه هي (الفساد) . ويعرف الفساد باللغة العربية بانه "اللهو واللعب وأخذ المال ظلماً من دون وجه حق لاجل المنافع الشخصية" , وطبعا المال المقصود هنا هو المال العام العائد للدولة والشعب . ولو كان من قاموا بتلك الحركة الان احياء وسئلوا سؤالا صريحا بان يبينوا اوجه الفساد التي رأوها وثبتوها ضد النظام الملكي بما دفعهم للثورة عليه لما استطاعوا قط ان يجيبوا على هذا السؤال , ولما تمكنوا من ان يذكروا حادثة واحدة تبين بان اي من اركان النظام الملكي قد سرق فعلا المال العام او استفاد منه لمنافعه الشخصية . كما ان اي منهم لم يظهر ابدا في موقف يتثر الريبة في سلوكه او كان يمارس اللهو واللعب او عنده عادات سيئة . لقد مات معظم رجالات العهد الملكي وهم لا يملكون دورا او حسابات بنكية ولا اموال او بيوت او ضيعات بالخارج . بل ان بعضهم ممن اضطرته الظروف الى السفر للخارج لم يجد ما يعتاش عليه , كما كان الحال باسرة المرحوم نوري السعيد في لندن . ان وجود مثل هذه الكذبة الكبيرة في بداية بيان الثورة الاول يدلل على ان كل ما جاء بعدها وتم ترديده على الالسن فيما بعد كان كذب في كذب . لقد كانت الاسرة المالكة الحاكمة اسرة شريفة ومن نسب شرف , وهي اكبر واعلى من ان تمد يدها على المال العام او تستغل مناصبها لتحقيق غايات ومنافع شخصية , وما بساطة حياتها وبساطة القصر الذي كانت تعيش فيه الا دليل على نزاهتهم وامانتهم .
3- الظلم :
اعتادت جميع الانظمة التي جاءت نتيجة للانقلابات العسكرية في دول العالم الثالث على اتهام الانظمة التي انقلبت عليها بانها كانت انظمة ظالمة أذت الشعوب ودمرت الاوطان . ان من الطبيعي ان لاتجد مثل تلك الانقلابات من تهم سهلة توجهها لمن سلفها بالحكم غير الظلم . ونفس الشيء جاءت به حركة 14 تموز حين حصلت فقد اتهمت النظام الملكي بانه كان نظاما ظالما تقوده طغمة باغية استهترت بحقوق الشعب والوطن , علاوة عى اتهامه بتهم اخرى كالفساد والعمالة للاجنبي وخيانة القضايا المصيرية . ولو تفحصنا طبيعة النظام الملكي لوجدناه نظاما ديمقراطيا دستوريا السلطة فيه للأحزاب التي تفوز بالانتخابات ولا يمثل الملك الا سيادة البلاد وليس لديه من منصب تنفيذي غير قيادة الجيش والقوات المسلحة . كما ان الفصل بين السلطات كان كليا وكان القضاء مستقلا بصورة تامة . كانت الاحكام اصولية وتجري وفق قوانين سارية وليس هناك من سلطة فوق سلطة القانون . كما ان حق التظاهر وانتقاد الحكومة ومعارضتها بالعلن كان مكفولا للجميع , وكم شهد البلد من مظاهرات صاخبة ضد الحكومة واجراءاتها . ولو راجعنا عدد من اعدموا خلال سبعة وثلاثين سنة من عهد الحكم الملكي لوجدناه لا يزيد عن عشرة الا بقليل معظمهم نفذ بهم هذا الحكم بسبب محاولتهم الانقلاب على نظام الحكم بالقوة . اما اذا انتقلنا الى العهود الجمهورية التالية لوجدنا بانه لم تعد من اوجه للمقارنة بينها وبين العهد الملكي مطلقا . فعدد من كان يعدم بسبب معارضته السلطة او محاولة الانقلاب على الحكم يمكن ان يبلغ عشرات الالوف , كما كان الحال في العهد السابق . ليس هذا فقط بل معارضة النظام اصبحت تعتبر جريمة لا تغتفر لا تصل الى مستواها حتى جريمة الكفر . رحم الله رجال العهد الملكي , ورحم الله عهدهم الذي يصح ان يقال عليه (جرب كلب غيري حتى تشوف خيري ) .
