اخر المواضيع في المدونة

السبت، 31 مايو 2014

تحويل كتاب "النبي" لجبران خليل جبران الى فلم كرتون

واخيرا , رفع الستار عن فصل جديد من فصول المؤامرة المنظمة والحرب المشنة على التراث الثقافي العربي وارثه الانساني , من خلال استهداف هذه المرة فرعه النازح الى الغرب الذي صاغته عبقرية ادباء العرب في المهجر . فقد تداولت وسائل الأعلام مؤخرا الخبر التالي :– (تقوم الممثلة المكسيكية سلمى حايك بتحويل كتاب "النبي" لجبران خليل جبران الذي يعد من روائع الأدب العالمي وثروة لا تقدر بثمن  الى فيلم كرتون (رسوم متحركة) . وقالت سلمى حايك معلقة على هذه الخطوة : "يشكل كتاب النبي مصدراً مذهلاً للحكمة والإلهام الانساني بالنسبة للملايين من الناس في شتى أنحاء العالم ، ولكوني أنحدر من أصول لبنانية عربية ، فأنا فخورة بأن اكون جزء من هذا المشروع الذي يقدم هذه التحفة الإبداعية للجيل الجديد بأسلوب كرتوني لم يسبق له مثيل" . والى جانب سلمى حايك سيتولى مهمة إخراج هذا الفلم الذي سيصور فصول الكتاب الكلاسيكي الذي نشر قبل 89 عاماً باللغة الإنجليزية وترجم الى كل لغات العالم ، عدد من أبرز المخرجين الحائزين على جوائز الاوسكار , مثل المخرج (روجر آلرز) الذي سبق له وقدم فيلم  الاسد الملك (او "ذا لايون كينج") , حيث سيتولى مسئولية الربط بين الأعمال من خلال السرد . ومن المنتظر بدء مرحلة ما قبل الإنتاج خلال الشهر الحالي . ويقوم بإنتاج الفيلم كل من سلمى حايك وكلارك بيترسون ورون سينكووسكي , بينما تقوم مؤسسة الدوحة للأفلام بتمويل هذا الفيلم الى جانب عدد من الشركاء هم بارتيسيبانت ميديا ، ومجموعة مايجروب اللبنانية ، وبنك إف إف إيه الخاص ، وجاي آر دبليو إنترتينمنت ، وكود ريد برودكشن) - انتهى الخبر .

يبدوا بان السينما العالمية بكل امكانياتها وكل تقنياتها المتقدمة وكل ما تضمه من ممثلين كبار ومخرجين لامعين قد شعرت بالعجز عن انتاج فلم حقيقي بمستوى راقي يليق بمقام كتاب (النبي)  لجبران خليل جبران , فلم تجد غير تحويله الى فلم كرتوني حاله من حال بيتربان وفروزن وغيرها . ويبدوا ان صناع السينما في هوليود الذين جسدوا اغلب الشخصيات العالمية من خلال افلام سينمائية , خصوصا التاريخية منها مثل النبي موسى والنبي عيسى , وحتى الخيالية مثل سوبرمان وسبايدرمان , قد وجدوا انفسهم لا يستطيعون تجسيد عظمة أدب جبران خليل جبران بواسطة شخوص حقيقيين فقرروا تمثيلها برسوم متحركة . ويبدوا ان كتاب (النبي) بكل ما يحمله من ارث انساني كبير سيحتاج فيما لو انتج الى  ميزانية ضخمة تعجز استوديوهات هوليود عن توفيرها , لذلك لم يجد منتجوا الفلم الحريصين على اظهار هذا الكتاب بما يليق به غير ان يلجأوا الى مؤسسات مالية ضخمة , عربية واجنبية لكي تمول هذا الانتاج الكبير أملا في ان يدحر اعظم ما انتجته السينما العالمية من افلام مثل أفاتار وملك الخواتم وتايتانك وغيرها . ويبدوا ايضا بان مخرج واحد لن يكفي لمثل هذا الانتاج الضخم , ولا اثنين ولا حتى ثلاثة , مما اضطر بصاحبة الفكرة لان تجمع الى جانبها تسعة من أشهر مخرجي افلام الكرتون في العالم لكي يقوموا باخراج ما يمكن ان يكون معجزة العصر القادمة , فلم (النبي) الكرتوني لجبران خليل جبران .

