اخر المواضيع في المدونة

الاثنين، 3 يونيو 2013

لماذا يكره عراقيو الداخل عراقيي الخارج


بقلم
وسام الشالجي


قبل يومين قرأت مقالا مهما لصديقي الاستاذ الكاتب كاظم فنجان الحمامي بعنوان (من يحمي العراقيين في الاردن) . وقد هممت ان ارد عليه ردا قصيرا اقول له فيه بانه من غير المتوقع ان يهب احد لحماية هؤلاء , لا حكومة ولا وزارة خارجية ولا منظمات مجتمع مدني ولا حتى من عامة الناس لسبب بسيط هو ان عراقيي الخارج مكروهين من قبل عراقيي الداخل . لكني فضلت بعد ذلك بان يكون ردي بشكل مقال اتوسع قليلا فيه حول هذا الموضوع .

منذ ان بدأت الهجرة الى خارج العراق تتسع وتاخذ حيزا محسوسا ابتداء من عقد الستينات , كانت هناك نظرة سلبية تجاه هؤلاء المهاجرين سواء من قبل الحكومة او من قبل المواطنين العاديين . كانت تلك الهجرة في البداية تقتصر تقريبا على المواطنين المسيحيين لاسباب دينية والمهاجرين لاسباب سياسية . بالنسبة للمسيحيين فقد كانت اسباب هجرتهم تعود الى تعاظم التوجه الديني الاسلامي لدى عامة الناس مما جعل المسيحي يشعر بانه ولد في المكان الخطأ وان عليه ان يصحح هذا الخطأ من خلال الهجرة الى دولة مسيحية . اما الاسباب السياسية فهي مجموعة ظروف تدفع اي معارض سياسي الى مغادرة الوطن والعيش في دولة اجنبية لسبب بسيط هو ان كل الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق لا تطيق وجود اي معارض لها لان المعارض في نظرها هو شخص يريد ازاحتها عن السلطة , لذلك فهي تبطش به ابشع بطش يصل الاعدام او الالقاء في غياهب السجن لفترات طويلة جدا . لذلك كان اي معارض للحكومة يهرب من العراق في اول فرصة تتاح له لكي ينجوا بحياته ويسلم على جلده . غير ان الامر اختلف في العقود اللاحقة وتوسعت الهجرة حتى اصبحت هجرة المسلمين تفوق كثيرا هجرة المسيحين . كما ان الاسباب وراء الهجرة اختلفت ايضا لتشمل بالاضافة الى ما تقدم الهجرة لاسباب اجتماعية واقتصادية . وبعد عام 2003 اضيف الى هذه العوامل الهجرة لاسباب طائفية والهجرة فرارا من الارهاب والقتل المنتشر بالبلد .


هناك حقيقة يجب ان لا نغفل عنها وهي ان السفر الى خارج العراق ابتداء من نهاية عقد الستينات حتى عام 2003 كان أمر في غاية الصعوبة على طول الخط . فقد دأبت الحكومة على وضع العراقيل والمعوقات أمام مواطنيها الراغبين بالسفر الى الخارج , وكانت هذه الصعوبات تتطور احيانا لتصل الى درجة المنع الكلي كما حصل طيلة عقد الثمانينات . ان من اهم الاسباب التي دفعت الحكومة الى اتخاذ مثل هذه الاجراءات هو لعدم اتاحة الفرصة امام المواطن العادي لكي يلاحظ الفرق بين الشكل الذي يعيش فيه داخل العراق والشكل الذي يعيش فيه اي انسان في اي بلد اخر . ليس هذا باجتهاد , لانه جاء بالضبط بهذا المفهوم على لسان رئيس النظام السابق خلال احد اجتماعات المشتركة لمجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية عام 1990 . كانت الحكومة تعلم بان احوال البلد تتدهور باستمرار بسبب الصعوبات الاقتصادية التي يمر بها , وتعلم ايضا بانها لا تستطيع ان توفر للمواطن ما هو متاح لاي انسان عادي في البلدان الاخرى , لذلك كان اسهل طريق لاحتواء اي تذمر يمكن ان يحصل هو في عدم اتاحة الفرصة للمواطن في رؤية احوال الناس في الدول الاخرى من الاساس .


لكن مع ذلك لم يكن صعبا امام المواطن ان يشعر بهذا الفرق ويلاحظه سواء من خلال الافلام السينمائية او المجلات او ما ينقله المسافرين العائدين . لذلك تولد مع الوقت نوع من الحسد في نفسية كل مواطن تجاه العراقيين الذين استطاعوا ان يغادروا الوطن واصبحوا يعيشون في الخارج . وبمرور الزمن تطور هذا الحسد فتحول الى كره لان الاوضاع لم تكن تتحسن بل كانت تسوء باستمرار الى درجة جعلت المواطن يحقد على اي شخص يعرفه استطاع ان يهاجر الى الخارج . بل ان علائم الكره والحسد والحقد تجاه المهاجر تبدأ حتى قبل ان يقوم فعلا بالسفر , فبمجرد ان يعرف بان شخصا ما سيهاجر ترى من يحاول ان يثنيه عن عزمه او من يحاول وضع العراقيل في طريقه او الكيد له بشكل او بأخر , او اهماله وعدم السؤال عنه على ابسط تقدير .

