اخر المواضيع في المدونة

الخميس، 22 نوفمبر 2012

خاطرة في عيد ميلادي

مع كل سنة تمر يصغر العمر سنة


قد يبدوا هذا العنوان غريبا لكني حقيقة اعني كل ما جاء فيه . في ذكرى عيد ميلادي التي تمر اليوم احب ان اتحدث بخاطرة وابوح بهمسة تأتي من دواخلي علها تكون مفيدة لغيري مثلما وجدتها مفيدة لي . في كل عام يمر يأتي علينا خلاله يوم نسميه عيد ميلادنا . وفي كل مرة ياتي علينا هذا اليوم يصبح عمرنا برقم اكبر مرتبة مما كنا عليه سابقا . ومهما تظاهرنا بالفرح والسعادة في مثل هذا اليوم وهنأنا الاخرين بمجيئه وقدموا لنا الهدايا , الا علينا ان نعترف بان بعض الحزن ينتابنا لاننا اصبحنا بعمر اكبر . ان قياسات الكبر والصغر في مفاهيمنا لا تتعدى امرا واحدا هو مسالة القرب او البعد من النهاية , لهذا فان من البديهي ان نصاب بالاكتئاب كلما كبرنا اكثر لان هذا يعني الاقتراب من النهاية المحتمة على كل ما هو حي . لا يستطيع اي منا ان يمنع نفسه من ان يفكر بتلك النهاية ومتى ستأتي لتسجل خاتمة لمسيرة مضينا بها وستنتهي في يوم من الايام طال العمر ام قصر . ان حزننا المغلف بمظاهر السعادة التي نتظاهر بها في عيد ميلادنا أت من خطأ كبير ينطلق في كوننا نقيس مسيرة العمر بقياسات تقليدية لا تتعدى اكثر من تسطير الارقام وعدها . فاذا كان الامر كذلك فعلا فان من الطبيعي ان نحزن , وحتى نقلق كلما اصبح رقم عمرنا أكبر لانه بالتأكيد يعني الاقتراب من الاكتمال بعد كل مرة يأتي فيها عيد ميلادنا . لكن الامر قد يختلف تماما اذا ما نظرنا الى هذا الرقم المتزايد من زاوية مختلفة . هذه الزاوية تأتي من سؤال لابد وان يسأله كل واحد منا لنفسه هو "ماذا عملت من عمل مفيد خلال هذه السنين التي مرت من العمر ؟" انا لا اقصد بهذا السؤال الموضوع التقليدي الذي يفكر به اكثر الناس والذي يتمحور حول فكرة "ماذا عملت لاخرتي وكيف ساواجه ربي ؟" . بالنسبة لي فانا لا افكر بهذه الطريقة ابدا لان نظرتي الى الساعة التي سأواجه بها ربي تختلف كثيرا عن ما يراها الاخرين . انا افضل الف مرة في ان القى ربي وانا اقول له "انظر يا ألهي ماذا عملت خلال عمري من اعمال مفيدة للناس وماذا تركت ورائي لينفعهم وحاسبني على ذلك" , على ان القاه وليس في جعبتي سوى ان اقول له "افتح دفاترك يا ربي وعد كم مرة صليت لك فيها وكم يوما صمته لك تعبدا فيك وتقربا منك وكافئني عليها بالمقابل" . انا اعرف بانه لن يوافق على راي هذا ونظرتي هذه الكثيرين , لكني لن اشغل نفسي في انتظار ان يوافقوا عليه او لا يوافقوا لان الامر قد حسم في داخلي وانتهيت منه . لن امضي بحياتي كما يريد ان تمضي بها الوعاظين , بل سامضي بها كما يرتأيها عقلي وتدلني عليه حواسي وترشدني اليه قناعاتي .