4- محاباة الاغنياء ومعاداة الفقراء :
اتهم النظام الملكي من قبل العهود التي تلته بانه كان نظام يحابي الاغنياء ويحصر السلطة والمناصب العليا بالدولة فيهم , بينما يحرم جموع الشعب التي تعاني من الفقر والحرمان من تقلد اي منصب . ولتفنيد هذه التهمة يجب ان ننظر اليه بموضوعية ودقة تحتم علينا بان نعترف اولا بان المجتمع العراقي ايام العهد الملكي كان نظاما طبقيا , ولكن هذا لم يكن عيبا في النظام نفسه بل كان كذلك حاله من حال جميع الانظمة الليبرالية بالعالم ، ولم يكن يختلف عنه الا الانظمة الشيوعية . لقد خلق الله البشرية بشكل طبقات متباينة في امكانياتها وثرائها , وهذا موجود بنصوص ثابته في جميع الاديان السماوية , وقد اقره الله تعالى بقوله (يرزق من يشاء بغير حساب) , مما يعني بان هناك من سيصبح غنيا وهناك من سيبقى فقيرا . ويجب ان نقر ايضا بان الثراء الذي نالته شريحة من الناس بالعهد الملكي لم يكن نتيجة لهبات منحتها لهم الدولة , بل كان ثراء من صنع اصحابه بمثابرتهم وعرقهم وكفاحهم بهذه الحياة , او نتيجة لاصول مادية موروثة , او بسبب وجود ظروف معينة في ازمان سابقة ادت الى الوصول الى هذا الثراء . ولان الاغنياء متمكنين وميسوري الحال فان من الطبيعي ان نجد ان الشخصيات المتعلمة والمثقفة تظهر من بينهم لما يتوفر لهم من امكانية على التعلم في المدارس والمعاهد والكليات , بينما لا تتوفر للفقراء الا فرص نادرة للوصول الى مثل هذه الغاية , ليس بسبب عدم وجود الامكانية فقط بل بسبب انسحاق تلك الطبقات وانصراف معظم ابنائها الى ممارسة العمل بدل الدراسة منذ الصغر لاعالة انفسهم او اهلهم . ان الصراع بين الاغنياء والفقراء او الصراع الطبقي هو صراع ازلي وجد منذ ان وجدت البشرية , فلطالما اتهم الفقراء الاغنياء على مدى عصور التاريخ بانهم اثروا على حسابهم او بسبب استغلالهم او نتيجة لظلم تعرضوا له من قبلهم . لكن السبب الحقيقي في وجود اغنياء وفقراء ليس بالضرورة هو هذا السبب فعلا , بل ان الكثير من اسبابه ترجع الى ان البشر مختلفين في امكانياتهم وقدراتهم , والدليل على هذا هو ان التعليم حين توفر للجميع ظلت هناك فئة صغيرة من الناس تستطيع ان توظفه للوصول الى الثراء والنجاح , بينما بقيت الاغلبية بالمستوى العادي الشائع . لقد كان النظام الملكي نظاما حريصا على المصلحة العامة وامينا في اختياره لمن يشغل منصب ما لانه كان يريد ان يخلق دولة عصرية متطورة بسرعة بعد قرون من التخلف , وقد حقق فعلا نجاحا كبيرا في طريق البناء والتقدم خلال عمره القصير . لذلك , فحين تأسست الدولة العراقية واخذت تبني مؤسساتها كان لابد لها بان تختار اشخاص متعلمين ومثقفين يمكن ان يتحملوا مسؤولية المناصب المهمة بالدولة , وهي لم تجد مثل هؤلاء الا بين الطبقات الميسورة في المجتمع . غير ان الدولة ادركت في ذات الوقت بان الفقراء كانوا محرومين من فرصهم بالحياة خصوصا التعلم لذلك فتحت المدارس في كل مناطق العراق وهيأت الفرص لاستقبال الجميع واخذت تبعث الموهوبين الى الخارج بغض النظر عن اصولهم العائلية او المادية . كما انها اخذت تبني لهم المساكن وتحسن من احوالهم الاجتماعية والصحية ، ولو قارنا حال الشرائح الفقيرة عند تاسيس الدولة العراقية وعند سقوط النظام الملكي لوجدنا فروقا هائلة بين الحالتين ، وبعد تغير النطام الملكي سقطت القواعد الاساسية التي كانت متبعة في اختيار الاشخاص لتبوأ المناصب العامة وصعد شعيط ومعيط اليها فقط كرد على كون تلك المناصب كانت محصورة بالاغنياء . ولو اخذنا ما حصل في العهود الجمهورية من خراب وانحطاط لما وجدنا من سبب له غير صعود الشخصيات الفاشلة والغير مؤهلة لتبوأ مناصب الدولة الرئيسية . كما ان سياسات الانتقام من الشخصيات التي كانت تحكم ربما كان سببه يرجع الى النزاع الطبقي اكثر من اي سبب اخر ، والا بماذا نفسر الاعمال الشنيعة التي اتخذت بحق رجال العهد الملكي .