قبل عام 2003 كان الامر هينا , وكانت النظرة السلبية تجاه المهاجر تقتصر تقريبا على الحكومة التي كانت تضع مثلبة على وطنية اي عراقي يعيش في الخارج . وقد نقلت الحكومة نظرتها هذه بكل الوسائل المتاحة الى الناس العاديين , حتى بات كل مهاجر من العراق في نظرها ونظر الناس هو "خائن الى ان يثبت العكس" . وقد حاول طارق عزيز ان يغير من سياسة ونظرة الحكومة هذه تجاه المهاجرين فبادر الى اقامة مؤتمرات سنوية للمغتربين العراقيين , وطاف بالبلدان لدعوة بعض المهاجرين لحضور هذه المؤتمرات وقام بتزويدهم بهويات تعطيهم بعض التسهيلات . لم يكن هذا التصرف مخلصا وشاملا لانه اقتصر تقريبا على المهاجرين لاسباب دينية من المسيحيين خاصة , وبعض الفئات القليلة التي هاجرت لاسباب اجتماعية واقتصادية . اما المهاجرين لغير هذه الاسباب فكانوا غير مشمولين ابدا بتوجهات طارق عزيز هذه .


لكن بعد عام 2003 تغير الامر بعدة اتجاهات . فقد توسعت الهجرة بشكل لم يسبق له مثيل الى درجة اعتبر العراق فيها ثاني دولة عربية بعد فلسطين هاجر (او تم تهجير) جزء كبير من شعبها الى الخارج وتشتت في كل البلدان . بل ان عدد المهاجرين العراقيين فاق باضعاف مضاعفة عدد المهاجرين الفلسطينيين الذين طردوا من بلدهم . وتعود اسباب هذه الهجرة الكبيرة الى الفوضى والحرب الاهلية الطائفية وانتشار الارهاب في كل مكان من البلد . ومرة اخرى عاد الكره والحقد من قبل عراقيي الداخل تجاه عراقيي الخارج يبرز من جديد وبدرجات فاقت كثيرا المستويات التي كان عندها في الماضي . لم تكن الفروقات في المعيشة هي الطاغية هذه المرة والمسببة لهذا الحقد , بل ان انتشار الموت نتيجة للتفجيرات الارهابية والنزاعات الطائفية والقتل على الهوية داخل العراق هو الذي كان وراءه .

ومع ان ترك العراق والهجرة منه اصبح متاحا امام اي انسان على عكس ما كان في العقود السابقة , الا ان الكثير من الناس لم يهاجروا او يتركوا الوطن لاسباب تتعلق بهم . فهناك من يرى بان اوضاعه الاقتصادية تحسنت بشكل كبير واصبح دخله يفوق دخل اي شخص في الدول المجاورة وحتى الدول الغربية . وهناك من توفرت له فرص عمل تضمن له دخل كبير جدا سيكون غبيا ان تركه . وهناك من يرى بان الامتيازات التي توفرت له لم يكن يحلم بها في الماضي مما يجعل امر تركها والذهاب الى مستقبل مجهول في بلد اخر امر غير محبذ او مرغوب به . كما ان البعض الاخر يرى بان افاق المستقبل تدل على ان وضع العراق الاقتصادي سيكون في الافق المنظور على درجة عالية من التحسن فاصبح من الان يعد العدة لبناء اساس قوي له داخل البلد لكي يستثمر بقائه ويجعله المستفيد الاول من هذا التحسن . وعدا هذه الاسباب الجوهرية هناك ايضا اسباب ثانوية لا تقل اهمية منها توفر السكن , توفر فرص العمل الذي لا يقارن ببساطته اذا ما قيس بصعوبات العمل في الدول الاخرى , توفر التعليم المجاني , توفر الحرية في ممارسة الطقوس الدينية . ان كل هذه الامتيازات والفرص جعلت من حال العراقي في الداخل افضل بدرجة كبيرة من العراقي الذي يعيش في الخارج . فعراقيي الخارج المهاجرين يعانون من صعوبات جمة سواء من الناحية الاقتصادية او في الدراسة وتعادل الشهادات او في اللغة وكذلك في الامور الاجتماعية وصعوبة الاندماج بالمجتمعات التي هاجروا اليها . لكن مع ذلك فان عراقيي الداخل ظلوا يحقدون على هؤلاء ويحسدونهم بالرغم من ان الكثير من الفروقات اصبحت معكوسة لصالح من في الداخل  .



لذلك اقول في نهاية مقالي هذا لصديقي الاستاذ كاظم فنجان الحمامي بان لا ينتظر ان يهب احد ليحمي العراقيين في الاردن لسبب بسيط هو وجود حالة الحقد والكره والحسد في نفوس الكثير من عراقيي الداخل تجاه عراقيي الخارج , ومن بينهم العراقيين الموجودين في الاردن . هذه الحالة موجودة ومستمرة وهي تشتد بين اونة واخرى , خصوصا حين تتفاقم ضراوة الهجمات الارهابية ويتوسع نطاق النزاعات السياسية والطائفية كل فترة . بل ان هذا الحقد والحسد يصل في بعض الاحيان الى درجة الاشتفاء بهم , بحيث يصبح معه الشعور العام لدى الناس ما مضمونه (تستاهلون ما جرى لكم لمجرد انكم تركتم الوطن وذهبتم للعيش في دولة اخرى) .

 


 3  حزيران 2013