قبل سنين بعيدة رأيت اصدقاء لي واناس بنفس عمري وقد دب في اجسامهم الهوان وملئت نفوسهم الحسرة واصبحوا يبدون اكبر بكثير من اعمارهم الحقيقية . وحين كنت اسئلهم عن سبب هذا الحال كانوا يقولون لي بلهجة عراقية بسيطة (يمعود لعد شتريد ؟ اصلا احنا انتهينا) . كنت اعجب على كلمة النهاية التي تنطق بها افواه هؤلاء بالرغم من انها لم تحن ولم يأتي اوانها بعد . فاذا كانت النهاية قد ارتسمت على وجوه هؤلاء قبل سنين بعيدة فترى كيف هو حال وجوههم اليوم . ومن خلال نظرتي لهؤلاء ونظرتي الى نفسي وتفكيري بمعاني الحياة وطبيعتها ادركت حقيقة كبيرة اعتبرها اليوم اكسير الحياة الذي توصلت اليه . هذه الحقيقة هي ان الانسان ينتهي فعلا ويقترب من نهايته حين لا يبقى امامه ما يستطيع او يود ان يفعله . ولاني احب الحياة واعشقها واريد ان احياها قررت بان استمر بها من خلال الابقاء دائما على شيء كبير اريد ان افعله , وان ارغب بالاستمرار بقوة من اجل انجاز اشياء كبيرة لم افكر بانجازها سابقا . بهذا الشعور وهذه الروحية تغير كل شيء في ولم تعد الموازين والمقاييس ترى من قبلي بنفس الطريقة التي يراها الاخرين . اصبح فكري منشغلا في كيف يمكن لي ان اصنع شيئا مفيدا ما صنعته سابقا وان اقدم عطائا نافعا لم افكر به فيما غاب من الايام . وقد اصبح الزمن لهذا السبب ثمينا بالنسبة لي بعد ان اضعت الكثير منه من دون ان افعل شيئا , واخذت ارى بان من الواجب علي الان ان استثمر كل دقيقة بقيت من زمني لكي اقدم وابتكر واعمل ما يشكل حضورا واضحا لي وما يترك اثرا في نفوس الناس . ومن نفس هذا المنطلق اصبحت في كل يوم اضع فيه رأسي على وسادتي ليلا ادعوا الله بان يجعلني اقوم باليوم التالي بما لم اقم به سابقا وان اصنع ما لم استطع ان اصنعه في الماضي وان يمنحني القدرة والطاقة على فعل ذلك . لم يبخل علي الله بالاستجابة لما ادعوه حتى اصبحت حين استيقظ صباحا اجد في نفسي طاقة هائلة كشعلة تتقد وكلهيب يتأجج وقوة دفع كبيرة متأتية من الداخل لتملأ كل كياني حيوية وشبابا وقدرة على العمل والانجاز والعطاء . لهذا لم اعد اشعر ابدا بان عمري يكبر بل اخذت اراه يصغر ووجدت الزمن يتطاول امامي ويتمدد بعيدا بسبب هذه الرغبات المتفجرة .

كما اني اريد بان ابوح بحقيقة اخرى مذهلة اكتشفتها نتيجة لهذا الحال المتجدد هي ان الشباب اذا كان مرغوبا به يمكن ان يتطاوع مع الارادة ويصبح متاحا باستمرار وموجود في اليد طول الوقت لمن يريده ويبحث عنه , مثلما ان الهرم يمكن ان يدب في اجساد اناس وهم لا زالوا في ريعان الشباب نتيجة لأضمحلال الرغبة بالعيش وتفشي اليأس المنبعث من دواخلهم الى كل اوصالهم . ليس هذا فقط بل أن بذور الحياة الكامنة بالنفس يمكن لها هي الاخرى بان تتكاثر وتتفجر فيها الحياة طالما اراد الانسان ان يستمر بالعيش ويكون شجرة مثمرة مفيدة , مثلما تضمحل وتموت مبكرا حين يتحول الانسان الى شجرة خبيثة مضرة . لقد شاهدت اناس تجاوزوا الستين وقاربوا السبعين وهم منتصبي القامة وعريضي الصدر وبلياقة جسدية عالية مفعمين بالطاقة ومنطلقين بالحياة بتفاؤل كبير ويتأبطون اذرع فتيات يصغروهم بعشرين او ثلاثين عاما دليلا على الحيوية المتدفقة في اجسادهم . ورأيت ايضا رجال لم يصلوا الاربعين وقد سقطت اسنانهم وابيض شعرهم وانحنت ظهورهم وملئت التجاعيد وجوههم واصبحت اشكالهم اشكال الشياطين حتى يكاد يهرب منهم كل من يراهم . الفرق بين هؤلاء وهؤلاء هو ان النوع الاول اناس يحبون الحياة ويريدون ان يحيوها ويعيشوها كما يجب ان تعاش ولا يفكرون بالنهاية المقتربة بل يجدوها تتباعد عن ايامهم كلما استمروا بالحياة بشكل اجدى وانفع فتطاوع الزمن معهم ومنحهم كل ما يريدوه لانه وجد فيهم استحقاق للحياة . اما النوع الثاني فهم اناس فقدوا العزيمة ودب اليأس والضعف في نفوسهم واجسادهم ولم يعملوا في ايامهم غير ان يأكلوا ويركضوا وراء اللذائذ مثل البهائم فاصبحت نهايتهم تتقارب وتلوح بالافق حتى وان كان يفترض بان في حياتهم وقتا طويلا متبقيا , والسبب هو ان الحياة لم تجد فيهم ما يستحق ان يبقوا على قيدها فاخذت تخطف منهم الايام المقدرة لهم وتحذفها من ارقام اعمارهم .

هذا ما تعلمته من اسرار الحياة , ولو كان متأخرا بعض الشيء . وختاما اقول , أدام الله وبارك من يريد ان يعيش ليعطي وان يكون شجرة مثمرة تعطي ثمارها بفرح لمن حولها . وابقى الله ومد بعمر من يريد ان يكون شمعة مضيئة تنير سماء ما يجاورها ومن يحب الاخرين ويريد لهم الخير والسعادة مثلما يريدها لنفسه . وقبح الله وازال النفوس المريضة الحاقدة على الاخرين والحاسدة لاعمالهم والكارهة لمحاسنهم . وقلع الله واجتث الشجرة الخبيثة التي تحمل الشر في عروقها وتبث السم من اوراقها لتقتل الخير وتزيل النعم وتنشر الخراب . وكل عام وكل محب للحياة وساع لان يعيشها من اجل ان ينفع الناس بالف خير .



وسام الشالجي