5- اسقاط حركة رشيد عالي الكيلاني واعدام قادتها :
كان من بين النقاط التي اتهمت بها حركة 14 تموز 1958 النظام الملكي هي اسقاط حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 واعدام العقداء الاربعة الذين قادوا الحركة . ولكي نلقي الضوء على هذه التهمة ونفندها لابد من العودة قليلا الى الظروف التي رافقت اندلاع حركة رشيد عالي الكيلاني . خلال عقد الثلاثينات كانت الحركة النازية كحركة قومية عنصرية تنمو في المانيا وتحقق انجازات كبيرة تشد الانتباه وتهمين على الانظار في جميع انحاء العالم . وفي تلك الاثناء كان هناك تذمر كبير في اوساط المجتمع العراقي , وبالذات في صفوف الضباط من الهيمنة البريطانية والمعاهدات التي ظلت تكبل العراق بها . افرزت هذه التناقضات في اوخر الثلاثينات عن نشوء كتلتين سياسيتين , الاولى تسمى مجموعة السبعة برئاسة نوري السعيد تؤيد بريطانيا , والثانية هي المربع الذهبي برئاسة رئيس اركان الجيش والعقداء الاربعة الذي يؤيد المانيا النازية . وقد ازدادت التوترات بين هاتين الكتلتين بعد مقتل الملك غازي عام 1939 الذي اتهمت بريطانيا وحلفائها مثل عبد الاله ونوري السعيد بتدبيره , وكذلك اغتيال وزير المالية رستم حيدر الذي اتهمت الكتلة الثانية بتدبيره . وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية كان نوري السعيد رئيسا للوزراء مما دعاه الى القيام باجراءات تساند دول الحلفاء عملا بالمعاهدات المعقودة بين العراق وبريطانيا . انطلقت اصوات معارضة شديدة لهذه الاجراءات مما ادى الى استقالة نوري السعيد وتولي رشيد عالي الكيلاني رئاسة الوزراء والذي كان يميل الى المانيا , وبالتالي هيمنة مجموعة المربع الذهبي على الامور في البلاد . على اثر ذلك هرب الوصي عبد الاله ونوري السعيد من العراق , بينمااعلنت الحركة الجديدة انسحاب العراق من تحالفه مع بريطانيا بموجب معاهدة 1930 وانضمامه الى معسكر دول المحور . وبسبب هذه التطورات قامت الحركة بارسال قوات الجيش العراقي الى قاعدة الحبانية لمحاربة القوات البريطانية الموجودة فيها . اعتبرت بريطانيا هذا التحول انعظاف خطير في مجرى الحرب مما جعلها تعزز قواتها في الحبانية عن طريق الجو بالاضافة الى تقدم قوات بريطانية من الاردن نحو العراق . اندلعت العمليات العسكرية في مايس 1941 وانكسر الجيش العراقي وانهزمت قواته متقهقرة الى بغداد تبعتها القوات البريطانية . على ضوء هذا الانكسار هرب رشيد عالي الكيلاني والعقداء الاربعة الى خارج العراق ودخلت القوات البريطانية بغداد واعادت الوضي ونوري السعيد الى سدة الحكم . وقبل تقييم هذه الحركة وملاحظة اثارها وتداعياتها لابد من ان ننظر بعناية الى النقاط التالية:
أ – ان وطنية حركة رشيد عالي الكيلاني والعقداء الاربعة مشكوك فيها بدليل انهم كانوا لا يمانعون من استبدال الهيمنة البريطانية بالهيمنة الالمانية .
ب- ان التسرع باعلان الحرب على بريطانيا وهي دولة عظمى يدلل على تهور هؤلاء الضباط وضعف حنكتهم العسكرية وعدم تقديرهم لقوة الجيش العراقي مما ادى الى انكساره بسرعة وهزيمته .
ج- ان الهرب من بغداد بعد اقتراب القوات البريطانية هو دلالة اخرى على عدم تمتع مثل هؤلاء القادة باي شرف عسكري او وطنية لانهم تركوا جيشهم ينكسر ويهزم بينما هربوا هم من ساحة المعركة .
د- من الواضح بان قادة الحركة كان اقصى ما يهمهم هو الوصول للسلطة والهيمنة عليها وقد اخطأوا بحساباتهم حين ظنوا بان المانيا ستلقي بكل ثقلها الى جانبهم , خصوصا بعدما رأوا الانتصارات الكبيرة التي حققها الالمان في بداية الحرب مما جعلهم يظنوا بانه سيكسبون صراعهم مع بريطانيا وبالتالي الحصول على كامل السلطة والسيطرة على البلد .