يا سبحان الله ! لم يبقى هناك من يضحك علينا حتى أتى الينا من وراء البحار من اكشف للتو بانه من اصل عربي وان له الحق بناء على ذلك في ان ينصب نفسه كمدافع عن حقوقنا وان يرفع صوته عاليا لأظهار مكانة التراث الثقافي العربي والوقوف وقفة قوية لإعادة الاعتبار لأدبنا وأدبائنا في المحافل الدولية . كما ان هذا القادم الجديد فطن فجأة الى ان جبران خليل جبران لم يأخذ حقه في التكريم لا من وطنه الام ولا من وطن المهجر فقرر ان يضعه في المكان اللائق به من خلال تحويل اعظم اعماله , وما وصف بانه "نشيد الانسانية" , الى فلم كرتوني واعدا ايانا بأنه سيكسر كل ما انتجه والت ديزني من افلام مثل توم اند جيري وميكي ماوس , وكل قصص الكرتون مثل الغواصة الزرقاء وعدنان ولينا وبوجي وطمطم . ليس هذا فقط , بل ان المصطفى في كتاب (النبي) لجبران خليل جبران سيحطم بعد ان يتحول الى رسوم متحركة صورة بكزبني ويوسمايت سام ويزيلها من ذاكرة المشاهدين ويضعهم في مراتب متأخرة في قائمة اشهر شخصيات الرسوم المتحركة بالتاريخ . كما أن شخصيات مثل سندريلا وسنووايت ستصبح ليست اكثر من اسماء صغيرة امام (المطرة) - او العرافة في كتاب "النبي" بعد ان تخرجها عبقرية اعظم مخرجي الكرتون في العالم لما ستتركه من اثر في نفوس المشاهدين .

اي مهزلة هذه التي نراها ونسمع بها , واي درك انحدرنا اليه لكي يضحك علينا مثل هؤلاء . ان اي فلم رسوم متحركة حتى لو كانت قصته مأخوذة من اعظم كتب العالم , وحتى لو اشتركت في انتاجه اكبر شركات السينما في العالم , وحتى لو انفق عليه المليارات وليس الملايين لن يكون في النهاية غير فلم كرتون , ولن يشاهده غير الاطفال في الاوقات المخصصة لهم في القنوات التلفزيونية , او في اوقات الاستراحة والفرفشة في المدارس الابتدائية . ومن المؤسف ان تقوم بتمويل هذا الفلم الكرتوني مؤسسات مالية عربية دون ان تعي مدى الضرر الذي ستسببه للتراث الثقافي العربي . ومن الغريب ايضا ان تسارع شركات لبنانية للمشاركة بهذا الانتاج في الوقت الذي يجب ان تكون فيه احرص من بقية العرب على الحفاظ على مكانة هذا الكتاب العظيم الذي هو من تأليف اديب رائع من اصل لبناني . نحن نفضل الف مرة بان يبقى كتاب "النبي" لجبران خليل جبران مجرد كتاب , وان لا يظهر ابدا بالسينما العالمية بدلا من ان يصبح بعد كل هذا الزمن على تأليفه اضحوكة كرتونية .

ان كل مثقف عربي مدعوا اليوم الى وقف هذه المهزلة الكبرى ورفع اصواتهم عاليا للتصدي لهذه المؤامرة وايقاف انتاج هذا الفلم الذي سيجعل من كتاب (النبي) لجبران خليل جبران فلم رسوم متحركة . كما ان كل مواطن عربي مدعوا ايضا لايقاف مثل هذه المساعي التي ستؤدي بالنهاية الى تشويه ارثنا الثقافي وتحويل ما خطه قلم واحد من اعظم أدباء هذه الامة الى مهزلة مضحكة ستجعل كل امم العالم تسخر من تراثنا ومن أدبنا ومن أدبائنا . لا يجب ابدا ان نبقى ساكتين على مثل هذا الضرر وهذه الاساءة التي يتعرض لها ارثنا الثقافي العربي . ولا يجب ان نبقى نتفرج على معاول التكسير والتدمير وهي تنال من تراث هذه الامة بيد كائن من كان منتهكة حرماته ومشوهة صورته , وحسبنا الله ونعم الوكيل  .

وسام الشالجي

المقال منشور بجريدة الزمان العراقية على الرابط ادناه