ه – استغلت حركة 14 تموز 1958 هذه المسألة فقط لكسب تأييد الناس لها لان جماهير كثيرة كانت تتعاطف مع حركة رشيد عالي الكيلاني في وقتها . لكن لم تمر سوى عدة اشهر حتى اتضح وجه حركة تموز الشيوعي وكره قادتها لرجال حركة الكيلاني النازية , حتى وصل بهم الامر الى اعتقال رشيد عالي الكيلاني نفسه واحالته الى المحاكمة بتهمة التأمر على حركة تموز والحكم عليه بالاعدام .
و- ان الحكم بالاعدام على قادة الحركة لم يكن ظلما بل كان عاملا عادلا لانه جرى بموجب القوانين العراقية السارية التي تقضي باتخاذ اقصى العقوبات وفرض اجراءات حاسمة على الاشخاص الذين يهددون سلامة البلد في مثل هذه الظروف الحساسة , خصوصا وان هؤلاء حاولوا تغيير الاوضاع بالقوة وادخلوا البلاد في صراع هي ليست طرف فيه وبالتالي عرضوا سلامة الوطن للخطر وهذه تعبر خيانة كبرى في ظروف الحرب . كما ان الحكم جرى بمحاكمات اصولية وحسب القوانين النافذة . ان اجراءات الحكومة في حينها تكاد لا تقارن مع أجراءات حكومات العهد الجمهوري في حالات مشابهة , فمع اول محاولة انقلابية جرت ضد حركة تموز تم اعدام العشرات وجرى قتل المئات بظروف استثنائية . اما اذا اخذنا ما جرى بالعهد السابق في حالات مماثلة لوجدنا بانه تم تصفية مئات الالوف فقط خلال احداث عام 1991 وحدها , مما يجعل اعدام اربعة ضباط هو ليس الا نقطة في بحر اذا ما اخذ الامر بالمقارنة .
ز- المأخذ الوحيد الذي يمكن ان يؤخذ على النظام الملكي هو ترك جثة صلاح الدين الصباغ معلقة امام وزارة الدفاع ليوم كامل بعد تنفيذ حكم الاعدام به وهو خطأ كبير وقعت به الحكومة وما كان له من مسوغ . وحتى مثل هذا الفعل الخاطيء قد جرى ما هو اسوأ منه في العهود الجمهورية كما حدث بسحل جثث المرحومين عبد الاله ونوري السعيد وغيرهم بعد حركة 14 تموز 1958 , وتعليق جثث الجواسيس ببغداد والبصرة عام 1969 في الساحات العامة .
6- هيمنة شركات النفط على اقتصاد وثروات البلاد :
اتهمت حركة 14 تموز1958 النظام الملكي بانه ترك ثروات البلاد من النفط والغاز تحت هيمنة الشركات النفطية الاحتكارية مما حرم جموع الشعب والبلاد من الاستفادة والتمتع بهذه الثروات . ولكي نفند هذه التهمة لابد ان نلقي نظرة على ثروة العراق النفطية منذ ان اكتشفت حتى سقوط النظام الملكي . كان النفط الخام معروف منذ القدم بانه موجود بالعراق لانه توجد الكثير من المناطق بالبلد كان النفط والغاز فيها يتسرب الى سطح الارض بشكل طبيعي , كما هو الحال في كركوك والقيارة بالموصل . وكانت احد اسباب حماس بريطانيا لاحتلال العراق هو لاجل السيطرة على ثروته النفطية التي اصبحت الحاجة اليها تتصاعد في دول الغرب بسبب التقدم الصناعي والحياتي . وقد بدأ عصر الاستثمار لهذه الثروة بعد حفر اول بئر نفطية في كركوك عام 1927 حيث تدفق النفط بغزارة من حقول تلك المنطقة . لم يكن العراق في حينها يمتلك قدرات فنية على استخراج النفط الخام ولا امكانيات مالية تؤهله من استثماره , لذلك لم يكن امامه غير الاستعانة بالخبرات والامكانيات الاجنبية , ولم يكن متاحا امامه غير بريطانيا لكونها الدولة التي يخضع العراق تحت انتدابها . لذلك نجد ان الحكومة العراقية الغير مستقلة في ذلك الوقت توجهت نحو بريطانيا لاجل عقد اتفاقيات معها لاستغلال الثروة النفطية . لم تكن بريطانيا يهمها غير مصلحتها لذا وجدناها تعقد اتفاقيات جائرة وطويلة الامد مع العراق كانت حصة الاسد فيها من عائدات النفط الخام تذهب الى الشركات المستثمرة . في الواقع ان العراق لم يصبح منتجا حقيقيا للنفط الخام الا حين بدأ نفطه يتدفق الى الخارج عبر انابيب النفط التي مدت الى البحر الابيض المتوسط في اوائل عقد الخمسينات , والى الخليج العربي في اواخر ذلك العقد , اما قبلها فلم يكن العراق منتجا كبيرا من الناحية الاقتصادية . وبعد الوصول الى هذا الحال قامت الحكومة بخوض مباحثات صعبة مع شركات النفط استطاعت بموجبها ان تحصل على نصف العائدات المستحصلة من بيع النفط العراق حتى قبل خصم نفقات الانتاج , اي ان الشركات اصبحت تأخذ نصف العائدات مع خصم كلفة الانتاج من حصتها فقط . كان هذا كسبا كبير حققته الحكومة في وقتها مما اتاح للدولة المباشرة بخطة انفجارية للاعمار بدأت عام 1951 بتأسيس مجلس الاعمار خصص له جميع عائدات الدولة من بيع النفط الخام , واستمرت عام 1955 بالدورة الثانية له حيث خصص لها في حينها 75% من واردات النفط . كانت هذه انجازات عظيمة حققتها الحكومة وقد بنيت مشاريع هائلة لا زال البلد لحد اليوم ينعم بخيراتها . كما ان هناك ادلة على ان الحكومة كانت تسعى لسحب الاراضي العراقية الغير مستثمرة من سيطرة الشركات النفطية لكي يجري استثمارها من خلال الجهد الوطني العراقي , لكن قيام حركة تموز 1958 حال دون ذلك . لم تستطيع الحكومات اللاحقة في عقد الستينات ان تنجز انجازات مفيدة مماثلة للعراق في مجال استثمار الثروة النفطية , فمع ان القانون رقم 80 الذي سحب الاراضي الغير مستثمرة من سيطرة الشركات النفطية شرع فعلا ودخل حيز التنفيذ عام 1961 الا انه لم يجري ابدا بعدها استثمار النفط الخام وانتاجه وطنيا على المستوى الاقتصادي الا في عام 1970 بعد عقد اتفاق لانتاج النفط من حقل الرميلة الشمالي عام 1970 مع الاتحاد السوفيتي . وفي الواقع كان هذا الاتفاق اكبر ضربة فنية توجه الى هذا الحقل العملاق الذي كان يعد من اكبر الحول النفطية بالعالم . فبسبب الخبرات الهزيلة للجانب السوفيتي وضعف التقنية الميكانيكية والعملية التي يمتلكها اصيب هذا الحقل بمقتل ادى الى تسرب جميع مكوناته الغازية بسرعة هائلة مما ادى بعد فترة قصيرة الى اللجوء الى استخراج النفط الخام عن طريق حقن المياه مما اثر على نوعية وكمية النفط المستخرج وانخفاض اسعاره . وبعد تأميم النفط الخام عام 1972 زاد الاعتماد على خبرات المعسكر الاشتراكي في انتاج النفط الخام مما اصاب الكثير من الحقول النفطية باضرار مماثلة لم يعوض الخسارة فيها الا غزارة الانتاج الذي هو صفة كل الحقول العراقية . ثم مرت السنون والعقود واكتشف بعد عشرات السنين بان عقد اتفاقيات نفطية مع شركات كبرى هو افيد للعراق بدل الهدر الكبير الذي كان يجري في تلك الثروات بسبب ضعف الامكانيات المحلية وقلة الخبرات الوطنية . ان هذا يؤكد على ان الحكومة الملكية لم تكن مبددة للثروة النفطية العراقية بل كانت حكومة واقعية تتصرف بالممكن والموجود وبما تمليه عليها الظروف لتحقيق اكبر فائدة ممكنة للعراق وشعبه دون تعريض اي من ثرواته للنزيف والضرر كما حصل لاحقا . لم تكن الحكومة تتصرف وكأنها وجدت تلك الثروة بالشارع فأخذت تستغلها باي طريقة ممكنة وباي شكل كان وكأنها لص لا يهمه ان يبيع مسروقاته باي ثمن بدل ان يبقيها معه . بل كانت حكومة تؤمن بان هذه الثروة هي ملك للشعب وان كل فلس يأتي منها يجب ان يعود للشعب ولفائدته مما دفعها لان تخطط بحكمة وتنفذ بدراية لما فيه خير هذا البلد ورفاهية ابنائه .
وسام الشالجي
15 كانون الثاني (ديسمبر) 2014